الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع العاشر : الرق في بعض الحالات ، وهو الرق الثابت على المرأة لغير الزوج ، وقال اللخمي : تزويج الأمة جائز ، ويختلف فيه فالجائز كل أمة يكون ولدها حرا من ذلك النكاح كأمة الأب ، والأم ، والأجداد ، والجدات ، وقيل : الأب والأم خاصة ، وأجاز ابن عبد الحكم أمة الابن وكل هذا إذا كان السيد حرا أما لو كان عبدا يكون الولد رقيقا للسيد إلا بعد نكاح لا يرجى نسله كالخصي ، والشيخ الفاني ، فإن الشرع إنما منع الأمة صونا للولد عن الرق ، ونكاح العبد إذ لا عار عليه في رق ولده ، والمختلف فيه حيث يكون ولد الحر رقيقا من ذلك النكاح فالمشهور المنع ، وفي الجواهر : لا يجوز إلا بثلاثة شروط : عدم الطول ، وخشي العنت ، وكونها مسلمة ، وقاله ( ش ) لقوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ) إلى قوله ( لمن خشي العنت منكم ) ( النساء : 25 ) ، وروي عن مالك الجواز مطلقا .

                                                                                                                ومنشأ الخلاف : مفهوم الشرط الذي في الآية هل هو ليس بحجة فيتأتى قول مالك ; لأن الآية لم تدل على المنع بمنطوقها بل بالمفهوم أو حجة فيأتي قول ابن القاسم ، وإذا فرعنا على المشهور ففي الكتاب : الطول : صداق الحرة لقوله تعالى : ( استأذنك أولو الطول منهم ) ( التوبة : 86 ) ، ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات ) فيدل على أن الطول : المال والقدرة ، وقاله ( ش ) ، ولا يرعى القدرة على النفقة ; لأنها شرط في التمكن من البقاء إلا في العقد ، واشترطها أصبغ ، [ ص: 345 ] لأنه لا يزوج إن علم عجزه عنها ، وروي : أن الطول وجود الحرة في عصمته ; لأن القدرة عليها إذا امتنعت فهو أولى ، وعلى المشهور : لو عدم المال وخشي العنت أبيحت له الأمة ، وإن كان تحته ثلاث حرائر ، قال القاضي أبو بكر : ولو قدر على صداق كتابته للزوج الأمة ، ولو عالته الحرة في المهر فسرق فلم يجد غيرها تزوج الأمة .

                                                                                                                ولو قنعت بدون صداق المثل وهو قادر عليه حرمت الأمة ، وأما العنت : فهو الزنا سمي بذلك ; لأن أصله التضييق ، والمشقة لقوله تعالى : ( ولو شاء الله لأعنتكم ) ( البقرة : 220 ) ، أي : لضيق عليكم ، ومنه التعنت في الصحبة ، ولما كان الزنا يؤدي إلى عذاب الله تعالى وكفى به حرجا سمي عنتا من تسمية السبب باسم المسبب ، وإنما يتم بغلبة الشهوة وضعف الخوف من الله تعالى ، فإذا اشتد الخوف وأمن على نفسه حرمت الأمة . فرع

                                                                                                                لو هوي أمة بعينها وخشي من الزنا معها دون غيرها ولم يمكنه الصبر ، فرويت إباحتها دفعا للزنا ، وخرج القاضي أبو الوليد هذه الرواية على عدم اعتبار الشرطين ، والقدرة على صرف العنت بالتسري يمنع الأمة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا تزوجها لحصول الشرائط ثم قدر على الحرة لم يفسخ نكاح الأمة ، وإن قلنا : الحرة طول لوقوع العقد صحيحا ، وقاله الأئمة ، قال اللخمي : وقال ابن حبيب : يجوز له البقاء إذا أفاد طولا أما إن تزوج حرة حرمت عليه الأمة ، قال أبو الطاهر : واستقرأ اللخمي وجوب المفارقة ، وفي المقدمات : وأما إن أمن العنت لا يؤمر معه بالمفارقة قولا [ ص: 346 ] واحدا ، والفرق : أن ميل الشهوات غير منضبط ولا مأمون ، بخلاف وجود المال .

                                                                                                                قاعدة : الموانع الشرعية ثلاثة أقسام : منها ما يمنع ابتداء الحكم واستمراره ، كالرضاع يمنع ابتداء الحكم ويقطعه إذا طرأ عليه ، والرق في أحد الزوجين ، ومنها ما يمنع ابتداء فقط ، كالاستبراء يمنع العقد وإذا طرأ لا يمنع ، ومنها ما اختلف فيه : هل يلحق بالأول أو بالثاني ؟ كوجود الطول ، والماء في التيمم يمنع ابتداء التيمم ، وهل يبطله إذا طرأ عليه ؟ خلاف ، والإحرام يمنع وضع اليد على الصيد ، وهل يحرم الإمساك ؟ خلاف ، وينعطف البحث هاهنا على قاعدة أخرى ، وهي : أن الشرع إذا نصب سببا أو شرطا بحكمة ، هل يجوز اعتبار تلك الحكمة إن وجدت منفردة ؟ الأصح منعه ، كنصب السرقة سببا للقطع لحكمة صيانة المال ، وقد وجدت الحكمة في حق الغاصب وغيره ولا يقطع ، والزنا سبب الرجم لحكمة صيانة الأنساب ، فلو خلط الأنساب بغير الزنا لا يرجم ، وكذلك هاهنا نصب الطول سببا للمنع من العقد على الأمة لحكمة إرقاق الولد فهل تراعى هذه الحكمة حيث وجدناها أو بعد العقد فتحرم الأمة أم لا ؟ خلاف ، ونظائره كثيرة ، وقد تقدم بسطه في الرضاع وغيره . فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا تزوج أمته على أن ما تلده حر : فسخ قبل البناء وبعده ; لأنه شرط على خلاف مقتضى العقد ، قال : ولها المسمى ، والولد حر ، والولاء لسيده تنزيلا لاشتراطه منزلة عقده ، قال محمد : فإن باعها فولدها عبد المشتري ، قال : وكذلك أرى إن لم يبع ، وفسخ الشرط ، أو رجع السيد فيه قبل تحمل ; لأن الرضا بالفاسد لا يلزم ، فإن استحقت أخذ المستحق ولدها ، وبطل من عتق قبل ذلك ، ولو غره السيد بأنها [ ص: 347 ] ابنته عتق الولد لنشأته على الحرية ، وللسيد على الأب القيمة عند ابن حبيب خلافا لمطرف . فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا تزوج أمة بشروطها فلم تغنه فله الزيادة إلى الأربع ، ولو استغنى بالأولى ففي إباحة ما زاد خلاف ; لتعين الرق هل ووافقنا ( ح ) ، وقال ابن حنبل ، و ( ش ) : لا يجوز أن يزيد على الواحدة وإن لم يستغن بها ، وأباح حماد اثنتين ، لنا : أن الحاجة متحققة في غير الواحدة ، وهي المبيحة للواحدة فوجب أن تبيح ما عداها . فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا تتزوج حرة على أمة لما فيه من أذية الحرة بسوء المقارنة ، فإن فعل جاز ، وخيرت الحرة في نفسها بطلقة بائنة ، كعيب حدث في الزوج يوجب الفراق بخلاف اختيار المعتقة لتوقع عتق الزوج ، وكذلك تخير إذا تزوج أخرى ، قال صاحب المنتقى : في كتاب محمد : إن طلقت ثلاثا نفذ ، قال صاحب المقدمات : إذا تزوج الحر أمة على الحرة فعلى القول بعدم اشتراط الطول والعنت ، وهو المشهور عند ابن القاسم ، خلاف المشهور عن مالك ، فلا كلام للحرة إلا عند التونسي ; لأنها من نسائه ابتداء كالحرة الدنية ، وعلى القول بالاشتراط فخمسة أقوال : الخيار للحرة في نفسها ، كانت الداخلة على الأمة أو بالعكس ، والثاني : إن كانت داخلة تخير في نفسها ; لأنها فرطت في التعرف ، والأمة الداخلة فلها الخيار في الأمة دفعا للضرر ، والثالث : إن دخلت الأمة عليها فلها الخيار في [ ص: 348 ] نفسها أو بالعكس فلا خيار لها ، والرابع : إن دخلت الأمة عليها فسخ نكاح الأمة ; لأن الحرة طول ، والخامس : إن دخلت الأمة فسخ نكاح الأمة ، وإن دخلت الحرة لم يفسخ نكاح الأمة ; لأن العقد جائز .

                                                                                                                قال صاحب البيان : على قول ابن القاسم لا مقال للحرة ، وهو الذي تدل عليه ألفاظ المدونة ، وتأول التونسي أن القول لها على القولين ، وهو يصح على قول عبد الملك الذي يرى الخيار لها وإن كان زوجها عبدا ، وقال ( ح ) ، و ( ش ) : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولو أذنت ; لأنها طول عندهما ، ويجوز نكاح الحرة على الأمة ، وقال ابن حبيب : نكاح الحرة طلاق الأمة ، قال اللخمي : ولا أرى الخيارين بل تخير هل ترضى المقام أم لا ، فإن لم ترض كان الخيار للزوج يطلق أيهما أحب ، وينبغي أن يعلمها إن كان يؤثر الأمة فعلها تختار البقاء ، وفي الكتاب : يجوز نكاح الحرة على الأمة ، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت ، فإن كانتا اثنتين فعلمت إحداهما دون الأخرى فلها الخيار بعد علمها بالأخرى ، وأما إذا تزوج العبد الحرة على الأمة أو بالعكس فلا خيار ; لأن الأمة من نسائه ، ولأنها رضيت بمقارنة العبد مع وصف الاستيلاء ، وقال اللخمي : وقال عبد الملك : لها الخيار لمزيد الضرر . فرع

                                                                                                                إذا تزوج الأمة والحرة في عقد ، وسمى لكل واحدة صداقها فسخ في حق الأمة وبقيت الحرة ، ثم قال : إن علمت الحرة جاز ولا خيار لها ، وإلا خيرت في نفسها ، قال اللخمي : إذا علمت بالأمة وأن الرجل لا تكفيه حرة ولا يجد طول الأخرى ، فنكاح الأمة جائز إلا أن نقول : الحرة طول ، وإن تكفه الحرة أو يجد طولا فسخ نكاح الأمة ، وإن لم تعلم بأن التي معها أمة ، والزوج يجوز له نكاح [ ص: 349 ] الأمة ، كان الحق للأمة ، ويجري على الخلاف ، وإذا فسد نكاح الأمة فسخ نكاح الحرة ، وإن اتحد العقد لافتراق الملك ، وقال ابن القاسم : يفسد لجمعه حلالا وحراما ، كالأم وابنتها في عقد ، فإن كانت الأمة ملكا للحرة فسخ على المشهور لجمع العقد بين حلال وحرام لملك واحد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية