الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الثالث من خيار النقيصة : خيار العهدتين :

                                                                                                                وأصل هذا اللفظ من العهد ، وهو الإلزام ، ومنه قوله تعالى : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ) أي : ألزمناه فنسي ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) أي : أوفوا بما ألزمتم من طاعتي أوف بما التزمت لكم من المثوبة ، والميثاق ، وهو العهد المؤكد باليمين ، وهو في عرف الفقهاء التزام درك المثمن أو الثمن ، وفي الجواهر : العهدتان صغرى في الزمان ، كبرى في الضمان ، وكبرى في الزمان ، وصغرى في الضمان ، فالأولى : عهدة الثلاث في جميع الأدواء ، وما يطرأ على الرقيق بعد الشراء من فوات وغيره فكأن هذه الثلاثة الأيام مضافة إلى ملك البائع ، ولذلك تكون النفقة والكسوة عليه ، إلا أن الغلة ليست له ، وقال بعض المتأخرين : له ; لأن الخراج بالضمان ، الثانية : عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص ، وخالفنا الأئمة في هاتين العهدتين لانعقاد الإجماع على أن العيب الحادث بعد العقد والقبض لا يوجب خيارا في غير صورة النزاع ، فكذلك فيها ، لأن الأصل : عدم ضمان الإنسان لما يحدث في ملك غيره ، قال [ ص: 115 ] ابن حنبل : ولم يصح في العهدة حديث ، لنا : ما روي في أبي داود أنه عليه السلام قال : ( عهدة الرقيق ثلاثة أيام ) في أبي داود : أن القول بالعهدتين عمل المدينة ينقله الخلف عن السلف قولا وفعلا ، ولأن الرقيق يكتم عيبه فسيظهر بثلاثة أيام ليظهر ما كتمه بخلاف غيره ، وقياسا على التصرية ، ولأن هذه المدة هي مدة حمى الربع ، وبهذه المعاني يظهر الفرق في قياسهم فيبطل ، ورواية ابن داود تدفع قول ابن حنبل ، فإنه لا ينقل إلا صحيحا أو حسنا تقوم به الحجة ، وتختص عهدة السنة بأن هذه الأدواء تتقدم أسبابها ، ويختص ظهورها ببعض الفصول في العادة فتكون سنة كالعنة .

                                                                                                                تفريع : في الجواهر : اختلف في محلها من البلاد ، فروى المصريون : لا يقضى بها في العادة حتى يحملهم السلطان عليها ، وروى المدنيون : يقضى بها بكل بلد ، وإن لم يعرفوها ، كما يقضى بالرد بالعيب على من جهل حكمه ، فإن ترتيب الأحكام على الأسباب لا يتوقف على علم المكلف ، وفي الكتاب : إذا توسوس رأس كل شهر فله الرد في عهدة السنة ، ولو جن في رأس شهر واحد ولم يعاوده لرد إذا لم يعلم ذهابه ، ولو جن عنده مدة ثم انقطع لم يجز بيعه حتى يتبين إذ لا تؤمن عودته ، ولو تبرأ من الأدواء الأربعة في السنة قبل علم المبتاع بها لرده إلا أن تؤمن عودته ، قال صاحب التنبيهات : كيف يجن كل شهر ويرد وصبره إلى ثاني شهر استمر علم أنه جنون .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا باع نصف النهار احتسب الثلاثة بعده ، والعادة [ ص: 116 ] تؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث والاستبراء ، قاله مالك وابن القاسم ; لأن الفصول يختص اختيارها بذلك ، وعن مالك : يدخل الثلاث والاستبراء في السنة ، والأصل : عدم التداخل ، والسنة في بيع الخيار بعد أيام الخيار لعدم انعقاد البيع قبل ذلك ، قال محمد : وليبن في ذوات الاستبراء عهدة ثلاث إلا أن تحيض في يومها حيضة بينة فتحسب فيها بقية الثلاث .

                                                                                                                نظائر : قال صاحب التنبيهات : العامة اليوم عند ابن القاسم في العهدة والعقيقة وإقامة المسافر والعدة ، قال العبدي : هي خمس ، وزاد : الكراء ، وفي الجواهر : ومقتضى مذهب سحنون الحساب من حين العقد من ليل أو نهار ، وينتهي إلى مثله بعد انقضاء الثلاث أو السنة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إذا تنازعا في الأدواء هل حدثت في السنة أو بعدها ؟ صدق البائع من يمينه ; لأن الأصل : عدم الرد ، قال : ويحتمل تصديق المبتاع مع يمينه ; لأن الأصل بقاء حقه في العهدة ، وأما الشفعة فيصدق الشفيع أنه لم ينقص ما يقطعها ، وفي الخيار أن الهلاك كان بعد مدته أو قبلها ، فعند ابن القاسم يصدق البائع ، لأن الأصل : عدم نقص العقد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : جني على العبد في عهدة الثلاث فمن البائع والأرش له ، قاله مالك ، وقيل : ينبغي فسخ البيع ; لأن العبد يكون موقوفا لا يدرى متى برؤه ، إلا أن يسقط السيد الجناية ، فإنه لا يوقف إلا أن تكون مهلكة فلا يكون للمشتري الرضا ، وإن أسقط البائع الجناية ; لأنه حينئذ بيع مريض يخاف موته .

                                                                                                                [ ص: 117 ] فرع

                                                                                                                قال : ما وهب له في الثلاث من مال فللبائع ; لأن مدة العهدة ملحقة بملكه ، ولو تلف ماله لم يرد ; لأن المال ليس مبيعا ، ولو هلك في الثلاث انتقض البيع ورد المبتاع ماله ، وليس له دفع الثمن وأخذ ماله ; لانتقاض أصل البيع ، وإذا أنمي ماله بربح أو هبة وكان المبتاع اشترط ماله فله ; لأن ذلك من توابع المال ، وإلا فللمبتاع ، قاله ابن القاسم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا في السنة سراسا ما ما يخشى منه أحد الأدواء وشك في ذلك فلم يرد للشك ، ثم استحكمت الأدواء بعد السنة بقربها فله الرد ، وإلا فلا ، قال صاحب البيان : وعن ابن القاسم : لا يرد إلا بما كان في السنة قال : وهو الأنظر ; لأن العيب حدث في ملك المشتري .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا أسلم في عبد فقبضه ففيه عهدة الثلاث ; لأنه مشترك ، وقال محمد : لا ، وإن كان بلد عهدته إلا أن يشترطها ، وقال ابن القاسم : عهدة السنة ليست في السلم عقد رفع فلا يرجع فيه بعيب بعد القبض ، ولمالك في العبد المنكح به هل له عهدة أم لا ؟ قولان ، وقال ابن حبيب : لا عهدة في سلف الرقيق ولا في الإقالة ; لأنها على خلاف الأصل فتختص بالبيع المحض تقليلا للمخالفة ، قال مالك : ولا عهدة في رد بعيب ; لأنه نقض للبيع ، ومن اشترى امرأته ففيها العهدة ; لأنه بيع محض ، فإن ظهر بها حمل لم يردها ورجع بقيمة الحمل ; لأنها صارت بذلك الحمل أم ولد ، وقال ابن أبي زمين : لا عهدة في المشترى على الصفة ، ولا في المخالع به ، ولا العبد المصالح به على [ ص: 118 ] دم عمد ، وكله مذهب ابن القاسم ، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن : في البيع الفاسد العهدة ولا ينفعه بترك البراءة ، قال : وهذا تناقض وينبغي أن ينفعه كما أن له العهدة كالبيع الصحيح .

                                                                                                                نظائر : قال ابن بشير : العهدة في العبيد إلا في عشرين مسألة : المسلف فيه ، والمستلف في غيره ، والمقرض ، والغائب يباع على الصفة ، والمتزوج به ، والمخالع به ، والمقاطع به ، والمصالح به ، والمقال منه ، والذي يبيعه السلطان ، والمبتاع للعتق ، والمبيع بالبراءة من العهدة ، والمبيع في البلد الذي لا تعرف فيه العهدة ، والموصى ببيعه ، والموهوب للثواب ، والمردود بالعيب ، وإذا كاد لبيع فاسد ، والأمة البينة الحمل ، والتي اشتراها زوجها ، والمبيع في الميراث .

                                                                                                                قال صاحب البيان : المصالح به على الإقرار بيع فيه العهدة ، وعلى الإنكار كالهبة ، ويخشى في المأخوذ في دين ، أو دم عمد : الدين بالدين لعدم المناجزة بسبب العهدة والموصى ببيعه والموهوب للثواب والمردود بالعيب ، وإذا كان البيع فينبغي ملك العبد كذلك ، واختلف في المستقال منه ، فإن نقد فلا عهدة اتفاقا ; لأنه كالمأخوذ من دين ، ولا عهدة في رأس مال السلم ; لاقتضائه المناجزة ، ولا عهدة في الموهوب للثواب ; لأنه للمكارمة كعبد النكاح ، قال سحنون : ولا عهدة في المقاطع به .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية