الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الرابع ، في الواجب عليه : ويتضح برسم : فروع ستة : الأول ، في ( الكتاب ) : من اكترى أرض خراج أو غيرها ، فعليه الزكاة . وقاله ( ش ) . وقال ( ح ) : الخراج يسقط زكاة الزرع .

                                                                                                                ثم يحتاج لبيان الخراج ، وهو نوعان ، الأول : وضعه عمر - رضي الله عنه - على أرض العراق لما فتحها عنوة ، وقسمها بين المسلمين ، ثم رأى أن ينزلوا عنها ليلا يشتغلوا عنها بالجهاد ، فتخرب ، أو بها عن الجهاد ، فنزل عنها بعضهم بعوض ، وبعضهم بغير عوض ، وضرب الخراج عليها . قال سند : هو أجرة عند مالك و ( ش ) وأوقفها على المسلمين ، وكذلك منع مالك الشفعة فيها ، وقيل : بل باعها [ ص: 87 ] من أهل الذمة بثمن مقسط يؤخذ في كل سنة ، وهو الخراج ، وجازت الجهالة فيها لكونها مع كافر ، وللضرورة . والنوع الثاني : أن يصالح بعض الكفار على أرضهم بخراج فيكون كالجزية ، فإذا أسلموا سقط خلافا لـ ( ح ) بخلاف الأول ، احتج بقوله عليه السلام : ( لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم ) ولأن سببها واحد فلا يجتمعان كزكاة السوم والتجارة ، والجواب عن الأول : منع الصحة ، سلمناها ، لكنه محمول على من أسلم من أهل الصلح ، فإنهما لا يجتمعان لسقوط الخراج ، وعن الثاني : الفرق بين المستحق لزكاة السوم والتجارة واحد ، وهو مصرف الزكاة ، فسقط الأدنى الذي هو زكاة التجارة ، لكونها متعلقة بالقيم فالأعلى الذي هو زكاة السوم لتعلقها بالعين كاجتماع سببين للميراث يرث بأقواهما ، وهاهنا حقان لمستحقين ، فلا يسقط أحدهما بالآخر .

                                                                                                                الثاني : قال سند : ولو باع مسلم أرضا لا خراج عليها من ذمي فلا خراج على الذمي ولا عشر عند مالك و ( ش ) . وقال ( ح ) : عليه الخراج ، ليلا تخلو الأرض عن العشر والخراج ، وقال أبو يوسف : عليه عشران ، ومنع محمد بن الحسن صحة البيع لإفضائه إلى الخلو . لنا أن البيع سبب الخراج في غير صورة النزاع ، فلا يكون سببها فيها بالقياس . ويبطل قولهم ببيع الماشية من الذمي .

                                                                                                                الثالث : من اكترى أرضا غير خراجية : قال ( ح ) : الزكاة على صاحب [ ص: 88 ] الأرض دون الزراع ; لأن الأجرة منفعة للأرض قائمة مقام الزرع . وجوابه : أن الزكاة متعلقة بعين الزرع لاختلافها باختلافه بالكثرة والقلة والجنس ; لأنه قد رتب الشرع في الكراء زكاة النقدين ; لأنه كراؤها غالبا ، فلا تزكى مرتين ، وقد يستغرق العشر الأجرة ويزيد عليها ، وهو منكر في الشرع .

                                                                                                                الرابع : في ( الكتاب ) : إذا باع الزرع أخضر ، واشترط المبتاع زكاته على البائع فهي على المبتاع لحدوث سبب الوجوب عنده ، فإن وجبت على البائع فاشترطها على المبتاع جاز ، والفرق : أنه يرجع إلى جزء معلوم فيكون المبيع ما سواه ، واشتراط المبتاع في الأخضر يلزم منه بيع زرع بطعام مجهول ; لأن العشر يكثر ويقل . وكذلك القول في الثمن .

                                                                                                                الخامس : في ( الكتاب ) : من منح أرضه صبيا أو ذميا أو عبدا أو أكراها فلا زكاة إلا على الصبي لقيام المانع فيما عداه خلافا ل ( ح ) في العبد والذمي .

                                                                                                                السادس : في ( الكتاب ) : إذا أوصى بزكاة زرعه الأخضر أو تمره قبل إزهائه فهو وصية من الثلث غير مبدأة ; لأنها لم تلزم ، ولا تسقط الزكاة عن الورثة ; لتجدد سبب الوجوب في حقهم . ويعد مستثنى لعشر زرعه ، فإن كان الموصى به نصابا زكاه المتصدق ، وإن لم يكن لكل مسكين إلا مد ; لأنهم كمالك واحد لعدم تعيينهم ، ولا يرجع المساكين على الورثة بما أخذ منهم ، كما لو أوصى بشيء بعينه ، ويستحق بعضه ، وكذلك لو أوصى بجملة الزرع ، فإن أوصى به لمعين كان كأحد الورثة ، وعليه النفقة معهم . لثبوت ملكه بالوفاة ، والمساكين لا يملكون إلا بالقبض بالنفقة في مال الوصي . قال سند : قال سحنون : ويفارق الوصية بالعشر الوصية بأوسق مستثناة للمساكين ، أو لمعين ، أن زكاتها من بقية الثمر . فإن الوصية حينئذ لما بعد الاستحقاق . وقال مالك في العرية نحو مشاع أو معين زكاة على رب الحائط وإن [ ص: 89 ] كان لمعين ، وكذلك الصدقة بتمر حائطه على المساكين والسقي في جميع ذلك والمؤنة على رب الحائط ، بخلاف الهبة والعمرى . قال ابن القاسم : أكابر أصحابنا : العارية مثل الوصية . وقال أشهب : الزكاة في العرية والهبة على المعطى له إلا أن تعرى بعد بدو الصلاح ، وقال المغيرة : إن كانت العرية نخلا معينا مقبوضا فزكاتها على حائزها إن كانت نصابا ، قال سند : وجملة ذلك : أن العرية إن كانت على غير معين فزكاتها على رب الحائط ، وكذلك الصدقة ; لأنها على ملكه كملت ، وإن كانت لمعين وهي مكيلة معلومة فعلى رب الحائط ، وكذلك الصدقة ; لأن المعطى له إنما يملك بالقبض ، وإن كانت العرية معين لمعين فعلى المعري عند مالك بخلاف الهبة ; لأن العرية عنده إباحة كطعام الضيف لا يملك ، إنما بالتناول ، ولا يورث عنه إلا ما أخذه منها إلا أن يقصد التمليك بلفظ العرية فيكون هبة ، وألحق أشهب العرية بالهبة بجامع التبرع .

                                                                                                                تنبيه : تقدم في الأموال الموقوفة أنه إذا وقف الماشية لتفرق في سبيل الله تعالى والدنانير لا زكاة فيما أتى عليه الحول من ذلك . وهاهنا قال : إذا أوصى بتمر حائطه أو بزرعه زكى ، مع أن الجميع أوصى به لغير معين ، والكل زكوي ، والفرق : أن الثمار والزرع تنشأ على ملكه ; لأن رقاب النخل له ، وكذلك الأرض ، وما نشأ على ملكه فهو ملكه فيزكيه على ملكه ، فهو ملكه ، فيزكيه على ملكه ; لأن أصله عنده وفي ملكه ، والماشية والدنانير لم يبق لها أصل عنده فهو مملوك له حتى يقال : بقيت على ملكه ، بل لما أعرض عن أعيانها لم يبق له فيها ملك ، وغير المعين لا يملك إلا بالقبض ، فلم يبق ملك يزكى عليه ، والسر : أنها ليس لها أصل عنده ، بخلاف الزرع والتمر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية