الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        6 حديث خامس 6 - مالك ، عن نافع مولى عبد الله بن عمر ، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله : إن أهم أمركم عندي الصلاة ، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع . ثم كتب : أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا ، إلى أن يكون ظل أحدكم مثله . والعصر والشمس مرتفعة ، بيضاء نقية ، قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة ، قبل غروب الشمس . والمغرب ، إذا غربت الشمس . والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل . فمن نام فلا نامت عينه ، فمن نام فلا نامت عينه . فمن نام فلا نامت عينه . والصبح ، والنجوم بادية مشتبكة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        359 - هكذا روى مالك ، عن نافع : أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله .

                                                                                                                        360 - ورواه عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن صفية بنت أبي عبيد ، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله ، فذكر مثله بمعناه ، وفي حديث غير هذا ما كان عليه من الاهتبال بأمور المسلمين إذ ولاه الله أمرهم .

                                                                                                                        [ ص: 236 ] 361 - وإنما خاطب العمال لأن الناس تبع لهم ، كما جاء في المثل : " الناس على دين الملك " .

                                                                                                                        362 - وروي عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس ، هم : الأمراء ، والعلماء " .

                                                                                                                        363 - ومن استرعاه الله رعية لزمه أن يحوطها بالنصيحة ، ولا نصيحة تقدم على النصيحة في الدين لمن لا صلاة له ، ولا دين لمن لا صلاة له .

                                                                                                                        364 - روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " من استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة لم يرح رائحة الجنة " .

                                                                                                                        365 - وكان عمر لرعيته كالأب الحدب ; لأنه كان يعلم أن كل راع مسئول عن رعيته .

                                                                                                                        366 - وأما قوله : " حفظها " - فحفظها : علم ما لا تتم إلا به من وضوئها وسائر أحكامها .

                                                                                                                        367 - وأما قوله " وحافظ عليها " - فتحتمل المحافظة على أوقاتها ، والمسابقة إليها .

                                                                                                                        [ ص: 237 ] 368 - والمحافظة إنما تكون على ما أمر به العبد من أداء فريضة ، ولا تكون إلا في ذلك أو في معناه من فعل ما أمر به العبد ، أو ترك ما نهي عنه .

                                                                                                                        369 - ومن هنا لا يصلح أن تكون المحافظة من صفات الباري ، ولا يجوز أن يقال : محافظ ، ومن صفاته : حفيظ ، وحافظ - جل وتعالى علوا كبيرا .

                                                                                                                        370 - وأما قوله : " أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا " فإنه أراد فيء الإنسان أن يكون ذراعا زائدا على القدر الذي تزول عليه الشمس صيفا وشتاء ، وذلك ربع قامة .

                                                                                                                        371 - ولو كان القائم ذراعا لكان مراد عمر من ذلك ربع ذراع ، ومعناه - على ما قدمناه - لمساجد الجماعات ; لما يلحق الناس من الاشتغال ، ولاختلاف أحوالهم فمنهم : الخفيف ، والثقيل في حركاته .

                                                                                                                        372 - وقد مضى في حديث ابن شهاب في أول الكتاب من معاني الأوقات ما يغني عن القول هاهنا في شيء منها .

                                                                                                                        373 - ودخول الشمس صفرة معلومة في الأرض تستغني عن التفسير .

                                                                                                                        374 - والفرسخ ثلاثة أميال ، واختلف في الميل ، وأصح ما قيل فيه : ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع .

                                                                                                                        [ ص: 238 ] 375 - وهذا كله من عمر على التقريب ، وليس في شيء من ذلك تحديد ، ولكنه يدل على سعة الوقت . وما قدمنا في الأوقات يغني والحمد لله .

                                                                                                                        376 - وأما قوله : " وآخر العشاء ما لم تنم " فكلام ليس على ظاهره ، ومعناه النهي عن النوم قبلها ; لأنه قد ثبت النهي عن النوم قبلها ، واشتهر عند العلماء شهرة توجب القطع أن عمر لا يجهل ذلك .

                                                                                                                        377 - ومن تأول على عمر إباحة النوم قبل العشاء فقد جهل ، ويدلك على ذلك دعاؤه على من نام قبل أن يصلي العشاء وألا تنام عينه ، فكرر ذلك ثلاثا مؤكدا .

                                                                                                                        378 - وأما الصبح فقد قدمنا أنه كان من مذهبه ومذهب أبي بكر : التغليس بالصبح ، ويشهد لذلك قوله : " والنجوم بادية مشتبكة " وهذا على إيضاح الفجر لا على الشك فيه ; لإجماع المسلمين على أن من صلى وهو شاك في الفجر فلا صلاة له .

                                                                                                                        379 - وأما تأويل أصحابنا في حديث عمر هذا إلى عماله : أنه أراد مساجد الجماعات فلحديث مالك ، عن عمه أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : " أن صل الظهر إذا زاغت الشمس " فهذا على المنفرد لئلا يتضاد خبره ، أو يكون على الإعلام بأول الوقت ; ليعلم بذلك رعيته .

                                                                                                                        380 - وأهل العلم لا يرون النوم قبل العشاء ، ولا الحديث بعدها ، وقد رخص فيه قوم ، وسيأتي هذا المعنى مجودا في موضعه إن شاء الله .

                                                                                                                        [ ص: 239 ] 381 - وقد ذكر الساجي أبو يحيى قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشهيدي قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن كردوس قال : خرج ابن مسعود ، وأبو مسعود ، وحذيفة ، وأبو موسى من عند الوليد ، وقد تحدثوا ليلا طويلا ، فجاءوا إلى سرة المسجد فتحدثوا حتى طلع الفجر .

                                                                                                                        382 - قال أبو عمر : هذا معناه عندي أن تكون ضرورة دعتهم إلى هذا في حين شكوى أهل الكوفة بالوليد بن عقبة ، وابتداء طعنهم على عثمان .

                                                                                                                        383 - وقد جاء في الحديث : " لا سمر بعد العشاء إلا لمصل ، أو مسافر ، أو دارس علم " .

                                                                                                                        384 - وما كان في معنى هذه الثلاثة مما لا بد منه فله حكمها ، والأصل في هذا حديث أبي المنهال سيار بن سلامة ، عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر العشاء التي تدعونها : العتمة ، ويكره النوم قبلها " .

                                                                                                                        [ ص: 240 ] 385 - والحديث بعدها رواه عن أبي المنهال شعبة ، وعوف ، وغيرهما .

                                                                                                                        386 - ومن هذا الباب قول حذيفة : جدب لنا عمر السمر بعد العتمة : يعني عابه علينا ، كذلك شرحه أبو عبيدة ، وغيره .

                                                                                                                        387 - وعن عمر أيضا فيه حديث آخر : " أنه كان يقول لهم إذا صلى العتمة : انصرفوا إلى بيوتكم " ذكره أبو عبيدة أيضا .

                                                                                                                        388 - وسائر ما في حديث أبي سهيل هو في حديث نافع ، وحديث نافع أتم ، وقد مضى فيه القول ، وأمره لأبي موسى بأن يقرأ في الصبح سورتين طويلتين من المفصل على الاختيار لا على الوجوب .

                                                                                                                        389 - ولا واجب في القراءة غير فاتحة الكتاب ، وغير ذلك مسنون مستحب ، وفي حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عمر في ذلك قوله : أن صل العشاء ما ( بينك ) وبين ثلث الليل ، فإن أخرت فإلى شطر الليل ، ولا تكن من الغافلين .

                                                                                                                        390 - وقد مضى في آخر وقت المختار من الأحاديث المسندة : ثلث الليل ، ونصف الليل ، وعلى ذلك اختلاف العلماء الذي ذكرنا .

                                                                                                                        391 - فمن ذهب إلى ثلث الليل تأول قوله : " ولا تكن من الغافلين " فتؤخرها إلى شطر الليل .

                                                                                                                        392 - ومن ذهب إلى أن آخر وقتها المختار : نصف الليل ، تأول ولا تكن من الغافلين فتؤخرها بعد شطر الليل ، أو إلى أن يخرج وقتها ، ولعله ذهب إلى [ ص: 241 ] أن آخر وقتها الذي صلاها فيه رسول الله شطر الليل ، وأن ما بعد ذلك فوت لقوله - عليه السلام - " ما بين هذين وقت " .

                                                                                                                        393 - ولست أقول : إن من صلاها قبل الفجر صلاها قاضيا بعد خروج وقتها لدلائل .

                                                                                                                        394 - ( منها ) حديث أبي هريرة : إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى .

                                                                                                                        395 - ولأنها لو فاتت بانقضاء شطر الليل ما لزمت الحائض تطهر ، والمغمى عليه يفيق ، إذا أدركا من وقتها ركعة قبل الفجر ، كما لا تلزمهما بعد الفجر ، ولا الصبح بعد طلوع الشمس .




                                                                                                                        الخدمات العلمية