الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني : في النبات ، وفي ( الكتاب ) : لا يقطع أحد من شجر الحرم شيئا يبس أم لا ، فإن فعل استغفر الله تعالى ولا شيء عليه ، وقال ( ش ) في الشجرة الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ; لأنه مروي عن ابن عباس ، وقياسا على الصيد ، والجواب عن الأول : أن مالكا ضعفه وهو إمام الحديث ، وعن الثاني : أن الشجرة إنما منع ليرتفق به الصيد في الحرم في الحر والمطر فهو كالكهوف والمغاير لا شيء فيه لا كالصيد ، ولأن ما لا يضمنه في الحل المحرم لا يضمنه حلال في الحرم ، والإحرام كالزرع ، قال : ولا بأس بما أنبته الناس في الحرم من النخل والشجر والبقول ، وقاله ( ح ) خلافا ل ( ش ) وابن حنبل في الشجر ، لنا : أن الحديث إنما خرج مخرج الغالب ، والعضد غالبا إنما يكون في الشجر المباح ، وقياسا على الزرع ، قال : ويجوز الرعي في الحرم في الحشيش والشجر ، وأكره الاحتشاش للحرام والحلال خشية قتل الدواب ، وكذلك الحرام في الحل فإن سلموا فلا شيء عليهم ، ولا بأس بقلع الإذخر والسنا من الحرم ، أما الإذخر : فللحديث المتقدم ، وأما السنا : فلأنه يحتاج إليه في الأدوية ، ويحمل لسائر الأقطار ، ووافقنا [ ص: 338 ] ( ش ) في الرعي ، ومنعه ( ح ) وابن حنبل ; لأنه تسبب في إتلاف ما لا يجوز إتلافه فيمنع كالسبب لقتل الصيد ، لنا : أن الحاجة إلى ذلك فوق الحاجة إلى الإذخر فيجوز ، ومنع ( ش ) الاحتشاش فإن احتش ضمن ما نقصه القلع ، فإن استخلف ونبت سقط الضمان ، لنا : القياس على الرعي ، قال سند : إذا قطع شجرة ردها لمنبتها ، فإن نبتت ذهبت الجناية وإلا انتفع بها الصيد في الحرم ، وفي ( الجواهر ) : إذا نبت في الحرم ما شأنه أن يستنبت أو استنبت ما عادته أن ينبت بنفسه ، فالاعتبار بالجنس ، لا بحاله الحاضرة . الحرم الثاني : حرم المدينة ، قال مالك ، و ( ش ) وابن حنبل : يحرم صيده وقطع شجره ، وخالف ( ح ) لحديث أنس ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل علينا وابن أخ صغير يكنى أبا عمر ، وكان له نغير يلعب به فمات ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فرآه حزينا فقال : ما شأنه ؟ قال مات نغره ، فقال يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ ) وهذا يدل على جواز صيد المدينة ، وجوابه أنه لم يتعين أنه من نغر الحرم ، وقد تكون من الحل ، لنا : ما في مسلم قال عليه السلام : ( إن إبراهيم حرم مكة ، وأنا حرمت المدينة ) كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ، وإني دعوت في صاعها ومدها مثل ما دعا به ، وفيه أنه عليه السلام حرم ما بين عير إلى ثور . الحديث . إلى قوله : لا يختلى خلاها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره ، وفي ( الكتاب ) : ليس في صيده جزاء ، والكلام في شجره كالكلام في شجر حرم مكة ، ويكره له قطع شجر غير الحرم إذا دخل في الحرم ; لأنه ينفر بذلك الصيد منه ، ورخص مالك في قطع العصا والعصاتين من غير [ ص: 339 ] شجر الحرم ، وكره خبط شجر الحرم للنهي الوارد فيه ، فأما الجزاء فنفاه مالك و ( ش ) وأثبته ابن حنبل وابن نافع قياسا على حرم مكة ، لنا : إجماع أهل المدينة فلو كان لعلم بالضرورة عندهم لتكرره ، ولأنه موضع يدخل بغير إحرام فلا يضمن صيده كوج ، وهو واد بالطائف ، و ( ش ) يمنع من صيده ، وأوجب ( ح ) في القديم ضمانه وسلب الصائد فيه ؛ لما في أبي داود ( أن سعد ابن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة فسلبه ثيابه ، وقال : إن النبي - عليه السلام - حرم هذا الحرم ، وقال : من وجد أحدا يصيد فيه فليسلبه ) . وجوابه : أن العقوبة كانت في أول الإسلام بالمال ولو استمر ذلك بالمدينة لتواتر ، واختلف قول مالك في تحريم أكل هذا الصيد وهو الأظهر سدا للذريعة ، وقال : مرة يكره .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية