الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        14513 - وفي هذا الباب : وسئل مالك عمن أسلم في آخر يوم من رمضان : هل عليه قضاء رمضان كله أو يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه ؟ فقال : ليس عليه قضاء ما مضى ، وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل . وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        14514 - قال أبو عمر : اختلف علماء التابعين من السلف ومن بعدهم في الكافر يسلم في رمضان ، والصبي يبلغ فيه ، هل عليهما قضاء ما مضى من شهر رمضان وفي اليوم الذي أسلم أو بلغ فيه .

                                                                                                                        14515 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : إن أسلم نصراني في بعض رمضان صام ما مضى منه مع ما بقي ، وإن أسلم في آخر النهار صام ذلك اليوم .

                                                                                                                        14516 - وعن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : يصوم ما بقي من رمضان ويقضي ما فاته ، فإن أسلم في آخر يوم من رمضان فهو بمنزلة المسافر يدخل في صلاة المقيمين .

                                                                                                                        14517 - وعن معمر ، عن من سمع الحسن يقول : إذا أسلم في شهر رمضان صامه كله .

                                                                                                                        [ ص: 193 ] 14518 - قال : معمر : وقال قتادة : يصوم ما بقي من الشهر .

                                                                                                                        14519 - قال معمر : وقول قتادة أحب إلي .

                                                                                                                        14520 - قال : عبد الرزاق : وقال الثوري : لو أسلم كف عن الطعام في ذلك اليوم ولم يقضه ، ولا شيء عليه فيما مضى .

                                                                                                                        14521 - وهذا نحو قول مالك .

                                                                                                                        14522 - قال ابن القاسم عن مالك : يكف الذي يسلم في رمضان عن الأكل بقية يومه ، وليس عليه قضاء ذلك اليوم بواجب . وأحب إلي لو قضاه .

                                                                                                                        14523 - وهو قول الشافعي ، قال في النصراني يسلم في رمضان ، والصبي يحتلم : عليهما أن يصوما ما بقي من شهر رمضان ولا شيء عليهما فيما مضى ، ولا يجب عليهما قضاء اليوم الذي أسلم أو بلغ ، واستحب لهما صومه .

                                                                                                                        14524 - هذا كله معنى قول أبي حنيفة وأصحابه ، والليث بن سعد ، وعبيد الله بن الحسن ، وكلهم يستحب لهما أن يكفا ذلك اليوم عن الطعام .

                                                                                                                        14525 - وقال الأوزاعي في الغلام يحتلم في النصف من رمضان ، فإنه يصوم ما مضى ; لأنه كان يطيق الصوم .

                                                                                                                        14526 - وبه قال عبد الملك بن الماجشون .

                                                                                                                        14527 - قال أبو عمر : من أوجب على الكافر يسلم في رمضان ، والصبي يحتلم - ما مضى ، فقد كلف غير مكلف ، لأن الله تعالى لم يكلف الصيام إلا على [ ص: 194 ] المؤمن إذا كان بالغا لقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام [ البقرة : 183 ] ولقوله : واتقون ياأولي الألباب [ البقرة : 197 ] فلم يدخل في إيجاب هذا الخطاب من لم يبلغ مبلغ من تلزمه الفرائض ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - " رفع القلم عن ثلاث . . " وذكر الغلام حتى يحتلم ، والجارية حتى تحيض . ومن أوجب عليهم صوم ما مضى فقد أوجبه على غير مؤمن ، وكذلك من لم يحتلم ؛ لأنه غير مخاطب ؛ لرفع القلم عنه حتى يحتلم على ما جاء في الأثر . هذا وجه النظر ، والله أعلم .

                                                                                                                        14528 - قال أبو عمر : من لم يوجب عليه صوم اليوم الذي يبلغ فيه أو يسلم استحال عنده أن يكون صائما في آخر يوم ، كان في أوله مفطرا ، وليس كاليوم الذي ظنه من شعبان . الذي يبلغ أو يسلم في بعض النهار لما لم يلزمه في أول النهار لم يلزمه آخره ، واليوم الذي يظن أنه من شعبان ثم يصح عنده في نصف النهار أنه من رمضان لازم من أوله إلى آخره ، فلما فاته ذلك بجهله لزمه قضاؤه وسقط الإثم عنه ، ولزمه الإمساك بقية النهار عن الأكل عند جماعة العلماء ؛ لأنه كان واجبا عليه أوله وآخره ، وكذلك آخره مع العلم ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية