الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        25627 - قال مالك في قول الله تبارك وتعالى : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته . ثم يجمع على إمساكها وإصابتها . فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة . وإن طلقها ، ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها ، فلا كفارة عليه .

                                                                                                                        [ ص: 129 ] قال مالك : فإن تزوجها بعد ذلك ، لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        25628 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في معنى قول الله تعالى : 4 ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] ، فقالوا في معنى العودة أقوالا منها :

                                                                                                                        25629 - قال مالك : إنه الإجماع على الإمساك ، والإصابة ، هذا قوله في موطئه وغيره .

                                                                                                                        25630 - وقال ابن القاسم في المدونة : إنما تجب عليه كفارة الظهار بالوطء ، فإذا وطئ ، فقد وجبت عليه الكفارة ، وما لم يطأ ، فهي غير واجبة إن طلقها ، أو مات أو ماتت .

                                                                                                                        25631 - وهذا إنما هو من قوله فيمن ظاهر ، ثم طلق ، أو ماتت أنه لا كفارة عليه ، إلا أن يكون وطئها .

                                                                                                                        25632 - وقال مالك في الرجل يقول للمرأة : إن تزوجتك ، فأنت علي كظهر أمي ، ثم يتزوجها ، فيموت ، أو يطلقها أنه لا كفارة عليه ، ولا شيء .

                                                                                                                        25633 - قال أبو عمر : معلوم أنه إذا تزوجها ، وقد كان ظاهر منها إن [ ص: 130 ] تزوجها أنه قد أجمع على إصابتها ، فكيف لا تجب عليه الكفارة ؟ .

                                                                                                                        25634 - وقد خالفه ابن نافع ; فأوجب عليه الكفارة في ذلك ، وهذا أصل قول مالك .

                                                                                                                        25635 - وأما قول ابن القاسم : إن الكفارة لا تجب إذا مات ، أو ماتت ، فقول صحيح أيضا ، أنه إذا مات أو ماتت كانت إرادة الوطء كلا إرادة ; لما وقع فيها من الامتناع ، والاختلاف بين ابن القاسم وما رواه أشهب إنما هو في وجوب الكفارة إن ماتت أو مات بعد أن عزم على إمساكها وكذلك إن طلقها .

                                                                                                                        25636 - وذكر ابن نافع ، عن مالك ما في الموطإ ، ثم قال ابن نافع : الكفارة واجبة عليه أيضا إذا أجمع على إمساكها طلق أم لم يطلق .

                                                                                                                        25637 - وقد روي عن طاوس ، ومجاهد ، وأبي بكر بن حزم مثل قول ابن القاسم أن العود بالوطء ، ومعناه : إرادة الوطء كما قلنا - والله أعلم - لقوله في الكفارة : من قبل أن يتماسا ، وهو الجماع .

                                                                                                                        25638 - وقال الشافعي : أحسن ما سمعت في قول الله تعالى : ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] أن يعود لما حرم الله منها ، فيمسكه ، فيكون إحلال ما حرم ، وذلك بأن لا يطلقها ، فإن أمسكها ساعة ، يمكنه فيها طلاقها ، فلم يفعل بعد أن ظاهر منها ، فقد عاد لما قال : ووجبت عليه الكفارة ماتت أو مات .

                                                                                                                        [ ص: 131 ] 25639 - وقال الثوري : إذا ظاهر من امرأته لم تحل له إلا بعد الكفارة ، فإن طلقها ، ثم تزوجها لم يطأها حتى يكفر .

                                                                                                                        25640 - وقال يزيد بن هارون : سمعت سفيان الثوري يقول في قول الله عز وجل : ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] قال : الجماع .

                                                                                                                        25641 - وقال معمر ، عن قتادة في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] قالوا : يحرمها ، ثم يعود لوطئها .

                                                                                                                        [ ص: 132 ] 25642 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والليث بن سعد : الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة .

                                                                                                                        25643 - ومعنى العود عندهم ألا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها .

                                                                                                                        25644 - وعن أبي حنيفة أن نفس القول هو العود ، أي عاد إلى القول الذي يقال في الجاهلية ، فجعله منكرا وزورا .

                                                                                                                        25645 - وقال غيره قوله .

                                                                                                                        25646 - وروى بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف أنه لو وطئها ، ثم مات أحدهما لم تكن عليه كفارة ، ولا كفارة بعد الجماع .

                                                                                                                        25647 - وقال الحسن بن حي : إن أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة وإن أراد تركها بعد ذلك ; لأن العود : الإجماع على مجامعتها .

                                                                                                                        25648 - وقال عثمان البتي : من ظاهر من امرأته ، ثم طلقها قبل أن يطأها ، فعليه الكفارة راجعها أو لم يراجعها ، وإن ماتت لم يصل إلى ميراثها حتى يكفر .

                                                                                                                        25649 - وقال أحمد بن حنبل في معنى العود في الظهار : هو أنه إذا أراد أن يغشى كفر .

                                                                                                                        25650 - وقال يحيى بن زياد الفراء ، وداود بن علي ، وفرقة من أهل [ ص: 133 ] الكلام : هو أن يعود إلى القول مرة أخرى ، فإن فعل ذلك لزمته الكفارة ، ولا يلزمه [ ص: 134 ] عندهم : بقوله : أنت علي كظهر أمي شيء حتى يعود ، فيقول ذلك مرة أخرى ، فإذا قال ذلك مرتين لزمته الكفارة .

                                                                                                                        25651 - وروي ذلك عن بكير بن الأشج .

                                                                                                                        25652 - وقد روي عن الفراء أنه قال : اللام في قوله تعالى : ثم يعودون لما قالوا [ ص: 135 ] [ المجادلة : 3 ] يعني عن ، والمعنى : ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء .

                                                                                                                        25653 - وقال الزجاج : المعنى ثم يعاودون الجماع من أجل ما قالوا - يعني إلى إرادة الجماع .

                                                                                                                        [ ص: 136 ] 25654 - قال أبو عمر : الآثار المرفوعة كلها في ظهار أوس بن الصامت من امرأته - خولة التي فيها نزلت آية الظهار ، وحديث سلمة بن صخر ، وحديث ابن عباس ، وأبي هريرة أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها وأمره النبي - عليه السلام - ألا يعود حتى يكفر ، ليس في شيء منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمظاهر : هل قلت ذلك مرتين ؟ أو هل عدت لما قلت ، فقلته مرة أخرى ؟ ولو كان ذلك واجبا لم يكتمه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

                                                                                                                        25655 - وأما قوله : وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكه لآخر كلامه حتى يكفر كفارة المظاهر ، فإن الفقهاء اختلفوا فيمن ظاهر ، ثم أتبع ظهاره الطلاق :

                                                                                                                        2556 - فقول مالك ما ذكره في موطئه ، وذكرناه عنه هاهنا .

                                                                                                                        [ ص: 137 ] 25657 - وقال الشافعي : إذا ظاهر من امرأته ، ثم أتبعها الطلاق مكانه سقط الظهار عنه ; لأنه ليس بعائد ، فإن لم يفعل فإنه عائد ، والكفارة عليه ، وسواء طلقها بعد أو لم يطلق ، فإن كان طلاقه لها رجعيا وراجعها في العدة فعليه الكفارة ، فإن نكحها بعد العدة لم تكن عليه كفارة كما لو طلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج لم تكن عليه كفارة .

                                                                                                                        25658 - وهو قول أحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        25659 - وقال مالك : إن طلقها دون الثلاث ، ثم راجعها في العدة ، أو بعدها ، فعليه الكفارة .

                                                                                                                        25660 - وقد قاله الشافعي أيضا .

                                                                                                                        25661 - واختار المزني ما تقدم من قوله .

                                                                                                                        25662 - وقال عثمان البتي : عليه الكفارة أبدا راجعها أو لم يراجعها ، تراخى طلاقه أو نسقه بالظهار .

                                                                                                                        25663 - وقال محمد بن الحسن : الظهار راجع عليه إن نكحها بعد الثلاث ، وبعد الزوج .

                                                                                                                        [ ص: 138 ] 25664 - قال أبو عمر : أجمعوا أنه إن أفطر في الشهرين المتتابعين متعمدا بوطء أو بأكل أو بشرب من غير عذر استأنف صيامهما .

                                                                                                                        25665 - واختلفوا إذا وطئ ليلا في صيام الشهرين .

                                                                                                                        25666 - فعند الشافعي : لا شيء عليه .

                                                                                                                        25667 - وهو قول مالك والليث وغيرهما .

                                                                                                                        25668 - واختلفوا فيه لو وطئ وقد أطعم ثلاثين مسكينا :

                                                                                                                        25670 - فقال الشافعي والكوفي يتم الإطعام كما لو وطئ قبل أن يطعم لم يكن عليه إلا طعام واحد .

                                                                                                                        25671 - وقال مالك والأوزاعي والليث : يستأنف إطعام ستين مسكينا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية