الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                مسألة : فيما يكره من الأسماء

                                                                                                                وفي " الموطأ " : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنعجة تحلب : " من يحلب هذه ؟ فقام رجل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اسمك ؟ فقال : مرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلس ، ثم قال : من يحلب هذه ؟ فقام رجل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اسمك ؟ فقال : حرب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلس ، ثم قال : من يحلب هذه ؟ فقام رجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما اسمك ؟ فقال : يعيش ، فقال : احلبها . قال الباجي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الأسماء ما يقبح منها ، وسألهم عن أسمائهم ليناديهم بها ، أو ليتفاءل بها ، وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم ابنة عمر بن الخطاب كان اسمها عاصية فسماها جميلة ، قال : والفرق بين هذه وبين الطيرة أن الطيرة ليس في لفظ ما يتطير به ولا في معناه ما يكره ، بل مجرد الوهم الفاسد وسوء الظن بالله تعالى ، قال : والمنع في الأسماء لثلاثة أسباب : القبح كما تقدم ، أو لمخالفة الدين كما كره اسم امرأة اسمها برة ، فقال : " تزكي نفسها ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب " .

                                                                                                                قال مالك : ولا يسمى بياسمين ، ولا بمهدي ، ولا جبريل ، والهادي أقرب .

                                                                                                                قال صاحب " البيان " : قال مالك : يقول الله : ( يس والقرآن الحكيم ) يقول : هذا اسمي يس ، قال صاحب " البيان " قيل : هو اسم الله تعالى ، وقيل : هو اسم القرآن ، فعلى هذين تمتنع التسمية به ، وعن ابن عباس معناه : يا إنسان ، بالحبشية ، وعن مجاهد : مفتاح افتتح الله به كلامه ، فعلى هذين تجوز التسمية به ، فكرهه مالك للخلاف فيه .

                                                                                                                [ ص: 338 ] وفي " المنتقى " : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رفيقنا بأربعة أسماء : أفلح ، ورباح ، ويسار ، ونافع ; لأنه يقال : ثم هو ؟ فتقول : لا ، وقد تمتنع التسمية منع تحريم لما فيها من التعاظم الذي لا يصلح إلا لله تعالى ، كما في " مسلم " قال عليه السلام : " إن أخنع الأسماء رجل تسمى بشاه شاه " ، مالك الأملاك ، قال بعض العلماء : يلحق به قاضي القضاة ، قال الباجي : وقد يختص المنع بحياته عليه السلام كقوله عليه السلام : " سموا باسمي ، ولا تتكنوا بكنيتي ، وإنما أنا قاسم أقسم بينكم " فنهى أن يدعو أحد أحدا : أبا القاسم ; لأن رجلا نادى رجلا بالبقيع : يا أبا القاسم ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني لم أعنك ، [ وهذا عدم بعده عليه السلام ، فلذلك كان يكنى بذلك محمد بن أبي بكر الصديق ، ومحمد بن علي بن أبي طالب ، وغيرهما ] ، قال مالك : وأهل مكة يتحدثون ما من بيت فيه اسم محمد إلا رأوا خيرا ورزقوا ، ومن أفضل الأسماء ما فيه عبودية لله تعالى ، قال عليه السلام في " الصحيحين " : " أحب أسمائكم إلى الله تعالى عبد الله ، وعبد الرحمن " .

                                                                                                                والكنى على ضربين : صادقة ، وكاذبة ، نحو : يا أبا عمير ما فعل النغير ، وأبو محمد لعبد الله ، وأبو إبراهيم لإسماعيل ، فأخبر عليه السلام أن كنيته صادقة .

                                                                                                                فإن قيل : الكنية أبو القاسم ، وهو قاسم الغنائم لا أبو القاسم .

                                                                                                                قلنا الأب هنا ليس على بابه ، كالابن في ابن السبيل لملازمته السبيل ، والقسمة أشبهت ملازمة الابن أمه أو الأب ابنه ، ومنه أبو الفضل ، وأبو المكارم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية