الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        71 61 - مالك ، عن هشام بن عروة ؛ أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع العمامة ، ويمسح رأسه بالماء .

                                                                                                                        62 - مالك ، عن نافع ؛ أنه رأى صفية بنت أبي عبيد ، امرأة عبد الله بن عمر ، تنزع خمارها ، وتمسح على رأسها بالماء . ونافع يومئذ صغير .

                                                                                                                        [ ص: 217 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 217 ] 2115 - وفي هذا الحديث جواز شهادة الصغير إذا أداها كبيرا ، وفي معناها جواز شهادة الفاسق إذا أداها تائبا صالحا ، وشهادة الكافر إذا أداها مسلما .

                                                                                                                        2116 - وأما المسح على الرأس فقد تقدم القول فيه مستوعبا في حديث عمرو بن يحيى المازني من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم .

                                                                                                                        2117 - وأما المسح على العمامة فاختلف أهل العلم في ذلك ، واختلفت فيه الآثار ، فروي عن النبي - عليه السلام - أنه مسح على عمامته من حديث عمرو بن أمية الضمري ، وحديث بلال ، وحديث المغيرة بن شعبة ، وحديث أنس ، وكلها معلومة .

                                                                                                                        [ ص: 218 ] 2118 - وقد خرج البخاري في الصحيح عنده عن عمرو بن أمية الضمري [ ص: 219 ] وقد ذكرنا إسناده والعلة فيه ببيان واضح في كتاب " الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري " . فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك ، والحمد لله .

                                                                                                                        2119 - وروي عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ذكرهم المصنفون ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، وابن المنذر ، أنهم أجازوا المسح على العمامة .

                                                                                                                        2120 - وبه قال الأوزاعي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، للآثار الواردة في ذلك وقياسا على الخفين ولأن الرأس والرجلين عندهم ممسوحان ساقطان في التيمم .

                                                                                                                        2121 - واختلاف هؤلاء فيمن مسح على العمامة ثم نزعها كاختلافهم فيمن مسح على الخفين ، ثم نزعهما .

                                                                                                                        2122 - واختلفوا إذا انحل كور منها أو كوران بما لم أر لذكره وجها هاهنا .

                                                                                                                        2123 - وقالت طائفة من هؤلاء : يجوز مسح المرأة على الخمار . ورووا عن أم سلمة زوج النبي - عليه السلام - أنها كانت تمسح على خمارها .

                                                                                                                        2124 - وأما الذين لم يروا المسح على العمامة ولا على الخمار فعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، والشعبي ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان .

                                                                                                                        [ ص: 220 ] 2125 - وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم .

                                                                                                                        2126 - وفي الموطأ : سئل مالك عن المسح على العمامة وعلى الخمار فقال : لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة ولا خمار ، وليمسحا على رءوسهما .

                                                                                                                        2127 - والحجة لمالك ومن قال بقوله ظاهر قوله تعالى : " وامسحوا برءوسكم " [ المائدة : 6 ] ومن مسح على العمامة فلم يمسح برأسه .

                                                                                                                        2128 - وقد أجمعوا أنه لا يجوز مسح الوجه في التيمم على حائل دونه ، فكذلك الرأس .

                                                                                                                        2129 - والخطاب في قوله : " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ النساء : 43 ] كالخطاب في قوله : " وامسحوا برءوسكم " .

                                                                                                                        2130 - ولا وجه لما اعتلوا به من أن الرأس والرجلين ممسوحان ، وأنه لما اتفقوا على المسح على الخفين فكذلك العمامة ؛ لأن الرجلين عند الجمهور مغسولتان ، ولا يجزئ المسح عليهما دون حائل ، وقد قام الدليل على وجوب الغسل لهما فلا معنى للاعتبار بغير ذلك .

                                                                                                                        2131 - فإن قيل : إن الرأس والرجلين يسقطان في التيمم ، فدل على أنهما ممسوحان .

                                                                                                                        [ ص: 221 ] 2132 - قيل له : وقد يسقط بدن الجنب كله في التيمم ، ولا يعتبر بذلك ، فسقط ما اعتلوا به .

                                                                                                                        2133 - وقد بينا وجه القول في مسح القدمين وغسلهما ورجحنا الغسل واحتججنا له في غير هذا الموضع بما يغني عن إعادته هاهنا .

                                                                                                                        2134 - فإن قيل : فهب أن الرجلين مغسولتان هلا كان المسح على العمامة قياسا عليهما في الخفين .

                                                                                                                        2135 - قيل له : قد أجمعوا على أن المسح على الخفين مأخوذ من طرق الأثر ، لا من طريق القياس ولو كان من طريق القياس لوجب القول بالمسح على القفازين ، وعلى كل ما غيب الذراعين من غير علة ولا ضرورة ، فدل على أن المسح على الخفين خصوص لا يقاس عليه ما كان في معناه .

                                                                                                                        2136 - ولما لم يجز أن يقاس الذراعان وهما مغسولان على الرجلين المغسولتين إذا كان كل واحد منهما مغيبا فيما يستره مما يصلح لباسه فأحرى ألا يقاس العضو المستور بالعمامة وهو ممسوح على عضو مغسول إذ كان كل واحد منهما مغيبا .

                                                                                                                        2137 - وهذا ما لا ينكره أحد من العلماء القائلين بالقياس ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية