الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1004 [ ص: 233 ] 960 - قال أبو عمر : وفي هذا الباب :

                                                                                                                        مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ؛ فإنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول الله بإخوانهم ؟ أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ، " فبكى أبو بكر . ثم بكى . ثم قال : أئنا لكائنون بعدك " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        20166 - قال أبو عمر : هذا حديث منقطع ، لم يختلف عن مالك في انقطاعه .

                                                                                                                        20167 - وقد روي معناه مسندا متصلا من وجوه من حديث عقبة بن عامر وحديث جابر ، وحديث أنس وغيره .

                                                                                                                        20168 - منها : حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما ، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : " أنا فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض وإني - والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .

                                                                                                                        20169 - ذكره البخاري ، قال : حدثنا عمرو بن خالد ، قال : حدثنا الليث ، [ ص: 234 ] فذكره .

                                                                                                                        20170 - قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لشهداء أحد هؤلاء ، أشهد عليهم " ، يقول : " أنا أشهد لهم " ، وقد تكون بمعنى لهم في لسان العرب ، ويكون لهم بما عليهم أيضا ، يقول : أنا شهيد لهم بأنهم صدقوا بما عاهدوا الله عليه من الإيمان ، والجهاد في سبيله وطاعته وطاعة رسوله ، حتى ماتوا على ذلك ، ومن كانت هذه حالته ، فقد وعده الله الجنة ، والله لا يخلف الميعاد .

                                                                                                                        20171 - فهذه شهادة لهم قاطعة بالجنة ، ويعضد هذا قول الله تعالى في الشهداء أنهم - : أحياء عند ربهم يرزقون [ آل عمران : 69 ] .

                                                                                                                        20172 - وفي شهداء أحد نزلت هذه الآية ، والشهادة لهم بالجنة ، ما لا خلاف ، ولا شيء في معانيه ؛ لأنهم ماتوا ذابين عن دين الله ، وعن رسوله بهذه الحالة هي النهاية في الفصل مع السلامة من التبديل والتغيير ، وموبقات الذنوب التي أكثر أسبابها الإفراط في حب الدنيا والمنافسة فيها .

                                                                                                                        20173 - ولشهداء أحد عندنا كل من مات بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدا في غزوة غزاها أو سرية بعثها .

                                                                                                                        [ ص: 235 ] 20174 - وكذلك من مات على فراشه في عصارة إيمانه كعثمان بن مظعون وغيره بمن لم يلبس من الدنيا بما يدنسه .

                                                                                                                        20175 - وأما قوله في حديث مالك : " بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ، فإن الخطاب توجه إلى أبي بكر الصديق ومن كان معه . والمراد به أصحابه وكل من آمن به من الكائنين بعده ، إلا أن أهل بدر والحديبية من شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، فقال : " لن يلج النار أحد شهد بدرا والحديبية " ، ، كما شهد للشهداء الذين استشهدوا بين يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال " أنا شهيد لهؤلاء " .

                                                                                                                        [ ص: 236 ] 20176 - وقد ذهب قوم من جلة العلماء إلى القطع : أن من مات في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشهداء ، مثل : حمزة ، وجعفر ، ومصعب بن عمير ، وسعد بن معاذ ، ومن جرى مجراهم ممن موتهم قبله ، وصلى عليهم ، وشهد بالجنة لهم ، أفضل ممن بقي بعده من أصحابه الذي قال فيهم : ألا لا أدري ما تحدثون بعدي ، وخاف عليهم من الفتنة والميل إلى الدنيا ، ما قد وقع فيه بعضهم .

                                                                                                                        20177 - وقالوا : معنى قول من قال : أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، أو فلان وفلان ، يعني من بقي بعده - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        20178 - وقال جماعة من أهل العلم : أفضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسائر أهل بدر ، والحديبية ، لم يستثنوا من مات في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن بقي بعده .

                                                                                                                        20179 - قال أبو عمر : والذي عندي في هذا الباب مما يصح في التأمل والنظر وصحيح الاعتبار والأثر ما شهد له الكتاب والسنة والأصول المجتمع عليها أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ممن شهد العقبة ، ثم شهد بدرا والحديبية ، أفضل من كل من لم يدرك تلك المشاهد ، ولم يشهدها ؛ لأن هؤلاء من شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفضل ، وقال : " لن يدخل النار من شهد بدرا والحديبية .

                                                                                                                        [ ص: 237 ] 20180 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال :

                                                                                                                        " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
                                                                                                                        " .

                                                                                                                        [ ص: 238 ] 20181 - وحسبك بقول الله - عز وجل - : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا [ الحديد : 10 ] .

                                                                                                                        20182 - وقد مضى القول فيمن مات شهيدا في حياته ، ومن مات ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راض عنه .

                                                                                                                        20183 - وأما الباقون بعده ، فهذه الجملة من القول عامة فيهم مع ثناء الله ( - عز وجل - ) عليهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، وأنهم رضوا عنه ، ورضي عنهم ، وحسبك بهذا .

                                                                                                                        20184 - وأما التعيين فيهم ، وتفضيل بعضهم على بعض ، فهذا لا يصح في نظر ولا اعتبار ، ولا يحيط بذلك إلا الواحد القهار المطلع على النيات الحافظ للأعمال ، إلا من جاء فيه أثر صحيح بأنه في الجنة ، جاز أن يقال فيه ذلك اتباعا للأثر ، لا أنه أفضل من الذين شاركوه في مثل فضله ذلك ، ومن فضله رسول الله [ ص: 239 ] - صلى الله عليه وسلم - بخصلة ، وشهد له بها جاز أن يفضل بها في نفسه ، لا على غيره .

                                                                                                                        20185 - وقد شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجماعة من أصحابه بفضائل وخصائل من الخير كثيرة أثنى بها عليهم ، ووصف كل واحد منهم بخصلة منها ، أفرده بها ، ولم يترك معه غيره فيها .

                                                                                                                        20186 - ولم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح ، تجب الحجة بمثله أنه قال : فلان أفضل من فلان إذا كانا جميعا من أهل السوابق والفضائل ، وذلك من أدبه ، ومحاسن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - ؛ لئلا يومئ للمفضول بغيبة ، ويحطه في نفسه فيحرجه ويخزيه ، ولم يكن ذلك أيضا من دينه ؛ لأنه لم يعلم من غيب أمورهم وحقائق شأنهم ، إلا ما أطلعه الله عليه من ذلك ، وكان لا يقدم بين يدي ربه ، ولو كان ذلك من دينه ، لأفشاه ، إن علمه ، ومن أخذ عليه الميثاق في تعليمه وتبليغه ، فلما لم يفعل ، علمنا أن قول القائل : فلان أفضل من فلان ، باطل ، وليس بدين ولا شريعة .

                                                                                                                        20187 - وقد أجمع علماء المسلمين أن الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب : من أفضل عبادي ، ولا هل فلان أفضل من فلان ، ولا ذلك مما يسأل عنه أحد في القبر ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مدح خصالا ، وحمد أوصافا من اهتدى إليها حاز الفضائل ، وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمره على من لم ينلها ، ومن قصر عنها ، لم يبلغ من الفضل منزلة من ناله .

                                                                                                                        20188 - هذا طريق التفضيل في الظاهر عند السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .

                                                                                                                        [ ص: 240 ] 20189 - قال أبو عمر : ألا ترى الحكام إنما يقضون في التعديل والتجريح عند الشهادات بما يظهر ويغلب ، ولا يقطعون على غيب فيما به من ذلك يقضون ولم يكلفوا إلا العلم الظاهر ، والباطن إلى الله - عز وجل - .

                                                                                                                        20190 - وفي قول الله - عز وجل - : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [ البقرة : 34 ] .

                                                                                                                        20191 - وقوله تعالى : فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي [ طه : 51 ] : ما يعضد ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .

                                                                                                                        20192 - وروى سحنون ، عن ابن القاسم في كتاب الديات من " المدونة " ، قال : سمعت مالكا ، وسئل عن علي وعثمان ، فقال : " ما أدركت أحدا اقتدي به في دين ، يفضل أحدهما على صاحبه .

                                                                                                                        20193 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو بحر بن أبي حنيفة قال : حدثنا أحمد بن زهير بن حرب ، قال : حدثنا عبد السلام بن صالح ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : سمعت مالكا يقول : لا أفضل أحدا من العشرة ، ولا غيرهم ، على صاحبه . وكان يقول : هذا من علم الله الذي لا يعلمه غيره .

                                                                                                                        20193 م - قال : وقال مالك : أدركت شيوخنا بالمدينة ، وهذا رأيهم .

                                                                                                                        20194 - قال أبو عمر : قول مالك هذا يدل على أنه لم يصح عنده حديث نافع ، عن ابن عمر ، كنا نقاتل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيقول : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم يسكت فلا يفضل أحدا وكان أفهم الناس لنافع وأعلمهم بحديثه ، وكان نافع عنده أحد الذين يقتدى بهم في دينه ، فلو كان هذا الحديث [ ص: 241 ] عنده صحيحا من حديث نافع ، عن ابن عمر ما قال قوله هذا .

                                                                                                                        20195 - وهو حديث شاذ ، لا يعضده شيء من الأصول ، وكل حديث لا أصل له ، لا حجة فيه وقد مالت العامة بجهلها إليه ، وهم مجمعون على خلافه بحيث لا يعلمون وقد نقضوه مع قولهم به ؛ لأنهم لا يختلفون في أن عليا في التفضيل رابع الأربعة .

                                                                                                                        20196 - وفي حديثهم عن ابن عمر أنهم لا يفضلون أحدا بعد عثمان ، وأنهم يسكتون بعد الثلاثة عن تفضيل أحد على أحد ، فقد نقضوا ما أبرموا ، والله المستعان على جهل عامة هذا الزمان .

                                                                                                                        20197 - أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن ومحمد بن زكريا ، وعبد الرحمن بن يحيى ، قالوا : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا مروان بن عبد الملك ، قال : سمعت هارون بن إسحاق يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : من قال : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعرف لعلي سابقته وفضله ، فهو صاحب سنة ، ومن قال : أبو بكر وعمر وعلي وعثمان ، وهو عارف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة ، فذكرت له هؤلاء الذين يقولون : أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسكتون ، فتكلم فيهم نبيهم بكلام غليظ .

                                                                                                                        20198 - وكان يحيى بن سعيد يقول : أبو بكر وعمر وعلي وعثمان .

                                                                                                                        20199 - وذكر الزبير بن بكار قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك بن أنس ، قال : ليس من أمر الناس الذين مضوا التفضيل بين الناس .

                                                                                                                        [ ص: 242 ] 20200 - ذكره المغامي ، عن الزبير بن بكار ، عن إسماعيل ، عن مالك في كتابه : " فضائل مالك " .

                                                                                                                        20201 - وقد عورض حديث ابن عمر هذا بحديث عبد الله بن مسعود .

                                                                                                                        20202 - روى شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال " كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب " .

                                                                                                                        20203 - وهذا عندي حديث فيه تصحيف ممن رواه عن شعبة هكذا .

                                                                                                                        20204 - إنما المحفوظ فيه عن ابن مسعود أنه قال : كنا نتحدث أن أمضى أهل المدينة علي بن أبي طالب ، هكذا من القضاء ، لا من الفضل .

                                                                                                                        20205 - وقد عارضوا حديث عمر أيضا بقول حذيفة .

                                                                                                                        20206 - حدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا نفير بن مخلد ، قال : حدثنا أبو بكر بن شيبة ، قال : حدثنا أبو معاوية الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، قال : لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ابن مسعود أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .

                                                                                                                        [ ص: 243 ] 20207 - وهذا إخبار من حذيفة عن جلة الصحابة أنهم يعلمون أن ابن مسعود أقربهم وسيلة عند الله .

                                                                                                                        20208 - وهذه شهادة له بالنهاية في الفضل ، وذلك خلاف قول ابن عمر : كنا نفاضل ، فنقول الحديث .

                                                                                                                        20209 - قال أبو عمر : كل من رد حديث جابر وحديث أبي سعيد الخدري : " كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يقبله لزمه أن يرد قول ابن عمر : " كنا نفاضل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يقبله ، بل قول ابن عمر أولى بالرد ؛ لأنه لا أصل له ، ولبيع أمهات الأولاد حظر من أهل السنة المجتمع عليها .

                                                                                                                        20210 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو الشعب محمد بن أحمد بن جاد الدولابي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار . قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك بن أنس ، قال : ليس من أمر الناس الذي مضوا أن يفاضلوا بين الناس .

                                                                                                                        20211 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : سمعت مصعب بن عبد الله الوليدي ، يقول : لم يكن أحد من مشايخنا الذين أدركت ببلدنا يفضل بين أحد من العشرة ، لا مالك ، ولا غيره .

                                                                                                                        [ ص: 244 ] 20212 - وقال ابن أبي خيثمة : كان أحمد بن إبراهيم الدورقي ، يقول : لا أشهد لأحد بالجنة غير الأنبياء - عليهم السلام .

                                                                                                                        20213 - قال أبو عمر : وقد روي عن مالك - رحمه الله - تقديم الشيخين ؛ أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - من رواية ابن القاسم وغيره .

                                                                                                                        20214 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو بشر الدولابي ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو مصعب ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : سألت مالكا فيما بيني وبينه : من تقدم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أقدم ، أبا بكر وعمر ، قال : ولم يزل على هذا .

                                                                                                                        20215 - قال أبو عمر : جماعة أهل السنة ؟ وهم أهل الفقه والآثار على تقديم أبي بكر وعمر وتولي عثمان وعلي وجماعة أصحاب النبي - عليه السلام - وذكر محاسنهم ، ونشر فضائلهم ، والاستغفار لهم .

                                                                                                                        20216 - وهذا هو الحق الذي لا يجوز عندنا خلافه ، الحمد لله .

                                                                                                                        20217 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسيد ، قال : حدثنا محمد بن مسرور ، قال : حدثنا أحمد بن مغيث قال : حدثنا الحسين بن حسن بن حرب المروزي ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير اليزني حدثه أن عقبة بن عامر الجهني حدثهم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين ، كالمودع للأحياء والأموات ، ثم [ ص: 245 ] طلع على المنبر ، فقال : " إني بين أيديكم فرط ، وأنا عليكم شهيد ، وإن موعدكم الحوض ، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها " .

                                                                                                                        20218 - قال عقبة : فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        20219 - وبهذا الإسناد عن ابن المبارك ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت الحسن يقول : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه إلى بقيع الغرقد ، فقال عليه السلام : " السلام عليكم يا أهل القبور لو تعلمون ما نجاكم الله منه ما هو كائن بعدكم " ، ثم أقبل على أصحابه ، فقال : " هؤلاء خير منكم " ، قالوا : يا رسول الله إخواننا أسلمنا كما أسلموا ، وهاجروا كما هاجرنا ، وجاهدوا كما جاهدنا ، ومضوا على آجالهم ، وبقينا في آجالنا ، فبم تجعلهم خيرا منا ؟ فقال : " إن هؤلاء خرجوا من الدنيا ، ولم يأكلوا من أجورهم شيئا ، وأنا عليهم شهيد ، أو قال : " فأنا الشهيد عليهم ، وإنكم قد أكلتم من أجوركم ، ولا أدري ما تحدثون بعدي .

                                                                                                                        20220 - قال أبو عمر : من معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا أدري ما تحدثون بعدي " ، ما ذكره البخاري قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا محمد بن مطرف ، [ ص: 246 ] قال : حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سهل ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ، قال : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته ، وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني ! ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي .

                                                                                                                        20221 - قال البخاري : وحدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن نافع بن عمر قال : حدثني ابن أبي مليكة ، عن أسماء بنت أبي بكر ( رضي الله عنهما ) ، قالت : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن أمتي ، فيقال : هل تعرف ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم .

                                                                                                                        20222 - فكان ابن أبي مليكة ، يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا .

                                                                                                                        20223 - وروى الزبيدي وغيره ، عن الزهري ، عن محمد بن علي بن حسن ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلؤن عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال :

                                                                                                                        [ ص: 247 ] إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى
                                                                                                                        .

                                                                                                                        20224 - روى يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                                                                                                                        20225 - وقد ذكرنا أحاديث الحوض وهي متواترة ، وتقصيناها بألفاظها وطرقها في باب خبيب بن عبد الرحمن ، من كتاب " التمهيد " ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية