الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السادس : قال ابن يونس : قال سحنون : والمعتق إلى أجل كالمدبر إن عرف ربه وقف له ، وإلا وقفت خدمته في المقاسم ، فإن جاء سيده خير بين فداء خدمته وإسلامها لمشتريها ، ولو جهل بيع في المقاسم ، فإن فداه سيده عاد مدبرا ، وإن أسلمه أخدمه المشتري في الثمن فإن استوفى قبل الأجل عاد لسيده ، وإلا عتق ولم يتبع ، وإن فداه أحد من العدو فداه السيد بذلك إن شاء ولا يحاسب بعد العتق ، وإلا صارت خدمته للفادي للأجل ، فإذا عتق اتبعه بجميع الفداء ، قال محمد : يحاسبه بالخدمة ويتبعه بالباقي إن اشتراه من العدو ، فإن اشتراه من المغنم لم يتبعه ، وإذا أسلم الحربي على معتقة إلى أجل وأولدها كان عليه قيمة ولدها على أنهم يعتقون عند الأجل ; لأنه لم يملكها ملكا تاما ، ولو قتلت فقيمتها للذي أسلم عليها ، ولو ولدت من غيره فولدها معها في الخدمة ، ولو فداها رجل من الحربيين فأولدها فدفع السيد الفداء خاصة بقيمة الولد على أنه ولد أم ولد هكذا في ( النوادر ) قال : والصواب ولد معتقة إلى أجل فإن أسلمها فعلى الواطئ قيمة ولدها ، وكذلك لو أخذها من المغانم فأولدها .

                                                                                                                السابع : قال ابن يونس : ويرد المكاتب إلى ربه من المغانم غاب أو حضر ، فإن لم يعرف بعينه بيعت كتابته في المغانم ، وتؤدى إلى من صار إليه ، فإن عجز رق وإلا عتق ، وولاؤه للمسلمين فإن جاء سيده بعد بيع كتابته ففداه كان مكاتبا ، وإن أسلمه وعجز رق لمبتاعه ، وقيل : إن أتى سيده ، وقد قبض المبتاع بعض الكتابة ، وأراد افتكاكه فإن كان المقبوض نصف الكتابة بالقيمة حسبها عليه بنصف الثمن ، وكذلك سائر الأجزاء ، وعابه عليه بعض الأصحاب ، وقال : بل يدفع ما ودى ، ويأخذ جميع المقبوض من الكتابة ، قال ابن القاسم : ولو بيع المكاتب في المقاسم ولم يعلم ، فإن رد الثمن على مشتريه عاد مكاتبا ، وإن عجز خير سيده بين إسلامه رقيقا كالجناية ، وإلى هذا رجع سحنون ، قال محمد : وإن اشتراه من العدو ولم يفده سيده يقال له : [ ص: 439 ] وف لمشتريك الثمن وأد كتابتك لسيدك ويعتق ، وإن اشتري من الغنيمة فأسلمه سيده فلا يلزمه إلا أداء كتابه لسيده ويعتق ، وإن عجز رق لمشتريه ، قال سحنون : وإن أسلم الحربي على مكاتب لمسلم فله كتابته ، وإن عجز رق له ، وإن أدى فولاؤه للعاقد لها .

                                                                                                                الثامن : قال ابن يونس ، قال سحنون : الموصى بخدمته ثم هو لفلان فأخذه العدو في الخدمة فابتاعه رجل يقال للمخدم : افده بالثمن فإذا تمت الخدمة يقال لصاحب الرقبة : ادفع إليه ما فداه به ، وإلا أسلمه إليه رقيقا .

                                                                                                                التاسع : في ( الكتاب ) : إذا أسر العدو حرة مسلمة أو ذمية فولدت عندهم ، ثم غنمها ، فالصغار بمنزلتها ليس فيئا ، والكبار إذا بلغوا وقاتلوا فيء ، ولو كانت أمة فكبير ولدها وصغيرهم لسيدها ، قال ابن يونس : قال عبد الوهاب : إذا بلغ ولد الحرة لم يكن فيئا ، وإن لم يقاتل ، وقال ابن شبلون : هم فيء قاتلوا أم لا تغليبا للدار ، وقال سحنون : جميع ولد الأمة فيء إلا أن تقول تزوجت فولدت فلسيدها ، قال مالك : ولد الحرة تبع لها في الإسلام كالمسلمة يغصبها النصراني في بلدنا ، ولو اغتصبها عبد كان الولد حرا ، وقال أشهب : ولد الذمية صغارهم وكبارهم فيء ، وفي ولد الحرة المسلمة ثلاثة أقوال : أحرار في التفرقة بين الصغير والكبير ، وفي ولد الأمة ثلاثة أقوال : عبيد لسيدها فيء إن كانوا من زوج فلسيدها ، أو إن ملكها بالسبي أو غيره ففيء ، ومنشأ الخلاف في هذه الفروع : النظر إلى تغليب الدار ، أو تغليب الإسلام ، أو تغليب النسب .

                                                                                                                العاشر : في ( الكتاب ) : قال ابن القاسم : إذا أسلم حربي ببلده ، وقدم إلينا وترك أهله وماله ، ثم غنمنا ذلك فماله وامرأته وولده فيء ، قال ابن يونس : قال غيره : ولده الصغير تبع له وماله له إلا أن يقسم فيأخذه بالثمن وامرأته فيء ، قال مالك : ولو أسلم فأقام ببلده فدخلنا عليه فماله وولده فيء ، وقال أشهب : ولده أحرار تبع له وماله له إلا أن يقسم ، وامرأته فيء ، ولو دخل مسلم وتزوج عندهم ، وكسب مالا وولدا فهو مثل الأول ، قال محمد : وإذا قدم حربي [ ص: 440 ] بأمان ، فأسلم وغنم معنا فماله ودوابه ورقيقه وحريمه له ، وامرأته وولده الكبير فيء له وللجيش ، وينفسخ النكاح للشركة ، وولده الصغير تبع له ، وفي ( الجواهر ) : إذا أسلم الحربي وغزا معنا ففيه ثلاثة أقوال : المشهور أنه فيء وأخذه قبل القسمة بغير شيء ، وبعدها بالثمن ، وقال ابن الحارث : إن ضموه إلى أملاكهم من حين إسلامه وخرج هو من عندهم ففيء وإلا فلا .

                                                                                                                الحادي عشر : في ( الكتاب ) : من ابتاع عبدا من الفيء فدل سيده على مال له أو لغيره بأرض العدو ، والعبد كافر أو أسلم أو عتق فإن دله في جيش آخر فالمال للجيش الآخر دون السيد والعبد ; لأنه باستيلائهم فإن دله قبل قفول المشركين الأول فهو للجيش الأول ، وإن نزل بأمان ومعه عبيد المسلمين فباعهم لم يكن لربهم أخذهم بخلاف بيعه إياهم في بلد الحرب ; لأن الذمي لو وهبهم في بلد الحرب لمسلم فوفر لهم أخذهم بغير ثمن والخارج إلينا لو وهبهم لم يأخذهم ربهم ، قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا نزل الحربي بأمان فأسلم عبده أو قدم به مسلما لم يمنع من الرجوع إذا أدى ما عليه ولو كان أمة لم يمنع من وطئها ، وأنكر هذا ابن خلف من أهل المدينة فقال له مالك : ألم تعلم أنه عليه السلام صالح أهل مكة على أن يرد عليهم من جاءه منهم فهرب أبو جندل مسلما إليه عليه السلام فطلبه أبوه من مكة فرده عليه السلام وقال : ( إنا لا نخفر بالعهد ) وقال عبد الملك : يعطى في كل مسلم أوفر قيمته وينزع منه ، وأما ما بأيديهم من سبايا المسلمين فيؤخذ منهم بالقيمة ، وإن كرهوا ، وأبو جندل إنما أسلمه النبي عليه السلام لأبيه ، وشفقة الأبوة تأبى الضرر أو لأنه عليه السلام اطلع على عاقبة أمره ، وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين أو رقيق كافر أو أحرار ذمتنا فلا يؤخذ منهم ، وروي عنمالك ، وانفرد ابن القاسم بأنه لا يعرض لهم في شيء مما أسلم من رقيقهم أو ما بأيديهم من أسرى المسلمين وسبيهم ، ووافقه محمد ، قال ابن القاسم : إذا أسلم فأحرار الذمة رقيق له ، وكذلك العبد المسلم إذا ارتد لا يعرض [ ص: 441 ] له ، فإن باعه استتيب فإن تاب وإلا قتل ، قال محمد : وفي شرائه إشكال ، ولو اعترف المستأمن أنه عبد أو ذمي أم مرتد ، قال محمد : حكم عليه ، وقال ابن القاسم : لا يقتل ، وروي عنه في الرسول يرتد يقتل ، قال أصبغ : الرسول وغيره سواء ، وقال ابن القاسم : لو سرق المعاهد عبدا أو حرا ثم قدم ثانية بأمان أخذ منه ، كما لو أدى ثم هرب ثم رجع عن أخذهما ; لأنهما صارا بيد حربي بعد الرحلة عنا .

                                                                                                                الثاني عشر : لو أسلم عبد الحربي بقي على ملكه إلا أن يخرج العبد إلينا أو يغنمه وهو مسلم ، وسيده مشرك ، ولا يرد إلى سيده إن أسلم بعد أخذه ، وقد ابتاع الصديق - رضي الله عنه - بلالا فلما أسلم أعتقه والدار دار شرك ، وقال أشهب : إسلام العبد ببلاد الحرب يزيل ملكه عنه خرج أم لا ، وإن اشتري كان فدى واتبع بالثمن ، قال ابن القاسم : ولو قدم إلينا عبد بأمان معه مال سيده فالمال للعبد ; لأنه ترك للمغيرة المال الذي أخذه لأصحابه .

                                                                                                                ( تمهيد ) : عندنا من أسلم على شيء فهو له ، وقال ( ش ) : لربه أخذه بغير ثمن ، لنا ما رواه ابن وهب قال عليه السلام : ( من أسلم على شيء في يديه للمسلمين فهو له ) وقوله عليه السلام : ( الإسلام يجب ما قبله ) ولأن للكافر شبهة ملك فيما جازه لقوله تعالى : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) [ الحشر 8 ] فسماهم فقراء بعد هجرتهم ، ولهم أموال وديار تحت أيدي الكفار ، ولانعقاد الإجماع على عدم الضمان في الاستهلاك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية