الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                اللفظ العاشر : الثمار في رءوس النخل

                                                                                                                والنظر في مقتضى الإطلاق والمستثنى من ذلك في العرية ووضع الجوائح ، فهذه ثلاثة أنظار :

                                                                                                                [ ص: 183 ] النظر الأول :

                                                                                                                في مقتضى الإطلاق ، وفي ( الجواهر ) : موجب الإطلاق بعد الزهو استحقاق الإبقاء إلى أوان القطاف ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : يتعين القطع عند العقد ( ولو شرط التبقية امتنع ; ) لأنه مقتضى العقد في سائر المبيعات إن تحول ، ولأنه اشترط منفعة الأصول وهي مجهولة فيكون العقد تناول مجهولا ، تناول مجهولا .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن مقتضى العقد معارض بمقتضى العادة .

                                                                                                                وعن الثاني : أن مثل هذا لا يقدح في العقود ، كما لو اشترى طعاما كثيرا ، فإنه يؤخره للزمان الذي يحمل فيه مثله ، وبيع الدار فيها الأمتعة تتأخر مدة التحويل منها وإن طالت على جاري العادة ، لقوله عليه السلام : ( أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه ) ومنعها إنما هو بالجائحة بعد البيع ، وهو دليل التبقية ، ويجوز بيع الثمار قبل الزهو بشرط القطع ، ويبطل بشرط التبقية ; لنهيه عليه السلام في الصحيحين ( أن تباع الثمرة حتى تشقح ، قيل : وما تشقح ؟ قال : تحمار وتصفار ويؤكل منها ) ولأنها معرضة للعاهات قبل ذلك فتندرج في الغرر .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب ( الإكمال ) تشقح الثمرة : احمرارها ; لأن الشقحة لون غير خالص للحمرة أو الصفرة ، وتحمار وتصفار : للون المائل ، وأحمر [ ص: 184 ] وأصفر : اللون المستقر ، وروى : تشقه بسكون الشين المعجمة ، والمعروف : التحريك مع الحاء والهاء بدل من الحاء نحو : مدحه ومدهه ، وأزها النخل يزهو إذا احمر أو اصفر ، وقيل : يزهو خطأ بل يزهى ، وقيل : أزهى خطأ بل زهى .

                                                                                                                سؤال : لم سألوه عليه السلام : حتى يشقح ، أو حتى يزهى على اختلاف الروايات مع أنها ألفاظ عربية ؟

                                                                                                                جوابه : لعلها لغة قبيلة غيرهم ، أو مستعارة لحسن الثمرة فيسأل أي حسنها يريد ، أو سألوه احتياطا للحكم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : فإن وقع العقد عندنا عن شرط القطع والإلغاء ، فظاهر الكتاب : الصحة استقراء من قوله في البيوع الفاسدة : إذا اشتراها قبل بدو الصلاح جاز البيع ، وقاله ( ح ) حملا للإطلاق على العرف الشرعي وقاله اللخمي ، وابن محرز ، وغيرهما من المتأخرين ، وحكى التونسي ، والشيخ أبو محمد ، والبغداديون عن المذهب : البطلان ، وقاله ( ش ) حملا للإطلاق على العرف العادي ، ولنهيه عليه السلام عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، والنهي يقتضي الفساد إلا ما دل الدليل على جوازه ، قال ابن يونس : بيعها على هذه الوجوه الثلاثة جائز ، عملا بمفهوم الحديث .

                                                                                                                [ ص: 185 ] فائدة : : قال ابن يونس : ثمر النخل سبعة أقسام : طلع ثم يتلقح الخف عنه ويبيض فهو غريض ، ثم يخضر فبلح ، ثم تعلوه حمرة فزهو ، ثم تصير الحمرة صفرة فبسر ، ثم تعلو الصفرة دكنة فينصح فرطب ، ثم ييبس فتمر ، وإذا أزهى اشتد وصار جذره ( وامتنع سقوطه وتسلط الآفات عليه ) .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في ( الكتاب ) : إذا اشترى قبل الإزهاء فتركه حتى أتمر أو ) أرطب فجذه رد قيمة الرطب يوم جذه ، قال ابن يونس : يريد : وإن كان قائما رده ، ولو فات والإبان قائم ، وعلم وزنه أو كيله رد مثله ; لأنه الأصل في رد المتلفات ، قال ابن القاسم : يريد مكيلة الثمن إن جذه تمرا إن فات ، وإلا رده بعينه سواء تركه لهرب أو لدد ، أو غيرهما حتى يرطب ، وقيل : إن تعدى الترك فسخ لعدم القدر ، ومتى جهلت المكيلة فالقيمة ; لأنها في المرتبة الثانية في الغرامات .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا اشترى نخلا فيها تمر مأبور جاز شراؤها بعد ذلك ; لأنها تغتذي من رطوبات نخل على ملكه ، فلا جهالة في المبيع ، بخلاف نخل الغير ، واختلف فيه قول مالك ، وفي شراء مال العبد بعد الصفقة ، ولو اشترى الثمرة أو الزرع قبل بدو الصلاح على القطع ، ثم اشترى الأصل أو الأرض فله الإبقاء لما تقدم ، وإن اشتراها على الإبقاء ، ثم اشترى الأصل : فالبيع فاسد لمقارنة الشرط المفسد ، وإن اشترى الثمرة على الفساد ، ثم ورث الأصل من البائع : فله [ ص: 186 ] الإبقاء لانتقال الملك إليه ، ولو اشتراها قبل الإبار ، أو الزرع على الإبقاء ، ثم اشترى الأصل أو الأرض قبل الإبار فسخ البيعان ; لأنه كاستثناء البائع الثمرة قبل الإبار ، ولو لم يفسخها حتى أزهت وقبضها المشتري مع الأصل فقيمتها يوم قبض الأصل ، ويرد الأصل ; لأنه بيع فاسد ، ولو اشترى مع الأصل بعد الإبار ردت الثمرة إلى ربها وثبت بيع الأصل ، ولو لم يفسخ البيع حتى أزهت في شجر المشتري ( فهي له ، وعليه قيمتها يوم شراء الأصل على الرجاء والخوف ; لأنه فوت في بيع فاسد ، ولو اشترى الأصل بعد زهو الثمرة في ) الشجر أو بعد فسخ بيع الثمر والزرع وإن اخضر ، إلا أنه انكشف الغيب أنه على التبقية في ملك الغير ، ولو ابتاع الأرض بزرعها في صفقة واحدة ، ثم استحقت الأرض قبل استحصاده انفسخ البيع ، أو بعد استحصاده تم البيع ، وكذلك الثمرة تنزيلا للملك الظاهر منزلة الملك الباطن ، وكذلك الثمرة ، قال ابن حبيب : قال صاحب ( البيان ) : في شراء مال العبد وتمر النخل بعد الصفقة أربعة أقوال : الجواز ; لأن النهي عن البيع قبل بدو الصلاح إنما جاء إذا بقيت الأصول لابن القاسم ، والمنع لمالك لظاهر النهي ، والتفرقة بين القرب فيجوز ; لأنه في حكم الوقوع مع العقد ، وبين البعد فيمتنع ، وفرق أشهب بين ثمر النخل فيجوز مع القرب والبعد ، ويمتنع مال العبد مطلقا لجهالته فلا ينفرد ، قال يحيى : والقرب نحو عشرين يوما .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية