الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        855 [ ص: 265 ] 818 - مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال : باسم الله ، والله أكبر .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        17557 - قال أبو عمر : أما قوله : " كان إذا أهدى هديا من المدينة ، قلده وأشعره بذي الحليفة " فهي السنة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الحديبية ، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي ، وأشعره ، وأحرم .

                                                                                                                        17558 - فإن كان الهدي من الإبل والبقر فلا خلاف أنه يقلد نعلا أو نعلين أو ما يشبه ذلك ممن يجد النعال .

                                                                                                                        17559 - قال مالك : يجزئ النعل الواحد في التقليد .

                                                                                                                        17560 - وكذلك هو عند غيره .

                                                                                                                        17561 - وقال الثوري : يقلد نعلين ، وفم القربة يجزي .

                                                                                                                        17562 - واختلفوا في تقليد الغنم .

                                                                                                                        17563 - فقال مالك ، وأبو حنيفة : لا تقلد الغنم .

                                                                                                                        [ ص: 266 ] 17563 م - وقال الشافعي : تقلد البقر والإبل النعال ، وتقلد الغنم الرقاع .

                                                                                                                        17564 - وهو قول أبي ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ; لحديث الأعمش عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى إلى البيت مرة غنما فقلدها .

                                                                                                                        17565 - وقال مالك : لا ينبغي أن يقلد الهدي إلا عند الإهلال ، يقلده ، ثم يشعره ، ثم يصلي ، ثم يحرم .

                                                                                                                        17566 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع .

                                                                                                                        17567 - وجائز إشعار الهدي قبل تقليده ، وتقليده قبل إشعاره ، وكل ذلك قد روي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        17568 - وأما توجهه إلى القبلة في حين التقليد ، فإن القبلة على كل حال يستحب استقبالها بالأعمال التي يراد بها الله - عز وجل - تبركا بذلك ، واتباعا للسنة .

                                                                                                                        [ ص: 267 ] 17569 - قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " من أكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا . . . " الحديث .

                                                                                                                        17570 - فهذا في الصلاة ، وتدخل فيه الذبيحة .

                                                                                                                        17571 - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستقبل بذبيحته القبلة ، ويقول : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا الآية [ الأنعام - 79 ] .

                                                                                                                        17572 - وكره ابن عمر وابن سيرين : أن يؤكل من ذبيحة من لم يستقبل بذبيحته القبلة .

                                                                                                                        17573 - وأباح أكلها جمهور العلماء ، منهم : إبراهيم ، والقاسم .

                                                                                                                        17574 - وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، والشافعي .

                                                                                                                        17575 - ويستحبون مع ذلك أن يستقبلوا القبلة . وقد روي في الحديث المرفوع : خير المجالس ما استقبل به القبلة " فما ظنك بما هو أولى بذلك ؟

                                                                                                                        [ ص: 268 ] 27576 - وأما تقليده بنعلين فقد روي ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        17577 - وإنما التقليد علامة للهدي كأنه إشهار منه أنه أخرج ما قلده من ملكه لله - عز وجل - وجائز أن يقلد بنعل واحدة ، ونعلان أفضل إن شاء الله لمن وجدها .

                                                                                                                        17578 - وكذلك الإشعار أيضا علامة للهدي ، وجائز الإشعار في الجانب الأيمن ، وفي الجانب الأيسر .

                                                                                                                        17579 - وقد روي عن ابن عمر أنه كان ربما فعل هذا ، وربما فعل هذا . إلا أن أكثر أهل العلم يستحبون الإشعار في الجانب الأيمن ; لحديث ابن عباس في ذلك .

                                                                                                                        17580 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني أبو الوليد الطيالسي ، وحفص بن عمر ، قالا : حدثني شعبة ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بذي الحليفة ، ثم دعا ببدنه ، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، ثم سلت الدم عنها ، وقلدها بنعلين " .

                                                                                                                        [ ص: 269 ] 17681 - وممن استحب الإشعار في الجانب الأيمن : الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

                                                                                                                        17582 - وكان مالك يقول : يشعر من الجانب الأيسر . على ما رواه عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                                                                                        17583 - وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                                                                                        17584 - ورواه معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر : أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد أن يحرم .

                                                                                                                        17585 - وقال مجاهد : أشعر من حيث شئت .

                                                                                                                        17586 - وكان أبو حنيفة ينكر الإشعار ويكرهه ، ويقول : إنما كان ذلك قبل النهي عن المثلة .

                                                                                                                        17587 - وهذا الحكم لا دليل عليه إلا التوهم والظن ; ولا تترك السنن بالظنون .

                                                                                                                        17588 - وأما نحره بمنى فهو المنحر عند الجميع في الحج .

                                                                                                                        17589 - وأما تقديمه النحر قبل الحلق فهو الأولى عند الجميع ، وسيأتي في التقديم والتأخير فيما يفعل يوم النحر من عمل الحج وما للعلماء في ذلك من المذاهب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

                                                                                                                        [ ص: 270 ] 17590 - وأما صفه لبدنه فمأخوذ من قول الله ، عز وجل : فاذكروا اسم الله عليها صواف [ الحج : 36 ] . وقد تقدم القول في ذلك .

                                                                                                                        17591 - وأما أكله وإطعامه من الهدي فيدل على أن ذلك كان هدي تطوع قد بلغ محله امتثالا لقول الله ، عز وجل : فكلوا منها وأطعموا [ الحج : 36 ] ، وهذا عند الجميع في الهدي التطوع إذا بلغ محله ، وفي الضحايا ، وسيأتي القول فيما يؤكل من الهدي وما لا يؤكل منه ، ومذاهب العلماء في ذلك في موضعه إن شاء الله .

                                                                                                                        17592 - وأما قوله عند نحره : " بسم الله ، والله أكبر " فلقول الله ، عز وجل : فاذكروا اسم الله عليها [ الحج : 36 ] . ومن أهل العلم من يستحب التكبير مع التسمية كما كان يقول ابن عمر ، وعساه أن يكون امتثل قول الله ، عز وجل : ولتكبروا الله على ما هداكم [ البقرة : 185 ] .

                                                                                                                        17593 - ومنهم من كان يقول : التسمية تجزي ولا يزيد على بسم الله ، وأحب إلي أن يقول : بسم الله ، الله أكبر .

                                                                                                                        17594 - وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في ذبح ضحيته ، وهو قول أكثر أهل العلم .

                                                                                                                        17595 - مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يقول : الهدي ما قلد وأشعر ، ووقف بعرفة .

                                                                                                                        [ ص: 271 ] 17596 - قال أبو عمر : قد تقدم في الحديث قبل هذا عنه أنه كان يسوق هديه حتى يقفه بعرفة مع الناس ثم يدفع به معهم إذا دفعوا ، فإذا قدم منى نحره .

                                                                                                                        17597 - ووقف الهدي بعرفة عند مالك وأصحابه لمن اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل واجب ، لا يجزئ عندهم غير ذلك على قول ابن عمر : الهدي ما قلد وأشعر ووقف به على عرفة .

                                                                                                                        17598 - قال مالك : من اشترى هديه بمكة أو بمنى ونحره ، ولم يخرجه إلى الحل فعليه البدن ; فإن كان صاحب الهدي قد ساقه من الحل استحب له أن يقفه بعرفة ، فإن لم يقفه فلا شيء عليه وحسبه في الهدي أن يجمع بين الحل والحرم .

                                                                                                                        17599 - وقد كان سعيد بن جبير يقول نحو قول ابن عمر : لا يصلح من الهدي إلا ما عرف .

                                                                                                                        17600 - وهو قول مالك .

                                                                                                                        17601 - وأما عائشة فكانت تقول : إن شئت فعرف وإن شئت فلا تعرف .

                                                                                                                        17602 - وروي ذلك عن ابن عباس .

                                                                                                                        17603 - وبه قال الشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأبو ثور .

                                                                                                                        17604 - وقال الشافعي : وقف الهدي بعرفة سنة لمن شاء إذا لم يسقه من الحل .

                                                                                                                        17605 - وقال أبو حنيفة : ليس بسنة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ساق الهدي من الحل ; لأن مسكنه كان خارج الحرم .

                                                                                                                        [ ص: 272 ] 17606 - وقول مالك والشافعي أولى ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساق هديه من الحل . وقد أجمعوا أن التقليد سنة ، فكذلك التعريف لمن لم يأت بهديه من الحل .

                                                                                                                        17607 - وأما حجة مالك في إيجاب ذلك فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدخل هديه من الحل ، وقال : " خذوا عني مناسككم " ، والهدي إذا وجب باتفاق فواجب أن لا يجزئ إلا بمثل ذلك أو سنة توجب غير ذلك ، والفعل منه - صلى الله عليه وسلم - عند المالكيين على الوجوب في مثل هذا .

                                                                                                                        17608 - وقد أجمعوا أن الحاج والمعتمر يجمعان بين الحل والحرم في عمل الحج والعمرة يكن له الهدي .

                                                                                                                        17609 - قالوا : وإنما سمي الهدي هديا ; لأنه يهدي من الحل إلى الحرم كما يهدي من ملك ملكه إلى الله ، عز وجل .

                                                                                                                        17610 - قال أبو عمر : أصحاب الشافعي ومن تابعه يقولون : اسم الهدي مشتق من الهدية ، فإذا أهدي إلى مساكين الحرم فقد أجزأ من أي موضع جاء .

                                                                                                                        17611 - وروى معمر عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إنما الهدي ما قلد ، وأشعر ، ووقف به بعرفة . وأما ما اشتري بمنى فهو جزور .

                                                                                                                        17612 - وعن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبدن .

                                                                                                                        [ ص: 273 ] 17613 - وكان ابن سيرين يكره شراء البدنة إذا لم توقف بعرفة .

                                                                                                                        17614 - وروى الثوري ، وابن عيينة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قال : ما استطعتم فعرفوا به ، وما لم تستطيعوا فاحبسوه ، واعقلوه بمنى .




                                                                                                                        الخدمات العلمية