الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع : قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا أحدث فوق الرحى القديمة رحى وأضرت ببعض طحن القديمة أو بتكثير مؤنها ، أو ضرر بين مع ذلك ، فإن أشكل أمرها ، أذن له بشرط إن أضرت نقصت ، ولو عمل بغير حكم فتبين الضرر [ ص: 190 ] والأول ينظر إليه فلم ينكر ، ثم قال : ما ظننت أنه يضرني ، فإن كان مثله لا يخفى عليه ذلك ، لم يسمع قوله ، وإلا حلف ما سكت رضى وأزيل الضرر عنه . وقال بعض أصحابنا : إذا اجتهد الحاكم بقول أهل المعرفة فأذن ، ثم تبين الضرر فهو حكم مضى ، ولو تركه الأول حتى بنى ثم طلب إزالة الضرر لم يهدم ; لأنه تركه حتى أنفق النفقة العظيمة ، وقيل : يهدم ولو خربت رحى فبنى آخر رحى تضر بالأول لو أعيدت إن كان خرابا دائرا لم يمنع ، وإن لم يصل الإضرار إلى حد التعطيل ، لم يمكن إن أراد الأول إعادة رحاه ، وإلا فلا ، قال أصبغ : فإن ابتدآ رحاءين في أرضهما ، فلما فرغا أضر أحدهما بالأخرى إن تقدم أحدهما بماله بال ثم عمل الآخر فسبقه أم لا منع إن كان المضر ، وإن لم يسبق أحدهما لم يمنع ، فإن تبين الضرر منعا معا .

                                                                                                                فرع : قال : لو أذن له في تجرية الماء في أرضه لرحاه ليس له منع ذلك بعد ; لأنها عطية ما لم تؤقت فلك الرجوع بعد الأمد وإن سمى عارية فله أمد ما كان لمثله .

                                                                                                                فرع : قال في الكتاب : من حفر حيث لا يجوز له ، ضمن ما يعطب في حفيره من دابة وإنسان .

                                                                                                                فرع : قال صاحب البيان : إذا هارت البئر تمتنع قسمة الزرع مع الأرض ; لأنه بيع [ ص: 191 ] الزرع قبل طيبه حتى يقتسماه بالكيل بعد الدراس ، ويبيع أحدهما نصيبه من الأصل والماء ويقاسمه الأرض ، ويجبر الممتنع على العمل مع صاحبه أو المقاسمة .

                                                                                                                فرع : قال : إذا ملك بجوار جدارك خليجا يجري فيه السيل فهدم جدارك ، فعلى صاحبه بناؤه إن كنت لا تسقي منه كسائق الدابة ، وإن كنت تسقي منه فلا ; لأنكما سقتما الماء فيه ، قال : وأصل المذهب وجوب القيمة في العروض ، وبالجدار عرض ، وإنما وجب البناء ; لأن القيمة قد لا تقيم الجدار على حاله فلا ينجبر الخلل فيغرم هاهنا أكثر من القيمة ، فهذه المسألة مستثناة من العروض في وجوب المثل كمستهلك فرد من زوج لا تلزمه قيمة بل قيمة ما نقص الجميع ، وكجلد استثنى فاستحق المشتري الحيوان ، فإنه يقضي فيه بالمثل ، وكخرق الثوب خرقا يسيرا قاله بعض الشيوخ في وجوب المثل وليس كذلك ; لأنه لا يلزمه مثل البناء باليا لتعذر ذلك ، وكذلك الرفو هو لم يستهلك رفوا وإنما أخرق الثوب .

                                                                                                                فرع : قال : بئر بينكما اقتسمتماه ساقيتين فارتفع التراب تحت دلائك حتى تعذر السقي ، إن كانت عادة في التنظيف حملتهما عليها ، وإلا فالكنس عليكما ; لأن [ ص: 192 ] ترابك من عنده ومن عندك .

                                                                                                                فرع : في النوادر قال مالك : إذا نقص ماء البئر أو العين فأراد أحد الشريكين العمل ، فإن عمل الآخر وإلا باع ممن يعمل ، أو يعمر الطالب ، فما زاد عمله فهو له حتى يأخذ نصف النفقة ، قال ابن القاسم : كل أرض مشتركة من أصول أو زرع هارت بيرها يقال للممتنع : اعمل مع صاحبك أو بع حصتك من الأصل ، فتأخذ حصته أو يأخذ حصتك ، فمن أراد عمل أو ترك ، ومن عمل له الماء كله حتى يعطيه شريكه ما ينوبه من النفقة وإن كان بينهما ، وأما الأرض المقسومة أو الشجر المقسوم أو الزرع لرجل في أرض بينهما مفروز ، إلا أن ماءهما واحد فتهور البئر أو تنقطع العين ، لا يكلف الممتنع النفقة مع شريكه ، فإن عمل الآخر فله الماء كله إلا أن يعطيه نصيبه من النفقة ، قال سحنون : هذا في البئر التي ليس عليها حياة ولا نخل ، أما ما عليها ذلك فيجبر الممتنع على العمل أو البيع ممن يعمل ، وإلا بيع عليه ، قال مالك : إن كان البئر خربا أو العين فلا يجبر الممتنع ، إنما يجبر حيث يبقى بقية من الماء ، فلو لم يجبر فسدت بقيته فهو ضرر ، بخلاف الأول .

                                                                                                                فرع : في الكتاب : إذا انهارت البئر أو العين فأصلحتهما وأبى شريكك ، لك [ ص: 193 ] منعه الماء إن كان فيه فضل حتى يعطيك نصيبه من النفقة ; لأن الماء نشأ عن نفقتك ، كما ينشأ عن ملكك ، وإذا احتاجت البئر للكنس أو القناة ، وتركه ينقص الماء أو لا يكفي ماؤها مريد الكنس ، فلمريد الكنس الكنس وهو أولى بما زاد الماء بكنسه دون الشريك حتى يؤدي نصيبه من النفقة ، وكذلك بئر الماشية . قال ابن يونس : وقع في المستخرجة إذا استدت القناة في أولها ينقيها الأولون دون من بعدهم ، أو في آخرها ينقيها الأولون مع الآخرين وهذا إنما يصح في قناة المرحاض ; لأنها إذا استدت في أولها يكون باقيها غير مسدود ، فالضرر يختص بالأولين ، وفي آخرها يتضرر الجميع بانحباس أتفال الأولين والآخرين ، وأما قناة الزرع والطاحون يتضرر الجميع بانسداد أولها ، فالإصلاح عليهم وأي من تم نفعه ببعض الإصلاح كان بقية الإصلاح على الثاني ، فإن كمل نفع الثاني ، فعلى الثالث ، ثم كذلك ، وعلى قول ابن القاسم يقال للشريك : عمر أو بع حصتك من الأرض أو قاسمه إياها ، قال ابن نافع : هذا في البئر ليس عليه إحياء زرع ولا نخل ولا غيره ، فلا يجبر على الإصلاح كصاحب السفل مع صاحب العلو ، وقال أشهب : إذا كان البئر يخشى خرابه ، يجبر الشريك نفيا للضرر ، وإن كان خرابا لم يجبر ; إذ لا يترتب على عدم العمارة خراب ، ومن أعمر فهو أحق بالماء حتى يعطيه الآخر حصته من النفقة ، فيكون الماء بينهما في المستقبل ، ولا شيء عليه فيما مضى ; لأنه أسقط حقه بعدم الموافقة ، وعن مالك إن قل الماء فيبقى ما يكفي أحد الشريكين ، وصاحب القليل دون صاحب الكثير لا يجبر صاحب القليل ويعمل الآخر ، ولصاحب القليل بقدر حصته [ ص: 194 ] قبل العمل حتى يعطي حصته من النفقة ، قال ابن نافع : قال مالك : يعطيه حصته من النفقة يوم أنفق ، وإنما أقول قدر قيمة العمل فيقوم يوم يقوم وقد بلي ; لأنه من اليوم تملكها ، فلا يحسب عليه جديدا ، لئلا يؤخذ منه ثمن ما انتفع به غيره ، وفي المسألة أربعة أقوال : قول انهارت البئر أو نقصت لمريد الإصلاح الإصلاح وهو أحق بالماء حتى يعطيه شريكه حصته ، فإن كانا شريكين فيما يسقى من نخل أو كرم خير الممتنع بين العمل والبيع والمقاسمة في الأصل فيعمل من أراد أن يكون له الماء كله حتى يعطيه الآخر حصته من النفقة ، وقيل : إن كانا شريكين فيما يسقى به ، لم يخير الممتنع بين العمل والبيع كصاحب السفل والحائط بين الرجلين ، إلا أن يكون بئر لا حياة عليه ، وقيل : إنما يؤمر بالعمل إذا لم يخرب البئر ، أما الخراب فلا ، وقيل : إن كانت أرض من الزرع لا تنقسم - وقد زرعاها جبر الممتنع على البيع لتعذر القسمة ، وإن لم تكن مزروعة وفيها نخل لا ثمر فيها حتى تجوز قسمتها ، خير بين القيمة والبيع والعمل ، وإن كان النخل منقسما ولم تبق الشركة إلا في غيرها فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله لا يجبر على العمل ، بل يعمل صاحبه وهو أحق بما زاد الماء لعدم الشركة في الأصول ، فلا يكلف بيع أصوله لشركتهما في البئر ، وظاهر كلام سحنون أنهما سواء ، ويخير بين العمل والبيع كالسفل والعلو والحائط بينهما ، وقد اختلف في الرحى تنهد فيقال للأبي : إما أن تبني أو تبيع ، فلو عمل أحدهما واغتل غلة كثيرة قال ابن شعبان : للعامل من الغلة بقدر ما أنفق وما كان له قبل أن ينفق ، والبقية للآخر ، وعن ابن القاسم : الغلة كلها للمنفق حتى يدفع قيمة ما عمل كالبئر يغور ماؤها ، وعنه يستوفي من الغلة نفقته ثم يكون بينهما ، واختار عيسى أن الغلة كلها للعامل وعليه كراء [ ص: 195 ] نصيب الآخر فيما هو باق قبل العمارة ، وله دفع حصته من النفقة والدخول معه ، إلا أن يكون بحدثان العمل ، فالأشبه قول ابن دينار وقول عيسى ، قال اللخمي : المجراة إما من أول العين إلى المغلق أو بين البساتين أو موضع مصالة الماء ، فالأول على عددهم عند ابن القاسم ، وعلى الأنصباء عند أصبغ ، وإذا استدت من الأول إلى الثاني فالإصلاح على الأول ; لأنه من سببه وإن استدا جميعا ، قيل : يغرم الأول مع جميعهم ، والثاني مع الثالث فيغرم كل واحد مع ما بعده إلى آخرهم . وقال يحيى بن عمر : يغرم كل واحد ما يكون منه إلى ما يليه خاصة لا يشارك أحدا ممن قبله ، وإن كان السد في المصالة خارجا عن جميعهم ، فهو منهم ، وما حدث بين البساتين مما نزل من العين فإزالته على من هو عنده إلى من بعده دون من قبله إذا لم يكن عنده سد ، وأرى إذا كان السد من سببهم قسمت النفقة على قدر ما يرى أن لكل واحد فيه ، واختلف في قنوات الديار : قال سحنون : الكنس على الأول حتى يبلغ الثاني ، ثم الأول والثاني حتى يبلغ الثالث ، ثم الجميع حتى يبلغ الرابع هكذا حتى الأخير ، وفيه خلاف ، وكنس قناة المطر على عدد الديار ، وقناة الإتفال على عدد العيال ، وإن كان سفل وعلو وتجتمع الأتفال في بئر السفل والبئر شركة ، فالكنس على عدد الجماعة ، فإن كانت ملكا لصاحب السفل فعلى صاحب السفل عند ابن القاسم وأشهب ; لأنه ملكه كما يصلح السقف لصاحب العلو وعلى عدد الجماجم عند ابن وهيب ; لأنها إتفالهم وإصلاح ما فسد من رقبة البئر على صاحب [ ص: 196 ] السفل ; لأنه ملكه ، وبئر السفل إصلاح ما يكنس فيه من المجرى عليهما; لأنه منهما ، وما نقص بسبب الدار أو من الرمل فعلى صاحب السفل ، فإن امتنع وتعطل أصلح صاحب العلو وهو أحق بمائه حتى يعطيه ما أنفق .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية