الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الرابع : في الردة - نسأل الله العفو والعافية - وهي مبطلة للنكاح ; لقوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) ( الزمر : 65 ) ، والمراد : آثار العمل لاستحلالة رفع المانع فيبطل آثار العقد منها الحل ، فإن ارتدت المرأة فلقوله تعالى : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) ، أي : من كفر من أزواجكم ، جمعا بينه وبين قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ، ووافقنا ( ش ) ، وابن حنبل على البطلان مطلقا ارتدا معا أو مفترقين ، وقال ( ح ) : هي مبطلة إلا أن يرتدا معا فيثبت لتساويهما أو يرتد الزوج وحده فينتظر في العدة كالكافر الأصلي ، وجوابه : أنهما استويا في موجب الإبطال فهما ككافرين لا نكاح بينهما ، وهو الجواب عن الزوج وحده .

                                                                                                                تفريع ، في الكتاب : إذا ارتد أحدهما بطلت العصمة بطلقة بائنة لوجود الخلاف في إبطال العمل بالردة ، وفي انقطاع النكاح ، وإن أسلم في عدتها فلا رجعة له للبينونة ، وإن أسلمت فلا رجعة لبطلان أصل العقد ، وإن كان أسيرا وجهل طوعا كفر أم كرها اعتدت امرأته ، ووقف ماله وسريته ، فإن مات حكمنا بردته ; لأن الأصل عدم الإكراه ، وإن ثبت الإكراه فهو على حال الإسلام ، قال ابن يونس : وروي عن أشهب أن إسلام المرأة يعيدها للعصمة ; لأن العقد للزوج لا لها فردتها ضعيفة في الإبطال ، وقال المخزومي : للزوج الرجعة إذا رجع إلى الإسلام في العدة كالكافر الأصلي ، قال اللخمي : وروي عن مالك : الردة فسخ بغير طلاق كالرضاع ، وقيل : طلقة رجعية ، وقال عبد الملك : إن أسلم في عدتها فلا طلاق ، وإلا فطلقة ، وقال أصبغ : إذا ارتد وامرأته نصرانية أو يهودية لا [ ص: 336 ] تحرم عليه إن عاود الإسلام تسوية بين ردته والكفر الأصلي ، ولا خلاف أن الردة لا تبطل عقود البياعات .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا ادعى ردتها فأنكرت فرق الحاكم بينهما لإقراره ، ولو كانت كتابية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو تنصر يهودي أو تهود نصراني أقر ; لأن الكفر ملة واحدة ، وروي عن مالك أنه يقتل لخروجه عن الذي عوهد عليه إلا أن يسلم ، ولو تزندق أحدهما ، قال مالك : لا يقتل لخروجه من كفر إلى كفر ، وقال عبد الملك : يقتل ; لأنه كفر لا يقر عليه ، وروي عن مالك يقتل كالمسلم يتزندق . فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا تزوج المرتد في ردته فلا صداق ، وإن دخل بها ; لأن ماله للمسلمين إذا قل ، وللحجر بعد الردة بحيث لا ينفق على ولده ، قال ابن القاسم : إن ارتد وتحته ذمية ، وقعت الفرقة لبطلان العقد ، وإن ارتد إلى دينها ، ولو تزوج حال ردته ذمية لم يجز ، رجع إلى الإسلام أم لا للحجر ، وقال ابن حبيب : إن تزوج بعد حبسه للاستتابة فسخ ، وإن قتل فلا صداق كانت مسلمة أو كافرة ، وقال عبد الملك : يثبت نكاحه إذا [ ص: 337 ] رجع إلى الإسلام لزوال الحجر ، وحمل أبو الحسن قول ابن القاسم في عدم الصداق على أنها كانت عالمة ، وقال : لو لم تعلم لم يسقط ربع دينار ; لأنه حق الله تعالى ، ولو رجع إلى الإسلام لكان لها جميع الصداق تزوجها قبل الحجر أو بعده .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا رجع إلى الإسلام سقطت عنه حقوق الله تعالى فيما تركه قبل الردة من صلاة ، وصوم ، وزكاة ، وحد ، ونذر ، ويمين بعتق وظهار ; لقوله عليه السلام : ( الإسلام يجب ما قبله ) ، وتثبت حقوق العباد من القذف ، والسرقة ، والقتل كما يؤخذ به الذمي ، ويأتي قتله على الردة على جميع ذلك إلا القذف فيحد ثم يقتل ليرتفع عار القذف على المقذوف ، وإذا رجع ابتدأ الحج والإحصان لحبوطهما ، قال اللخمي : وقال غيره : إذا تاب هو كمن لم يرتد له وعليه ، فيقضي الصلاة المنسية ، ولا يقضي الحج المفعول لقوله تعالى : ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ( البقرة : 217 ) ، وهذه الآية مقيدة ، وتلك الآية مطلقة ، والمطلق يحمل على المقيد ، وإليه ذهب ( ش ) ، وجوابه : من وجهين : أحدهما : أن القائل لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر ، ثم قال له في وقت آخر : إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت حر ، فإنه يعتق بالدخول وحده اتفاقا ; لأنه جعل لعتقه سبيلين ; لأن الشروط اللغوية أسباب ، وقد وجد أحدهما فترتب عليه الحكم ، وليس هذا من باب الإطلاق والتقييد .

                                                                                                                [ ص: 338 ] وثانيهما : سلمناه ، ولكن المرتب على الردة الموافاة عليها أمران : الحبوط ، والخلود ، وترتيب شيئين على شيئين يجوز أن يفرد أحدهما بأحدهما ، والآخر بالآخر ، ويجوز عدم الاستقلال وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر ، فيسقط الاستدلال بل الراجح الاستقلال ; لأن الأصل عدم التركيب .

                                                                                                                وفي الكتاب : ميراثه للمسلمين دون ورثته إن قتل ، ولا يرث هو لأنه دين لا يقر عليه فهو مباين لجملة الملل ، ولا يأخذ ميراثا بإسلامه بعد موت المورث لقيام المانع حالة الاستحقاق ، قال ابن يونس : قال ابن الكاتب : إنما يسقط عنه العتق غير المعين أما المعين فلا كالدين ، وقال سحنون : لا يسقط حد الزنا لئلا يتذرع الناس بالردة لإسقاط الحد ، قال صاحب النكت : إذا حنث في ظهاره ثم ارتد ثم أسلم سقطت عنه الكفارة كنذر المساكين بخلاف الظهار نفسه ، وسوى بعض القرويين بينهما في السقوط ، وفي التنبيهات : قال اللخمي : قال القابسي : إذا تاب رجع كأنه لم يزل مسلما . فرع

                                                                                                                إذا ارتاب في امرأة هل تزوجها في العدة أم بعد الرجوع ؟ فالقول قول مدعي الحل ; لأنه الأصل في تصرفات العقلاء . [ ص: 339 ] فرع

                                                                                                                قال اللخمي : واختلف في ولد المرتد ، فقال ابن القاسم : إذا ارتد ولحق بدار الحرب فالمولود بعد الردة وولده الصغير وامرأته فيء ، وقال محمد : الحمل قبل الردة يجبر على الإسلام ما لم يحتلم فيجبر عند ابن القاسم ، وقال أشهب : يجبر بالضرب ، قال ابن القاسم : المولود حال الردة يجبر قبل الحلم ; لأن الردة لا يقر عليها فيتبعها الولد فإذا بلغ ترك لاستقلاله ، وقال أيضا في أهل حصن ارتدوا يقتلون ولا تسبى ذراريهم ، وقال سحنون : إذا ارتد ولحق بدار الحرب وولد له ، ثم تاب هو وولده وإلى ولد ولده فحكمه كحكم جده ، ولا يسبى ، ويقتل من لم يسب من الكبار تغليبا لإسلام جدهم السابق ، ويكره الصغار على الإسلام ، ثم رجع فقال : من بلغ ترك ، قال : فإن قتل الأب والولد صغير : أرى أن يحكم له بالإسلام بخلاف ولد الذمي ، والفرق : عدم اعتبار دين الردة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية