الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1450 1417 - مالك عن يزيد عن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن أبي أمية ; أن امرأة هلك عنها زوجها ، فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ، ثم تزوجت حين حلت . فمكثت مع زوجها أربعة أشهر ونصف شهر ، ثم ولدت ولدا تاما ، فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب ، فذكر ذلك له ، فدعا عمر نسوة من نساء الجاهلية ، قدماء ، فسألهن عن ذلك فقالت امرأة منهن : أنا أخبرك عن هذه المرأة ، هلك عنها زوجها حين حملت منه ، فأهريقت عليه الدماء ، [ ص: 178 ] فحش ولدها في بطنها ، فلما أصابها زوجها الذي نكحها ، وأصاب الولد الماء ، تحرك الولد في بطنها وكبر ، فصدقها عمر بن الخطاب ، وفرق بينهما ، وقال عمر : أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خير ، وألحق الولد بالأول .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        32310 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في الأربعة الأشهر والعشر ليال التي جعلها الله تعالى ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها ، هل تحتاج فيها إلى حيضة أم لا ؟

                                                                                                                        32311 - فقال بعضهم : لا تبرأ إذا كانت ممن توطأ إلا بحيضة تأتي بها في الأربعة الأشهر والعشر ، وإلا فهي مسترابة .

                                                                                                                        32312 - وقال آخرون : ليس عليها أكثر من أربعة أشهر وعشر ، إلا أن تستريب نفسها ريبة بينة ; لأن هذه المدة لا بد فيها من الحيض في الأغلب من أمر النساء ، إلا أن تكون المرأة لا تحيض ، أو ممن عرفت من نفسها ، أو عرف منها أن حيضتها لا تأتيها إلا في أكثر من هذه المدة .

                                                                                                                        32313 - وقد ذكرنا حكم المسترابة وما للعلماء فيها من المذاهب في كتاب الطلاق ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        32314 - وقد أجمع علماء المسلمين بأن الولد لا يلحق إلا في تمام ستة أشهر من يوم النكاح ، فما زاد إلى أقصى مدة الحمل على اختلافهم فيها .

                                                                                                                        32315 - فمالك يجعله خمس سنين .

                                                                                                                        32316 - ومن أصحابه من يجعله إلى سبع سنين .

                                                                                                                        [ ص: 179 ] 32317 - والشافعي مدته عنده الغاية فيها أربعة سنين .

                                                                                                                        32318 - والكوفيون يقولون : سنتان لا غير .

                                                                                                                        32319 - ومحمد بن عبد الحكم يقول : سنة ، لا أكثر .

                                                                                                                        32320 - وداود يقول : تسعة أشهر ، لا يكون عنده حمل أكثر منها .

                                                                                                                        32321 - وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد ، والرد إلى ما عرف من أمر النساء ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        32322 - وإذا أتت المرأة بولد لأقل من ستة أشهر كاملة ، لم يلحق بإجماع من العلماء .

                                                                                                                        32323 - واختلفوا في المرأة يطلقها زوجها في حين العقد عليها بحضرة الحاكم ، أو الشهود ، فتأتي بولد لستة أشهر ، فصاعدا من ذلك الوقت عقيب العقد :

                                                                                                                        32324 - فقال مالك ، والشافعي : لا يلحق به ; لأنها ليست بفراش له إذ لم يمكنه الوطء ، ولا تكون المرأة فراشا بالعقد المجرد حتى ينضم إليه إمكان الوطء في العصمة وهو كالصغير أو الصغيرة الذي لا يمكن للواحد منهما الوطء .

                                                                                                                        32325 - وقال أبو حنيفة : هي فراش له ، ويلحقه ولدها إن جاءت به لستة أشهر من يوم العقد ، كأنه جعل الفراش ، ولحوق الولد به تعبدا ، كما رأى رجل رجلا يطأ امرأته ، أو سريته ، أو قامت بذلك البينة ، وجاءت بولد لحقه دون الزاني بها إذا كان يطؤها قبل أو بعد .

                                                                                                                        [ ص: 180 ] 32326 - قال أبو عمر : ذكر الطحاوي هذا القول عن أبي حنيفة ، واحتج له بقوله : كما لو رأى رجل رجلا يطأ امرأته ، وجاءت بولد ألحق به دون الزاني إذا كان يطؤها قبل أو بعد .

                                                                                                                        32327 - وإنما احتج له بذلك ; لأنه إجماع عنده ، لم يعلم فيه خلافا ; لأنه إذا اشترك الزنا ، والفراش في وقت واحد ، فالولد للفراش عند جمهور العلماء من السلف والخلف ، إلا أن ابن القاسم قال : إذا قال : رأيتها اليوم تزني ، ووطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ، ولم أستبرئ ، ولم أر بعد الرؤية لاعن ، ولم يلحق به ولده إن أتت به لستة أشهر أو أكثر ، وإنما يلحق به الولد إذا أتت به لأقل من ستة أشهر .

                                                                                                                        32328 - وهذا القول قد غلب فيه الزنا على الفراش ، ولم يقله أحد علمته قبله ، وهو قول لا أصل له ، وقد ذكر أن مالكا قاله مرة ، ثم رجع عنه .

                                                                                                                        32329 - وقد روي عن المغيرة نحو قول ابن القاسم .

                                                                                                                        32330 - وقال أشهب ، وابن عبد الحكم ، وابن الماجشون : الولد لاحق بالزوج على كل حال إذا أقر بوطئها ، ولم يستبرئ ، ورآها تزني ، وهذا هو الصحيح ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر فنفى الولد عنه الاشتراك والإمكان عن العاهر وألزمه بالفراش على كل حال إذا أمكن أن يكون للفراش .

                                                                                                                        32331 - وقد أجمعوا أنه لو رآها تزني ، ثم وطئها في يوم الزنا ، أو [ ص: 181 ] بعده أن الولد لاحق به ، لا ينفيه بلعان أبدا ، وحسبك بهذا ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية