الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1011 [ ص: 276 ] ( 18 ) باب الترغيب في الجهاد

                                                                                                                        967 - ذكر فيه مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن [ ص: 277 ] أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب إلى قباء ، يدخل على أم حرام بنت ملحان ، فتطعمه . وكانت أم حرام تحت عبادة بن [ ص: 278 ] الصامت . فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ، فأطعمته . وجلست تفلي في رأسه . فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما . ثم استيقظ ، وهو يضحك . قالت : فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : " ناس من أمتي ، عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكا على الأسرة . أو مثل الملوك على الأسرة " ، ( يشك إسحاق ) قالت فقلت له : يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلني منهم . فدعا لها . ثم وضع رأسه فنام . ثم استيقظ [ ص: 279 ] يضحك . قالت فقلت له : يا رسول الله ! ما يضحكك ؟ قال : " ناس من أمتي . عرضوا عليه غزاة في سبيل الله ، ملوكا على الأسرة : أو مثل الملوك على الأسرة : كما قال في الأولى . قالت فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " أنت من الأولين قال ، فركبت البحر في زمان معاوية ، فصرعت عن دابتها حين خرجت [ ص: 280 ] من البحر . فهلكت .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        20336 - قال أبو عمر : قال ابن وهب : أم حرام إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، فلذلك كان يقيل عندها ، وينام في حجرها ، وتفلي رأسه .

                                                                                                                        [ ص: 281 ] 20337 - قال أبو عمر : لولا أنها كانت منه ذات محرم ما زارها ولا قام عندها ، والله أعلم .

                                                                                                                        20338 - وقد روي عنه - عليه السلام - من حديث عمر وابن عباس : لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم ، على أنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم ليس كغيره ، ولا يقاس به سواه .

                                                                                                                        20339 - وفي هذا الحديث إباحة أكل ما قدمته المرأة إلى ضيفها في بيتها من مالها ومال زوجها ; لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل .

                                                                                                                        [ ص: 282 ] 20340 - وفيه دليل على أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أن صاحب المال يسر بما يفعله في ماله ، جاز له فعل ذلك .

                                                                                                                        20341 - ومعلوم أن عبادة بن الصامت كان يسره أن يبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ، فلذلك أذنت أم حرام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت زوجها عبادة ، وأطعمته .

                                                                                                                        20342 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يحل لامرأة أن تأذن لرجل في بيتها ، وزوجها غائب كاره " .

                                                                                                                        20343 - وإسناده في " التمهيد " .

                                                                                                                        20344 - وقد اختلف العلماء في عطية المرأة من مال زوجها بغير إذنه ، واختلفت فيه الآثار المرفوعة ، منها .

                                                                                                                        20345 - ما رواه ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : يا نبي الله ! ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير ؛ فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي ؟ قال : " ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك " .

                                                                                                                        20346 - وروى الأعمش ومنصور ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أنفقت المرأة : من بيت زوجها ، غير مفسدة كان لها أجر بما أنفقت ، ولزوجها أجر بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص [ ص: 283 ] بعضهم من أجر بعض شيئا .

                                                                                                                        20347 - وأما الأثر المخالف لغيره فهذه الأحاديث .

                                                                                                                        20348 - أبو أمامة الباهلي ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته : " إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " وفيه : " لا تنقق امرأة من بيت زوجها ، إلا بإذن زوجها . قيل : يا رسول الله ! ولا الطعام ؟ قال : " ذلك أفضل أموالنا " .

                                                                                                                        [ ص: 284 ] 20349 - ومن أجاز للصديق الأكل من مال صديقه بغير إذنه ، وتأول قول الله - عز وجل - : أو صديقكم [ النور : 61 ] ، فإنما أباح منه ما لا يتشاح الناس فيه ، وما تسخو النفوس به للإخوان في الأغلب .

                                                                                                                        20350 - وأما " ثبج البحر " ، فهو ظهر البحر .

                                                                                                                        20351 - وكذلك روى هذا الحديث يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أنس بن مالك ، عن أم حرام ، قالت : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلا في بيتي ، استيقظ وهو يضحك فقلت : مم تضحك ؟ قال : " عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة . . . " الحديث .

                                                                                                                        20352 - وإنما ضحكه عندما استيقظ ، فإنما ذلك سرورا منه مما يدخله الله على أمته من الأجر بأعمال البر .

                                                                                                                        20353 - وإنما رآهم على الأسرة في الجنة .

                                                                                                                        20354 - ورؤياه ورؤيا الأنبياء وحي .

                                                                                                                        20355 - ويشهد لذلك قول الله تعالى في أهل الجنة على الأرائك متكئون [ يس : 56 ]

                                                                                                                        20356 - وقوله : " أو مثل الملوك على الأسرة " شك من المحدث .

                                                                                                                        20357 - وقد رواه يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أنس ، عن أم حرام ، فقال فيه : مثل الملوك على الأسرة ، من غير شك .

                                                                                                                        20358 - وهذا الخبر إنما ورد تنبيها على فضل الغزو في البحر ، وفيه إباحة [ ص: 285 ] النساء للجهاد .

                                                                                                                        20359 - وقد قالت أم عطية : كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنداوي الجرح ونمرض المرضى ، وكان يرضخ لنا من الغنيمة .

                                                                                                                        20360 - اختلف الفقهاء في الإسهام للنساء من الغنيمة .

                                                                                                                        20361 - فقال ابن وهب : سألت مالكا عن النساء ، هل يحذين من المغانم في الغزو ؟ قال : ما علمت ذلك .

                                                                                                                        20362 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والليث ، والشافعي : لا سهم لامرأة ويرضخ لها .

                                                                                                                        20363 - وقال الأوزاعي : يسهم لها ، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للنساء بخيبر .

                                                                                                                        20364 - قال الأوزاعي : وأخذ بذلك المسلمون عندنا .

                                                                                                                        20365 - قال أبو عمر : أحسن شيء في هذا الباب ما كتب به ابن عباس إلى نجدة الخارجي : أن النساء كن يحضرن ، فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة ، [ ص: 286 ] ولم يضرب فيه بسهم .

                                                                                                                        20366 - وفيه : إباحة ركوب البحر للنساء ، وكان مالك يكره للمرأة الحج في البحر ، وهو في الجهاد ، كذلك أكره .

                                                                                                                        20367 - قال أبو عمر : إنما كره ذلك مالك ؛ لأن المرأة لا تكاد تغض بصرها عن الراكبين فيه ، عن الملاحين وغيرهم ، وهم لا يستترون في كثير من الأوقات .

                                                                                                                        20368 - وكذلك لا تقدر كل امرأة عند حاجة الإنسان على الاستتار في المركب في الرجال ، ونظرها إلى عورات الرجال ، ونظرهم إليها حرام ، فلم ير استباحة فضيلة بمدافعة ما حرم الله تعالى .

                                                                                                                        20369 - وكانت أم حرام مع زوجها ، وكان الناس خلاف ما هم عليه اليوم ، والله أعلم .

                                                                                                                        20370 - وفيه : دليل على جواز ركوب البحر للحج ، لأنه إذا ركب للجهاد ، [ ص: 287 ] فركوبه للحج أولى إذا كان في أداء فريضة الحج .

                                                                                                                        20371 - ذكر مالك أن عمر بن الخطاب - كان يمنع الناس من ركوب البحر طول حياته ، فلما مات استأذن معاوية عثمان في ركوبه ، فأذن له ، فلم يزل حتى كان زمان عمر بن عبد العزيز ، فمنع الناس من ركوبه في أيامه ، ثم ركب بعد إلى الآن .

                                                                                                                        20372 - هذا لما كان من العمرين - رحمة الله عليهما - في التجارة وطلب الدنيا ، والاستعداد من المال والتكاثر معرضين عن الآخرة ، وعن جهاد الغزو في البحر ، فأما ما كان في أداء فريضة الله ، فلا .

                                                                                                                        20373 - قد وردت السنة بإباحة ركوب البحر للجهاد في حديث أنس وغيره ، وهي الحجة ، وفيها الأسوة .

                                                                                                                        20374 - واتفق العلماء أن البحر لا يجوز لأحد ركوبه في حين ارتجاجه .

                                                                                                                        20375 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن ليث بن أبي سليم ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : " لا يسلني الله عن جيش ركبوا البحر أبدا " يعني التغرير .

                                                                                                                        20376 - وفي : التحري بالإتيان بألفاظ النبي - عليه السلام .

                                                                                                                        20377 - وقد ذهب إلى هنا جماعة ، ورخص آخرون في الإتيان بالمعاني [ ص: 288 ] وإن خالفوا في الألفاظ .

                                                                                                                        20378 - وفيه : أن الجهاد تحت راية كل إمام ، عادل أو جائر ، ماض إلى يوم القيامة ، لأنه قد رأى الآخرين ملوكا على الأسرة . كما رأى الأولين ، ولا نهاية للآخرين إلى قيام الساعة .

                                                                                                                        20379 - قال الله - عز وجل - : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ الواقعة : 39 - 40 ] .

                                                                                                                        20380 - وهذا على الآية .

                                                                                                                        20381 - وفيه فضل لمعاوية إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين .

                                                                                                                        20382 - وإنما قلنا في الحديث دليل على ركوب البحر للجهاد وغيره للرجال والنساء ، لاستيقاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يضحك فرحا بذلك ، فدل على جوازه وإباحته وفضله ، وجعلنا المباح فيما ركب فيه البحر قياسا على الغزو فيه .

                                                                                                                        20383 - ويحتمل بدليل هذا الحديث أن يكون الموت في سبيل الله والقتل سواء في الفضل ، لأن أم حرام لم تقتل ، وإنما ماتت من صرعة دابتها .

                                                                                                                        20384 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الآثار الشواهد في هذا المعنى واختلافها في ذلك .

                                                                                                                        20385 - فمنها ما ذكره ابن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا [ ص: 289 ] المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن عمرو قال ؟ قال رجل : يا رسول الله ! أي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأريق دمه .

                                                                                                                        20386 - وذكر أبو داود قال : حدثنا محمد بن بكار ، قال : حدثنا مروان ، قال : حدثنا هلال بن ميمون الرملي ، عن يعلى بن شداد ، عن أم حرام ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد ، والغرق له أجر شهيدين .

                                                                                                                        20387 - والآثار في الوجهين جميعا كثيرة ، قد ذكرنا كثيرا منها في " التمهيد " .

                                                                                                                        20388 - وقد سوى الله تعالى في كتابه بين المقتول والميت في سبيل الله : والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا الآية [ الحج : 58 ] ، فركبت أم حرام ، البحر في زمن معاوية ، ولم يختلف أهل السير أنها غزاة معاوية هذه ، وقد غزا معه عبادة ، وزوجته أم حرام ، كانت في خلافة عثمان ، لا في زمان معاوية .

                                                                                                                        20389 - قال الزبير بن أبي بكر : ركب معاوية البحر غازيا بالمسلمين في [ ص: 290 ] خلافة عثمان ، لا في أيام معاوية .

                                                                                                                        20390 - قال الزبير بن أبي بكر : ركب معاوية البحر غازيا . بالمسلمين في خلافة عثمان إلى قبرس ، ومعه أم حرام زوج عبادة مع زوجها عبادة ، فركبت بغلتها حين خرجت من السفينة ، فصرعت فماتت .

                                                                                                                        20391 - وذكر خليفة ، عن ابن الكلبي قال : في سنة ثمان وعشرين غزا معاوية بن أبي سفيان في البحر ، ومعه امرأته فاختة بنت قرظة من بني عبد مناف ، ومعه عبادة بن الصامت ، وامرأته أم حرام بنت ملحان الأنصارية ، فأتى قبرس ، فتوفيت أم حرام ، وقبرها .




                                                                                                                        الخدمات العلمية