الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا مات الموصى له بعد موت الموصي فالوصية لورثته علم بها أو لا ؛ لأنها حق موروثهم ولهم عدم القبول كالشفعة وخيار البيع إذا انتقل إليهم .

                                                                                                                قال [ ص: 94 ] اللخمي : إذا مات في حياة الموصي بطلت الوصية ؛ لأنها إنما تعتبر عند الموت وعند موت الموصي هل هو غير أهل ، ووافقنا ( ش ) في الموت في حياته وبعدها أنها تبطل أولا فتنقل للورثة في الثاني ، وقال الأبهري : الأشبه إذا مات بعد موت الموصي أن تكون لورثة الموصي ؛ لأنها على ملك موروثهم حتى تخرج بالقبول من الموصى له . قال صاحب التنبيهات : تبين بهذه المسألة أن القبول لا يشترط قبل موته ولا علمه . وقال الأبهري : وتكون لورثته إذا قبلها ، وقيل : تورث عنه على كل حال وليس لورثته ردها ولا يحتاجون لقبول : قال ابن يونس : إذا مات في حياة الموصي وبطلت : اختلف قول مالك هل يحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا أم لا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا تدخل الوصية إلا فيما علمه الميت ؛ لأنه الذي توجه إليه القصد والوصايا ، ويدخل المدبر في الصحة فيما علم وما لم يعلم ، والفرق : أن الوصية تمليك فافتقرت للوصي ، والمدبر يخرج من الثلث بحكم الشرع دون السيد ، وإن أوصى بثلثه أو عتق أو غيره ولا مال له أو كان له ثم هلك عن مال مستفاد أو موروث وعلم بذلك المال قبل موته دخلت فيه الوصايا ، وإن لم يعلم فلا ، وكل ما يرجع بعد موته من عمرى أو غيرها تدخل فيه الوصايا ؛ لأنه معلوم ، ويرجع فيه من انتقص من وصيته شيء ، وإن أوصى بعتق كل مملوك له وقد ورث رقيقا لا يعلم بهم لم يعتقوا ، ولا يعتق إلا من علمه منهم ، قال صاحب التنبيهات : ظاهر الكتاب : يقتضي أن المدبر في المرض والمبتل فيه لا يدخلان في المجهول ، وعليه حمله المحققون ، وفي الموازية : المدبر فيها سواء يدخلان في المعلوم والمجهول ، واختلف في المبتل في المرض : ففي الكتاب : لا يدخل وخرج الشيوخ على ما في [ ص: 95 ] الموازية : دخول المبتل ؛ لأنه أقوى وهو بعيد لنصه في الموازية على الفرق ، ولا قياس مع النص ، قال اللخمي : أرى إن كانت الوصية بالثلث لا ينفذ المعلوم وصى لواحد أو لجماعة ، معينين أم لا ؛ لأنه القدر الذي وصى به ، فلو وصى بزكاة أو كفارات أو هدي وضاق الثلث تمت مما لا يعلم به لقصده تنفيذ ذلك عنه ، وقد قيل : إن ذلك يخرج من رأس المال عند ابن شهاب . فإن أوصى بتطوع وعدة وصايا مخالفة وضاق الثلث فذلك أشكل ، وقد قيل : إن قصد الميت إنفاذ جميع ذلك من ثلثي الورثة ، ولهذا يخيروا بين الإجازة والمحاصة في الثلث ، والتبدئة بالآكد إن لم يجيزوا ، فعلى هذا تنفيذ الوصية فيما لم يعلم به ؛ لأنه إذا رغب في إتمام ذلك من غير ماله وهو مال الورثة فأولى من مال نفسه ، وقيل : الوصية على ثلثه لا غير فعلى هذا لا يخير الورثة ؛ لأنه لم يتعرض لهم ، ولا تدخل الوصايا في المجهول واختلف في الدين في الصحة : والذي ثبت عليه مالك : الدخول في المعلوم والمجهول كما اختلف في مدبر المرض ، والذي ثبت عليه ابن القاسم عدم الدخول في المجهول ، والفرق : أن الصحيح يجهل ما يموت عليه ، فقد قصد بمدبره المجهول ، والمريض يتوقع الموت فما قصده إلا ما يعلمه حينئذ . وهذا مات من هذا المرض ، فإن مات من غيره أو من غير مرض فكالصحيح ، وما ذهب لم يقطع بعدمه فهو كالمعلوم ، فإذا عاد الآبق دخلت فيه الوصايا وإن أيس منه ، وإن أقر بدين متهم فيه ولم يجزه الورثة لم تدخل فيه الوصايا لإخراجه من ماله ، وقيل : تدخل لتوقعه عدم الإجازة .

                                                                                                                وهذا إذا كان جاهلا ، أما العالم : فإن حكم الورثة التخيير تدخل فيه الوصايا . قال الأبهري : إذا أوصى بثلثه وحدث مال بعد الوصية فعلم به حصلت الوصية فيه ، وإن تقدمت عليه ؛ لأن المقصود ثلث المال عند الموت ، ولو وهب هبة فلم تحز عنه حتى مات لا تدخل فيه الوصية ، وإن رجعت ميراثا ؛ لأنه أراد الوصية فيما عداها ، وفي شرح الجلاب : تدخل في الموئس منه كالعبد الآبق عند مالك لعلمه به ، وعنه : عدم الدخول للإياس ، وقال ( ش ) و ( ح ) : تدخل الوصايا في المجهول مطلقا ؛ لأن لفظ المال يتناوله ، وقد قال : ثلث مالي ، وانعقد الإجماع على الجهالة ؛ لأننا في الوصية ، وأن الوصي لا يشترط في تفاصيل الوصية بدليل دخول الوصية فيما [ ص: 96 ] يحدث بعد الوصية ، وأن الجاهل بتفاصيل ماله عند الوصية تنفذ وصيته في جملة ماله ، والجواب قوله عليه السلام : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ) . ( والمجهول لم تطب به نفسه ) . خالفناه في تفاصيل المعلوم لتوجه القصد إليها من حيث الجملة فإنه دخل في وصيته على ثلث ما يتجدد وعلى ما هو الآن في ملكه ، ورضي بمقدار ذلك من حيث الجملة ، أما المجهول على الإطلاق فلم يخطر له ببال ، والأصل : استصحاب ملكه وإعمال ظاهر الحديث . ولا يلزم من إجماعنا على الجهالة التي اشتمل عليها المعلوم وقصد إليها من حيث الجملة تجويزنا المجهول المطلق كما أجمعنا على جواز السلم اقتصارا على الأوصاف المشتملة ( على الجهالة ) بخصوص العين ، ومنعنا جهالة لم يشملها العلم من وجه ، فكذلك هاهنا ، وأصل نقل الأملاك الرضا بالإجماع ؛ بدليل أنه لو لم يوص لم ينتقل ملك الموصى له إجماعا ، فالمجهول مطلقا كما لم يوص فيه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية