الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        12427 - قال مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا . والذي سمعت أهل العلم يقولون : أن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية . ما لم يطلب بمال ، ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة . فأما ما طلب بمال ، وتكلف فيه كبير عمل ، فأصيب مرة ، وأخطئ مرة ، فليس بركاز .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        12428 - يريد مالك بقوله هذا أنه ما لم يكن ركاز ، فحكمه حكم المعادن .

                                                                                                                        [ ص: 62 ] 12429 - وأما قوله عليه السلام : " في الركاز الخمس " : فإن العلماء اختلفوا في الركاز وفي حكمه .

                                                                                                                        12430 - وقد ذكرنا عن مالك في تفسير ذلك في " الموطأ " ما نبين به فيه المعنى .

                                                                                                                        12431 - وقال مالك : الركاز في أرض العرب للواجد ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12432 - قال : وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد ولا شيء للواجد فيه .

                                                                                                                        12433 - قال : وما وجد في أرض العنوة فهو للجماعة الذين اقتحموها وليس لمن أصابه دونهم ويؤخذ خمسه .

                                                                                                                        12434 - قال ابن القاسم : كان مالك يقول في العروض والجواهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا أن فيه الخمس . ثم رجع فقال : لا أرى فيه شيئا . ثم آخر ما روينا عنه أن قال : فيه الخمس .

                                                                                                                        12435 - قال إسماعيل بن إسحاق : كل ما وجده المسلمون في خرب الجاهلية من أرض العرب التي افتتحها المسلمون من أموال الجاهلية ظاهرة أو مدفونة في الأرض فهو الركاز ، ويجري مجرى الغنائم ، ثم يكون لمن وجده . أربعة أخماسه ويكون سبيل خمسه سبيل خمس الغنيمة ، يجتهد فيه الإمام على ما يراه من صرفه في الوجوه التي ذكر الله من مصالح المسلمين .

                                                                                                                        [ ص: 63 ] 12436 - قال : وإنما حكم الركاز كحكم الغنيمة ؛ لأنه مال كافر فوجده مسلم فأنزل بمنزلة من قاتله وأخذ ماله ; فكان له أربعة أخماسه .

                                                                                                                        12437 - وقال الثوري في الركاز توجد في الدار : أنه للواجد دون صاحب الدار ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12438 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : الركاز في الذهب والفضة وغيرهما فيما كان من دفن الجاهلية أو البدرة أو القطيعة تكون تحت الأرض ، فتوجد بلا مؤنة ; فهو ركاز ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12439 - وقول الطبري كقولهم سواء .

                                                                                                                        12440 - قال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار : إنه لصاحب الدار دون الواجد ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12441 - وقال أبو يوسف : هو للواجد وفيه الخمس وإن وجده في فلاة فهو للواجد من قبلهم جميعا وفيه الخمس .

                                                                                                                        12442 - ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة ، وسواء عندهم أرض العرب وغيرها ، وجائز عندهم لواجده أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا ، وله أن يعطيه المساكين دون أن يدفعه للسلطان .

                                                                                                                        12443 - قال أبو عمر : وجه هذا عندي من قولهم أنه كان من أحد المساكين وأنه لا يمكن السلطان إن صرفه عليهم أن يعمهم به .

                                                                                                                        [ ص: 64 ] 12444 - وقال الليث بن سعد : الركاز مما افتتح عنوة أو صلحا للواجد ، وفيه الخمس . والركاز ما كان من دفن الجاهلية .

                                                                                                                        12445 - وقال الشافعي : الركاز دفن الجاهلية العروض وغيرها . وفيه الخمس ، وسواء وجده في أرض العنوة أو الصلح بعد أن لا يكون في ملك أحد فإن وجد في ملك غيره فهو له إن ادعاه ، وفيه الخمس وإن لم يدعه فهو للواجد ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12446 - قال أبو عمر : معنى قول " إن ادعاه " : أن يقول هو لي ؛ لأنه في أرضي أملكه كما أملك أرضي التي وجد فيها .

                                                                                                                        12447 - وفي إجماعهم على أن فيه الخمس دليل على أنه لم يملكه ملكا تاما ، ولذلك شاع فيه الاختلاف المذكور ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        12448 - وقد يحتمل أن يكون معنى قوله " إن ادعاه " : أنا وجدته في فيفاء فاستخرجته ودفنته في داري أو في أرضي فيكون له ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12449 - قال الشافعي : وإن أصاب شيئا من ذلك في أرض الحرب أو منازلهم فهو غنيمة له وللجيش ؛ وإنما يكون للواجد مالا يملكه العدو ، ومما لا يوجد إلا في الفيافي .

                                                                                                                        12450 - وقال الأوزاعي : الركاز أموال أهل الكتاب المدفونة في [ ص: 65 ] الأرض ، والذهب بعينه يصيبه الرجل في المعدن .

                                                                                                                        12451 - قال أبو عمر : أصل الركاز في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة وسائر الجواهر . وهو عند الفقهاء أيضا كذلك ؛ لأنهم يقولون في البدرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل أو سعي أو نصب فيها الخمس ؛ لأنه ركاز . ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة أهل العلم ركاز أيضا لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام ، وكان من الأمور العادية ، وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة ؛ لأنه ملك لمسلم لا خلاف بينهم في ذلك ، فقف على هذا الأصل ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية