الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع الرابع : اللعان .

                                                                                                                واللعان في اللغة : البعد ، سميت هذه الأيمان لعانا إما لذكر اللعنة معها ، وإما لبعد الزوجين في هذه الحالة من الائتلاف بالزوجية وودها ، وإما لأنها محرمة عليه للأبد ، وهو بعد .

                                                                                                                [ ص: 284 ] ويتمهد هذا المانع بالبحث عن السبب المبيح للقذف ، ثم عن حقيقة ما يوجب اللعان منه ، ثم بيان الملاعن ، والملاعنة ، وصفة اللعان ، وثمرته ، فهذه ستة أبحاث .

                                                                                                                البحث الأول : في الأسباب المبيحة للقذف ، وهي ثلاثة : السبب الأول : الدفع عن النسب لئلا يختلط به غيره فيزوج غير الولي ، ويحجب غير الوارث ، ويخالط غير القريب ، وتنتشر هذه المفاسد في الأصول والفروع ، وفي الجواهر : اللعان لذلك واجب ، قال اللخمي : وهو سبعة أقسام : أربعة متفق عليها ، إذا اجتمع الاستبراء ، والرؤية ، وأتى بعد ستة أشهر من الرؤية ، وبعيد بالأمد دون رؤية ولا استبراء ، فيقول : لم أصبها من أربع سنين أو خمس أو سبع على الخلاف في أكثر مدة الحمل الذي يلحق فيه الولد ، أو يقول : لم أصبها بعد الوضع ، أو يقول : لم تلد به ، وقال أشهب : إذا قال : لم تلد به ( ولم يكن رأى منها حملا حتى وضعته ، إن لم ينتف منها لاعن ، وإن قال : هو ولدي ولم تلد به ) لحق به من غير لعان ، وبقيت زوجة ; لأنه لم يقذفها ، فالمختلف فيها الاستبراء بانفراده ، والرؤية بانفرادها ، وإذا كانت ظاهرة الحمل عند الرؤية أو لم تكن ظاهرة ، وأتت به لأقل من ستة أشهر ، وإذا لم يتمكن من نفيه بالرؤية بانفرادها أو الاستبراء بانفراده لم يحد ; لأنه يقول ظننته دليلا على النفي مني ، والحد يدرأ بالشبهة .

                                                                                                                [ ص: 285 ] فرع

                                                                                                                قال اللخمي : قال ابن القاسم ، و ( ش ) القيام بالولد على الفور عند العلم به ، فإن سكت بطل قيامه ; لأن سكوته إقرار ، وقال ابن القصار : إذا قال : رجوت أن يكون ربحا ، له الملاعنة إذا لم تجاوز ثلاثة أيام بعد الوضع ، أو يظهر ما يدل على الرضا مثل : قبول التهنئة قبل الثلاث ، ويشهد لذلك حديث المصراة ، وإذا لاعن للرؤية ثم ظهر حمل ، قال ابن القاسم : يكفي اللعان الأول ، وقال عبد الملك : يلاعن ; لأن الأول لم يكن للولد ولولا ذلك لم يكن عليه أن يسأل عن الاستبراء ، وهو يرجع إلى الخلاف في جواز الاقتصار على قوله في النفي زنت ، فإن أكذب نفسه في اللعان الثاني لحق به ولم يحد لإسقاط اللعان الأول الحد إلا على قول عبد الوهاب : إن أصل اللعان لنفي النسب ، وسقوط الحد تبع ، وفي الإكمال : روي عن مالك لا ينفي الحمل إلا بعد الوضع ، وقال ( ش ) : يلاعن بالقذف المجرد عن رؤيا الزنا ، وفي نفي الحمل لمالك قولان في ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إنما يحتاج إلى اللعان إذا أمكن أن يكون الولد من الزوج ، أما إذا لم يمكن إما لقصر المدة عن ستة أشهر ، أو لطول المسافة بين الزوجين ، أو لصباء الزوجين ، أو لصباء الزوج ، أو لا يولد له فلا يلاعن ، ويلحق الولد لباقي الأنثيين إن كان يولد لمثله في العادة ، بخلاف [ ص: 286 ] ما في الذكر إلا أن يولد لمثله عادة ، والإقرار بالوطء بين الفخذين مع الإنزال يلحق الولد ولا يلاعن له ، ولو وطئ أمته ثم امرأته قبل قوله واستل عنها لحق الولد ولا لعان لاحتمال أن يكون في إحليله من الأول ماء ، قال الأبهري : إذا كان الخصي والمجبوب ينزلان لاعنا ، ويلاعن الشيخ الكبير والعنين في الرؤية ، ونفي الحمل لوجود الإمكان .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجلاب : إذا أقر بحملها ثم ادعى رؤية الزنا : فثلاث روايات : يحد ويلحق به الولد ، ولا يلاعن لإقراره بالحمل ، وهو سبب أصل مشروعية اللعان ، ويلاعن وينتفي عنه ; لأن الإقرار قد يكون عن ظن كاذب ، ويلحق به الولد لإقراره ، ويلاعن لدرء الحد كما يلاعن لو رمى من لا تلد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا ماتت في غيبته بعد الولادة فله نفيه بعد موتها حفظا للنسب ، ويرثها .

                                                                                                                السبب الثاني : التشفي بانفراده ، وإن لم يكن بها حمل إذا تيقن الزنا ، وفي الجواهر : يباح له عند ذلك ، ولا يجوز اعتماده على العزل .

                                                                                                                [ ص: 287 ] السبب الثالث : في الجواهر : دفع العقوبة عن نفسه ( سواء كانت حدا أو تعزيرا ) .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية