الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الثامن : ضبط الأوصاف التي تتعلق بها الأعراض لدفع الخطر ، ما لم تود إلى غير وجوده ، قال سند : يذكر في الرقيق سبع صفات : النوع كالرومي ، والسن والقد ، فيقول : خمسة أشبار أو ستة ، والذكورة والأنوثة ، وفي العلي يذكر البكارة ، والثيوبة ، واللون ، والنشاط ، والرداءة ، وربما أغنى السن عن القد في العرف ; لأنه يعرف سن الصبي من قده ، ويحمل الأمر فيه على الوسط المتعارف والنادر لا يلزم ، وألزم ( ش ) اشتراطه ، ويغني ذكر العبد عن الذكورة ، والأمة عن الأنوثة ، والجنس يغني عن اللون ، فإن غالب الحبشة السمرة للصفرة والنوبة السواد والروم البياض ، ولا يشترط ذكر اللون في جواري الخدمة كالبكارة ، وألزم ( ش ) اشتراطه ، ويشترط في الغنم جنسها ضأنا أو ماعزا وذكورتها وأنوثتها وسنها وجودتها دون نتاجها ، واشترط ( ش ) بلادها . لنا : أن من اشتراها لا يعرف بلادها ولا نتاجها صح ، فكذلك السلم لو اشترط لونا لم يلزم غيره ، وإن كان العقد يصح بدونه ، ويشترط في الخيل إنها عربية أو غيرها ، وحولية أو غيرها ، وذكورتها وأنوثتها وفراهتها دون اللون لحصول المقصود بدونه ، وإن كان مطلوبا في الجملة ، وكذلك الغرة والتحجيل ، ويشترط في الحمير بلادها : مصرية أو شامية أو أعرابية ، لأن الحمار المصري ربما بلغ عدة من الخيل ، والشامية شديدة ، والأعرابية ضعيفة قليلة الجري ، وسنها وجودتها وفراهتها ، ووافقنا ( ش ) في السلم في الحيوان دون أعضائه من الجلود والرءوس ، ومنع ( ح ) لشدة تفاوت [ ص: 244 ] الحيوان وعدم انضباطه ، وكذلك أجزاؤه ، ولقول البحتري :


                                                                                                                ولم أر أمثال الرجال تفاوتت إلى الفضل حتى عد ألف بواحد



                                                                                                                ووزن أبو بكر الأمة فرجع ، وكذلك عمر رضي الله عنهما ، حتى قال بعض الفضلاء : إنما قال ابن دريد :


                                                                                                                والناس ألف منهم كواحد     وواحد كالألف إن أمر عرا



                                                                                                                لضرورة الشعر : وفي الحديث المسند ( ما شيء يربو الواحد على الألف من جنسه إلا ابن آدم ) ولنهيه عليه السلام عن السلم في الحيوان ولقول عمر رضي الله عنه : من الربا : السلم في الحيوان ، وبالقياس على تراب الصاغة .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن بني إسرائيل استوصفوا البقرة فوصفت لهم فلو لم يكن الوصف يضبط لما كان فيه فائدة ، وعليه أن المطلوب ثمة أصل التمييز وهو [ ص: 245 ] لا يكفي في المعاملة ، ولقوله عليه السلام : ( لعن الله المرأة تصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ) فأقام الوصف مقام الرؤية ، وعلته : أن المشبه يقصر عن المشبه به ، والمطلوب ثمة سد ذريعة الربا ، وهي تنفتح بأيسر المحاسن والدواعي ، ولا يكفي ذلك في صحة المعالمة ، ولأن المقصود في صفات السلم : إنما هو الصفات الظاهرة دون أخلاق النفوس ، ثم ينتقض عليهم بالديباج المنقوش أجازوه ، وبالعصافير منعوها مع أنها لا تختلف ، والديباج شديد الاختلاف ، ولأن الصفات المقصودة معلومة ولكل واحد عبارة فيقتصر على أول مراتبه فلا جهالة البتة ، وعن الثاني والثالث : منع الصحة ، وعن الرابع : انضباط الصفات المالية في الحيوان بخلاف تراب الصاغة ، ويؤكد مذهبنا : أنه عليه السلام ( استسلف بكرا فقضى خيارا ) في الحديث الصحيح ، وما تقرر قرضا تقرر سلما بجامع ضبط الصفة ، وعليه أن القرض معروف فيسامح فيه ، ولأنه يجوز في الخلع والنكاح والكتابة عندهم ، فنقيس عليه ، وعليه أنها ليست أبواب تنمية مال ، بل معروف ومحاسنة ، ولأنه عليه السلام وصف الدية من الحيوان في الذمة ، والزكاة تثبت في الذمة بعد الاستهلاك فكذا السلم ، وعليه أنها باب معروف ، ولا يجوز أن يكون ثمنا فيكون مثمنا ، ويرد عليه : أنه إذا كان ثمنا علم بالرؤية بخلاف الثمن ، ويشترط في الفاكهة جنسها وصفتها وقدر التفاحة والرمانة وجودتها ورداءتها ، ويشترط في قصب السكر ما عرف فيه ، [ ص: 246 ] فإن كان يباع عندهم حزما : فعدد أعوادها وطول العود وغلظه وجودته ورداءته ، وإن كان يبيع بالوزن اشترط ، ولا يلزمه أعلى العود لعدم حلاوته ، ولا أسفله لفرط يبوسته ، بل يطرح ذلك ، وقال ( ش ) : لا يصح السلم فيه إلا وزنا لعدم انضباط العدد في المائة .

                                                                                                                وجوابه : أن ذلك يقضي للجهالة في بلد لا يعرفون الوزن فيتحملون أن الوزن يحصل عددا من العيدان ، فيتخرج خلافه ، فإن هذه الأمور إنما تضبط معرفتها العوائد كما تقدم تقريره في أبواب الربويات .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يكفي العدد في الرمان والسفرجل والتفاح إذا وصفت مقاديرها ، ويجوز الوزن إذا كان عادة وكذلك الجوز ، ولا يسلم في البيض إلا عددا ; لأنه العادة ، ووافقنا ( ح ) في اتباع العوائد ، وجوز ( ش ) في المكيلات الوزن ، وبالعكس .

                                                                                                                قال سند : ويذكر جنس بيض الدجاج أو غيره وصغره وكبره ، ووافقنا ( ح ) ، ومنعه ( ش ) إلا وزنا لشدة التفاوت في مقادير البيض .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : متى اشترط جيدا أو رديا حمل على الوسط من الجيد أو الرديء ، ولو قال : وسطا ، فوسط ذلك الصنف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا لم يذكر الجيد من الرديء فسد العقد ، ويمتنع اتفاقهما على الأرفع لفساد أصل العقد .

                                                                                                                [ ص: 247 ] فرع

                                                                                                                قال : إذا أسلم مصري في حنطة لم يذكر جنسا : قضي بالحمولة ، أو بالشام قضي بالسمراء ، وإلا فلا بد من الصفة بالحجاز حيث يجتمع أنواع الحبوب قيد التمييز المستفاد من خصوص الإقليم القائم مقام الصفة ، قال اللخمي : يريد : إذا أسلم بمصر في حنطة جيدة أو رديئة أجزأه ، وكان له الوسط من الجيد أو الرديء ، قال سند : لم يختلف أصحابنا في صحة الاقتصار على الجودة ، قال ابن القصار : لا بد أن يقول في غاية الجودة .

                                                                                                                وجوابه : أن هذا يتعذر وجوده ولذلك منعه ( ش ) ، وعلى المذهب قال محمد : يقضى بالغالب من الجيد أو الرديء لا بنادره ، وقال الباجي : يكفي أصل الوصف ; لعدم انضباط مراتبه فيؤدي ذلك للخصومة ، وليس المقصود من المسلم أن يكون كالمربي بل حصول المقاصد من حيث الجملة ، ويفتقر في المثمن ما لا يغتفر في الثمن ، ولا يدخل الحشف في وصف الرديء ، وقال ( ش ) : ليس عليه أن يأخذ حشفة واحدة .

                                                                                                                لنا : القياس على العظم في اللحم ; لأنه لا ينفك عنه المبيع غالبا ، واشترط ابن القاسم ذكر المنقى أو المغلث ; لأنه يوجب اختلاف الثمن ، وقال أشهب : لا يشترط لأن مقتضى العقد السلامة ، فإن أتاه بغلوث كان عيبا ، ويختلف في اشتراط اللون في الشعير ، قال ابن القاسم : يشترط أصفر أو أبيض قياسا على بقية الصفات وإلا فسخ ، وخالف أشهب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال سند : يذكر في الثياب الجنس كالكتان ، والبلد ; لاختلاف نسج [ ص: 248 ] البلاد ، والطول والصفاقة والخفة والغلظ والرقة ، زاد الشافعية : النعومة والخشونة والجودة والرداءة ، ولم يشترطه ابن القاسم ; لأنه يخرجها إلى العدة ، ولا يجوز اشتراط اللبيس ; لأنه يختلف ، ومنع الشافعية في المصبوغ بعد نسجه ; لأنه سلم في ثوب وصفه ، لنا : القياس على المصبوغ قبل نسجه ، ويجود في العتابي ونحوه ، ومنعه الشافعية ; لأنه مركب كالغوالي والمعاجين على أصلهم .

                                                                                                                لنا : أن القطن المسدى بالكتان جائز إجماعا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز في القصيل ونحوه من البقول إذا اشترط جزرا أو حزما أو أحمالا معلومة ، ولا يشترط الأخذ إلا في الإبان نفيا للغرر ، إلا أن يكون لا ينقطع ، وكذلك القصب والقرط الأخضر ، ويمتنع اشتراط فدادين موصوفة معلومة بالطول والعرض والجودة والرداءة ، قال صاحب التنبيهات : الجرز بضم الجيم وفتح الراء وضم الزاي أيضا وآخره زاي مفتوحة ، وروي بكسر الجيم وبزايين معجمتين ، والأول أصوب ، وهي القبض ، فإنها لا تختلف ، والجزة تختلف في اللطافة والكثافة ، ومراده بالفدادين غير المعينة خلافا لبعض المتأخرين ، والقرط بضم القاف وأراه ليس بعربي ، والقضب بفتحها وسكون الضاد ، قال سند : منع ( ش ) السلم في هذه إلا وزنا ، وقد تقدم جوابه ، وتجوز الفدادين المعينة إذا علمت صفتها ، والممنوع غير المعينة ; لأن السلم لا بد فيه [ ص: 249 ] من ذكر موضعه لاختلاف الغرض بالقرب والبعد والرياح والسقي والجودة في الحب وغيره ، فيكون العقد غررا ، وجوزه أشهب بناء على غالب تلك الأرض ، ويمتنع هاهنا تأخير لنقد كما قلنا في السلم في حائط بعينه ; لأن ذلك بيع ، وهذا سلم ، والفرق عند أشهب بين الفدادين والسلم في الدور ، وإن اشترط نفس البقعة : أن أشهب لا يشترط في الفدادين إلا القرية دون صقع معين ، والدور لا بد فيها من تشخيص الأرض فيمتنع لاحتمال التعذر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يصف في الرأس والأكارع صنفها وكبرها ، وفي اللحم : ضأنا أو ماعزا وزنا أو تحريا معروفا لجواز بيعه تحريا ، وفي الحيتان الطرية نوعها وطولها وصفتها وزنا أو تحريا ، ولهما بعد الأجل الرضا بغير النوع الذي يسلم فيه ; لأنه جنس واحد في الربا ، قال اللخمي : يشترط في اللحم أربعة : الجنس كالضأن ، والسن كالجذع ، والصنف كالذكورة والأنوثة ، والهيئة من السمن ، وأجاز ابن القاسم أن لا يشترط العضو ، وأن عليه أن يقبل البطن في اللحم ، ويحمل قوله على أن ذلك عادتهم ، أما اليوم فلا ، وتسمية الناحية المأخوذة منها أجود ، قال سند : منع ( ح ) السلم في اللحم والرءوس لامتناعه في اللحم ، ومنع ( ش ) فيهما ; لأن أكثرها عظام فيمتنع كرماد الصاغة ، وجوز في اللحم ، أما ما مسته النار : فمنعه ( ش ) في اللحم لاختلاف عمل النار ونقض عليه بالسمن والتمر ، لاختلاف عمل النار في السمن ، والشمس في التمر ، وأن تمتنع الإجارة في ذلك ; لأنها مجهولة ، وللرءوس ستة شروط : النوع من غنم أو غيرها ، والسن ، والذكورة الأنوثة ، والسمن ، مشوي أو [ ص: 250 ] مغموم ، وإن جرت العادة بالوزن كان أضبط ، ومنع ( ش ) و ( ح ) الأكارع ، ويزاد في الأكارع : مقدم أو مؤخر ، وللحيتان ستة شروط :

                                                                                                                النوع : لاج أو بوري ، والسمن ، والصغر ، والكبر ، والجيد ، والرديء ، وموضع الصيد ، فإن نواحي البحر مختلفة لاختلاف المرعى ، والوزن أو التحري ، ويذكر في الكثير : الطول والغلظ ، قال صاحب التنبيهات : تقول في التحري : أسلم لك فيما إذا تحرى كان كذا ، قاله ابن أبي زمنين ، وقال غيره : بل يعين إناء ويتحرى ملاؤه ، ويقول آخر بهذا كذا وكذا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز السلم في الخف ونحوه مما يعمل في الأسواق إذا وصفه إلى أجل السلم ولم يشترط صانعا بعينه لئلا يتعذر ، ولا بما يعمل منه بعينه ، قال سند : قال أشهب : يجوز اشتراط رجل بعينه إذا شرع في العمل ; لأن الغالب السلامة حينئذ ، ومنع ( ش ) في خشب النشاب لاختلاف نجابته ، ويجوز عندنا كالإجارة عليه ، وله أن يشترط عمل فلان إذا كان كثيرا في الأسواق ، ويجوز في سيف صفته كذا يضربه من جملة هذا الحديد ، والحديد لا يختلف ; لأنه بيع ، ويمتنع أن يقول مع هذا الحديد : تضربه لي سيفا ; لأنه سلم ، والأل بيع وإجارة ، ووافقنا ( ح ) في السلم في المضروب ، وجعل لكل واحد منهما الخيار إذا حضر المضروب ; لأنه عمل الناس خلفا وسلفا ، ومنع ( ش ) لأنه ليس عينا ولا صفة في الذمة .

                                                                                                                وجوابه : أنه صفة في الذمة ، قال اللخمي : اشتراط العمل من المعين إن كان لا يختلف صفة كالقمح يطحن ، والثوب يخاط ، أو يختلف إلا أن يمكن إعادته للمطلوب من غير نقص كالحديد في السيف جاز . فإن اشترى الرصاص [ ص: 251 ] امتنع ; لأنه ينقص في السبك وإن كان لا ينضبط في صفته أو يختلف خروجه امتنع كالثوب ، يشترط صبغه ، والغزل يشترط نسجه وإن كان كثيرا ، حتى إذا خالف بعضه عمل من البعض الآخر جاز ، وحيث أجزنا فيما لا يختلف أو يختلف ويعاد ، فلا بد من الشروع في العمل ، فإن هلك الثوب أو القمح قبل العمل جرى على التفصيل في تضمين الصناع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب المنتقى : يجوز على ظاهر المدونة في صفات السلم : أن يريه عينا ؛ ويقول : على صفة هذا فترتفع الجهالة ، وعن ابن القاسم : المنع ; لأن مثله من كل وجه يعسر ، وهو مقتضى الرؤية التي دخلا عليها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : يجوز السلم في الدنانير خلافا لـ ( ح ) ; لأن كل ما جاز ثمنا جاز مثمنا كالعرض .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال المازري : مقتضى أصولنا : جواز اشتراط الأجود من الطعام أو أدناه ، خلافا لـ ( ش ) في الأجود ; لأنه يتعذر ، بل معلوم متيسر عند الناس .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية