الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة

جزء

1130 1082 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أنه كان يقول : ينهى أن تنكح المرأة على عمتها . أو على خالتها . وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره .

التالي السابق

الشرح

23927 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : أَمَّا نِكَاحُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا ، أَوْ عَلَى خَالَتِهَا ، فَقَدْ [ ص: 177 ] مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .

23928 - وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَإِنْ وَطِئَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ .

23929 - وَمَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ " .

[ ص: 178 ] 23930 - وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً حَامِلًا مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ ، قَالَ : لَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يُلِمَّ بِهَا ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ ; أَيُوَرِّثُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ أَوْ يَسْتَعْبِدُهُ ، وَهُوَ قَدْ غَذَّاهُ فِي سَمْعِهِ ، وَبَصَرِهِ .

23931 - وَرَوى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ ، وَنَادَى مُنَادِيهِ بِذَلِكَ : لَا تَوْطَئُوا حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ ، وَلَا غَيْرَ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً .

23932 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ بِمِلْكِ يَمِينٍ ، وَلَا نِكَاحٍ ، وَلَا غَيْرَ حَامِلٍ حَتَّى يَعْلَمَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ .

23933 - وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَطِئَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ ، مَا حُكْمُ ذَلِكَ الْجَنِينِ ؟ .

23934 - فَذَهَبَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنْ لَا يُعْتَقَ ذَلِكَ الْجَنِينُ .

23935 - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ : يُعْتَقُ . وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ سَلَفٌ [ ص: 179 ] مِنَ التَّابِعِينَ .

23936 - وَالْقَوْلُ بِأَنْ لَا يُعْتَقَ أَوْلَى فِي النَّظَرِ ; لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَيْسَتْ هَذِهِ طَرِيقَهَا ، وَلَا أَصْلَ يُوجِبُ عِتْقَهُ ، فَيُسَلَّمُ لَهُ ، وَأَلْزَمَهُ يَدَيْهِ حَتَّى يَجِبَ فِيهَا الْوَاجِبُ بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا أَصْلَ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

23927 - قال أبو عمر : أما نكاح المرأة على عمتها ، أو على خالتها ، فقد [ ص: 177 ] مضى القول فيه ، والحمد لله .

23928 - وأما قوله : وإن وطئ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره .

23929 - ومروي عن النبي - عليه السلام - من حديث رويفع بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يسقي ماءه ولد غيره " .

[ ص: 178 ] 23930 - ومن حديث أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى امرأة حاملا من سبي خيبر ، قال : لعل صاحب هذه أن يلم بها ، لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره ; أيورثه وليس منه أو يستعبده ، وهو قد غذاه في سمعه ، وبصره .

23931 - وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في غزوة أوطاس ، ونادى مناديه بذلك : لا توطئوا حاملا حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة .

23932 - قال أبو عمر : لا خلاف بين العلماء - قديما ولا حديثا - أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملا من غيره بملك يمين ، ولا نكاح ، ولا غير حامل حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره .

23933 - واختلفوا فيمن وطئ حاملا من غيره ، ما حكم ذلك الجنين ؟ .

23934 - فذهب مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة إلى أن لا يعتق ذلك الجنين .

23935 - وقال الأوزاعي ، والليث : يعتق . ولكل قول من هذين القولين سلف [ ص: 179 ] من التابعين .

23936 - والقول بأن لا يعتق أولى في النظر ; لأن العقوبات ليست هذه طريقها ، ولا أصل يوجب عتقه ، فيسلم له ، وألزمه يديه حتى يجب فيها الواجب بدليل لا معارض له ولا أصل ، وبالله التوفيق .