الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        829 [ ص: 180 ] ( 39 ) باب وداع البيت

                                                                                                                        792 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن عمر بن الخطاب قال : لا يصدرن أحد من الحاج ، حتى يطوف بالبيت . فإن آخر النسك الطواف بالبيت .

                                                                                                                        17247 - قال مالك ، في قول عمر بن الخطاب : فإن آخر النسك الطواف بالبيت : إن ذلك ، فيما نرى ، والله أعلم ، لقول الله تبارك وتعالى ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ الحج : 32 ] ، وقال ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] فمحل الشعائر كلها ، وانقضاؤها ، إلى البيت العتيق .

                                                                                                                        793 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران ، لم يكن ودع البيت حتى ودع .

                                                                                                                        794 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : من أفاض [ ص: 181 ] فقد قضى الله حجه . فإنه ، إن لم يكن حبسه شيء ، فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت . وإن حبسه شيء ، أو عرض له ، فقد قضى الله حجه

                                                                                                                        . 17248 - قال مالك : ولو أن رجلا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت ، حتى صدر . لم أر عليه شيئا . إلا أن يكون قريبا . فيرجع فيطوف بالبيت . ثم ينصرف إذا كان قد أفاض .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        17249 - قال أبو عمر : وداع البيت لكل حاج أو معتمر لا يكون مكيا من شعائر الحج وسننه ، إلا أنه رخص للحائض إذا كانت قد أفاضت ، والإفاضة الطواف بالبيت بعد رمي جمرة العقبة وهو الذي يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة ، ويسميه أهل العراق طواف الزيارة ، فمن طاف ذلك الطواف من النساء ثم حاضت فلا جناح عليها أن تصدر عن البيت وتنهض راجعة إلى بلدها دون أن [ ص: 182 ] تودع البيت .

                                                                                                                        17250 - وردت السنة بذلك في الحائض التي قد أفاضت ، وسيأتي ذلك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله - عز وجل - وسنذكر هناك من رخص للحائض في ذلك من العلماء اتباعا للسنة التي بلغته فيها ، ومن لم يرخص لها لما غاب عنه في ذلك .

                                                                                                                        17251 - قال ابن وهب : قال لي مالك : في قول عمر بن الخطاب : " آخر النسك الطواف بالبيت ، قال : ذلك الأمر المعمول به ، الذي لا ينبغي لأحد تركه إلا من عذر ، وذلك لمن كان بمنى ، فمن أراد الصدر فأما من رجع إلى مكة بإفاضة فإن له سعة أن يخرج وإن لم يطف بالبيت إذا أفاض .

                                                                                                                        17252 - قال أبو عمر : هو قول عطاء ، ذكر ابن جريج ، عن عطاء ، قال : إذا أخرت طوافك إلى أن تجيء يوم الصدر أجزاك لزيارتك وصدرك ، يعني الوداع .

                                                                                                                        17253 - قال الثوري : من نسي فخرج ولم يودع رجع إن ذكر في الحرم فطاف ، وإن كان قد خرج من الحرم لم يرجع ويمضي ; وأهراق دما .

                                                                                                                        [ ص: 183 ] 17254 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                        17255 - وأوصى سفيان الثوري عند موته أن يهراق عنه دم ، لأنه خرج مرة بغير وداع .

                                                                                                                        17256 - واختلفوا فيمن طاف طواف الوداع ، ثم بدا له في شراء حوائج من السوق ونحو ذلك : 17257 - فقال عطاء : إذا لم يبق إلا الركوب والنهوض فحينئذ يودع ، وإنما هو عمل ، يختم به .

                                                                                                                        17258 - وبه قال الشافعي ، والثوري ، ومحمد ، وأبو ثور .

                                                                                                                        17259 - وقال الشافعي : إذا اشترى في بعض جهازه وطعامه وحوائجه في السوق بعد الوداع .

                                                                                                                        17260 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : أحب إلينا أن يكون طوافه حين يخرج ، فلو ودع البيت ثم أقام شهرا أو أكثر أجزاه ذلك ولم يكن عليه إعادة .

                                                                                                                        17261 - قال أبو عمر : هذا خلاف قول عمر ، رضي الله عنه : فليكن آخر عهده الطواف بالبيت .

                                                                                                                        17262 - واختلفوا في المعتمر الخارج إلى التنعيم هل يودع ؟ .

                                                                                                                        17 ب - فقال مالك والشافعي : ليس عليه وداع .

                                                                                                                        17264 - وقال الثوري : إن لم يودع فعليه دم .

                                                                                                                        17265 - قال أبو عمر : قول مالك أقيس ، لأنه راجع في عمرته إلى البيت . [ ص: 184 ] وليس بناهض إلى بلده .

                                                                                                                        17266 - ويقولون : إن بين مر الظهران وبين مكة ثمانية عشر ميلا . وهذا بعيد عن مالك وأصحابه ، ولا يرون على أحد طواف الوداع من مثل هذا الموضع .

                                                                                                                        17267 - وجملة قول مالك فيمن لم يطف للوداع أنه إذا كان قريبا رجع ، فطاف ليودع البيت ، وإن بعد فلا شيء عليه .

                                                                                                                        17268 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : يرجع إلى طواف الوداع ما لم يبلغ المواقيت ، فإن بلغها ولم يرجع فعليه دم .

                                                                                                                        17269 - وقالوا في أهل ( بستان ابن عامر ) ، وأهل المواقيت : إنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الصدر .

                                                                                                                        17270 - وقال سفيان الثوري والشافعي : من لم يطف الوداع فعليه دم إن يغدو إن أمكنه الرجوع رجع .

                                                                                                                        17271 - وهو قول الحسن البصري ، والحكم ، وحماد ، ومجاهد ، كلهم يقولون : عليه دم .

                                                                                                                        17272 - وثبت عن ابن عباس أنه قال : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما ولا خلاف أن طواف الوداع من النسك .

                                                                                                                        17273 - والحجة لمالك أن طواف الوداع ساقط عن المكي ، وعن الحائض ، فليس من السنن اللازمة وألزمه بدنة ، فلا يجب فيها شيء إلا بيقين .




                                                                                                                        الخدمات العلمية