الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1484 1455 - مالك عن نافع ; أن رجلا وجد لقطة ، فجاء إلى عبد الله بن عمر ، فقال له : إني وجدت لقطة ، فماذا ترى فيها ؟ فقال له عبد الله بن عمر : عرفها ، قال : قد فعلت ، قال : زد ، قال : قد فعلت ، فقال عبد الله : لا آمرك أن تأكلها ، ولو شئت ، لم تأخذها .

                                                                                                                        [ ص: 332 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 332 ] 33055 - وقد روي عن ابن عمر أنه كره أخذها .

                                                                                                                        33056 - ورأى آخرون أخذها ، وتعريفها ، وكرهوا تركها ، منهم سعيد بن المسيب .

                                                                                                                        33057 - وبه قال الحسن بن حي ، والشافعي فقال : لا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينا عليها .

                                                                                                                        33058 - قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .

                                                                                                                        33059 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : من وجد لقطة ، أو ضالة كان الأفضل له أخذها ، وتعريفها ، وألا يكون سببا لضياعها .

                                                                                                                        33060 - قال أبو عمر : قد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ضالة الغنم ؟ فقال : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب ، فرد على أخيك ضالته .

                                                                                                                        33061 - وقد روى سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، وربيعة ، عن يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد الجهني ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ، قال : وسأله عن الشاة ، فقال : خذها ، إنما هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب .

                                                                                                                        33062 - وقد ذكرنا الإسناد بهذين الحديثين في التمهيد .

                                                                                                                        [ ص: 333 ] 33063 - وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بأخذ الشاة ويقول : خذها ، ورد على أخيك ضالته .

                                                                                                                        33064 - ومعلوم أن اللقطة مثلها; لأن الشأن فيهما أنه لا يمتنع شيء منهما على من أراده بهلاك أو فساد .

                                                                                                                        33065 - وفي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعريف الضالة الذي سأله عنها ، ولم يقل له : لم أخذتها ؟ وأمره أيضا - صلى الله عليه وسلم - بأخذ الشاة ، ولم يقل في شيء من ذلك - كما قال في الإبل - دعها حتى يأتي بها دليل ، على أن الأفضل أخذها ، وتعريفها ; لأن تركها عون على ضياعها .

                                                                                                                        33066 - ومن الحق أن يحفظ المسلم على المسلم ماله ، ويحوطه بما أمكنه .

                                                                                                                        33067 - ومن قاس اللقطة على الإبل ، فقال : لا تؤخذ ، لم يصب القياس .

                                                                                                                        33068 - وقد اختلف العلماء في اللقطة والضالة ;

                                                                                                                        33069 - فكان أبو عبيد; القاسم بن سلام يفرق بين اللقطة والضالة ، وقال الضالة لا تكون إلا في الحيوان ، واللقطة في غير الحيوان .

                                                                                                                        33070 - قال أبو عبيد : إنما الضوال ما ضل بنفسه ، وكان يقول : لا ينبغي لأحد أن يدع اللقطة ، ولا يجوز له أخذ الضالة .

                                                                                                                        [ ص: 334 ] ويحتج بحديث الجارود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ضالة المؤمن حرق النار .

                                                                                                                        33071 - وبحديث جرير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يأوي الضالة إلا ضال .

                                                                                                                        33072 - وقال غيره من أهل العلم : اللقطة والضالة سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء .

                                                                                                                        33073 - وممن ذهب إلى هذا أبو جعفر الطحاوي وأنكر قول أبي عبيد : الضالة ما ضل بنفسه ، وقال : هذا غلط ; لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك قوله للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها ، فأطلق ذلك على القلادة .

                                                                                                                        [ ص: 335 ] 33074 - وقال في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ضالة المؤمن حرق النار ، إنما قال ذلك ; لأنهم أرادوها للركوب والانتفاع ، لا للحفظ على صاحبها .

                                                                                                                        33075 - وذلك بين في رواية مطرف بن الشخير ، عن أبيه ، فذكره وذكر حديث زيد بن خالد الجهني ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها .

                                                                                                                        33076 - وقد ذكرنا إسناد كل حديث منها في التمهيد .

                                                                                                                        33077 - قال أبو عمر : في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الغنم : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب وفي ضالة الإبل : ما لك ولها ، معها حذاؤها وسقاؤها .

                                                                                                                        33078 - الحديث دليل واضح على أن العلة في ذلك خوف التلف ، والذهاب ، لا جنس الواهب ، فلا فرق بين ما ضل بنفسه ، وما لم يضل بنفسه ، ولا بين الحيوان وغيره ; لأن المراد من ذلك كله حفظه على صاحبه ، وخوف ذهابه عنه ، وإنما خص الإبل ; لأنها إذا تركها واجدها ، ولم يعرض لها وجدها صاحبها سالمة عند طلبه لها ، وبحثه عنها ; لأن الذئب لا يخاف عليها في الأغلب من أمرها ، وصبرها عن الماء فوق صبر غيرها من الحيوان ، والله أعلم بما أراد - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        33079 - واختلف الفقهاء في التافه اليسير الملتقط : هل يعرف حولا كاملا أم لا ؟

                                                                                                                        33080 - فقال مالك : إن كان تافها يسيرا تصدق به قبل الحول .

                                                                                                                        33081 - وقال في مثل المخلاة والحبل والدلو ، وأشباه ذلك إن كان في طريق [ ص: 336 ] وضعه في أقرب الأماكن إليه ليعرف ، وإن كان في مدينة انتفع به ، وعرفه ، ولو تصدق به كان أحب إلي ، فإن جاء صاحبه كان علي حقه .

                                                                                                                        33082 - وقد روى مالك ، وابن القاسم أن اللقطة تعرف سنة ، ولم يفرق بين قليلها وكثيرها .

                                                                                                                        33083 - وروى عيسى ، عن ابن وهب أنه قال : ما قل عن ذلك عرفه أياما ، فإن لم يجد صاحبه تصدق به إن كان غنيا ، وإن كان محتاجا أكله .

                                                                                                                        33084 - وقال الشافعي : يعرف القليل والكثير من ماله بقاء حولا كاملا ، ولا تنطلق يده على شيء منه قبل الحول بصدقة ، ولا غيرها .

                                                                                                                        33085 - فإذا عرفها حولا أكله ، أو تصدق به ، فإذا جاءه صاحبه ، كان غريما في الموت والحياة .

                                                                                                                        33086 - قال : وإن كان طعاما لا يبقى ، فله أن يأكله ، ويغرمه لربه .

                                                                                                                        33087 - وقال المزني : ومما وجد بخطه : أحب إلي أن يبيعه ، ويقيم على تعريفه حولا ، ثم يأكله .

                                                                                                                        33088 - قال المزني : هذا أولى به ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل للملتقط : فشأنك بها إلا بعد السنة ، ولم يفرق بين القليل والكثير .

                                                                                                                        33089 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : ما كان عشرة دراهم فصاعدا عرفه حولا كاملا ، وما كان دون ذلك عرفه على قدر ما يرى .

                                                                                                                        [ ص: 337 ] 33090 - وقال الحسن بن حي كقولهم سواء ، إلا أنه قال : ما كان دون عشرة دراهم عرفه ثلاثة أيام .

                                                                                                                        33091 - وقال الثوري ، في الذي يجد الدرهم : يعرفه أربعة أيام .

                                                                                                                        33092 - رواه عنه أبو نعيم .

                                                                                                                        33093 - واتفق الفقهاء في الأمصار ; مالك والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والليث ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وداود أن يعرف اللقطة سنة كاملة ; له بعد تمام السنة أن يأكلها إن كان فقيرا ، أو يتصدق بها ، فإن جاء صاحبها ، وشاء أن يضمنه كان ذلك له .

                                                                                                                        33094 - وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم عمر ، وابن عمر ، وابن عباس - رضي الله عنهم كلهم - قال : إن تصدق بها ، وجاء صاحبها كان مخيرا بين الأجر ينزل عليهم ، أو الضمان يضمن المتصدق بها إن شاء .

                                                                                                                        33095 - واختلفوا : هل للغني أن يأكلها ، ويستنفقها بعد الحول أم لا ؟

                                                                                                                        فاستحب مالك للغني أن يتصدق بها أو يحبسها ، وإن أكلها ، ثم جاء صاحبها ضمنها .

                                                                                                                        33096 - قال ابن وهب : قلت لمالك : ما قول عمر : فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ؟

                                                                                                                        قال : شأنه يصنع بها ما شاء - إن شاء أمسكها ، وإن شاء تصدق بها ، وإن شاء استنفقها .

                                                                                                                        قال : فإن جاء صاحبها أداها إليه .

                                                                                                                        [ ص: 338 ] 33097 - وقال أبو حنيفة : لا يأكلها الغني ألبتة بعد الحول ، ويتصدق بها على كل حال ، إلا أن يكون ذا حاجة إليها ، وإنما يأكلها الفقير ، فإن جاء صاحبها كان مخيرا على الفقير الأكل وعلى الغني التصدق .

                                                                                                                        33098 - وممن روي عنه أن الملتقط يتصدق بها ، ولا يأكلها : علي ، وابن عباس - رضي الله عنهما - وسعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، وعكرمة ، وطاوس ، والثوري ، والحسن بن حي .

                                                                                                                        33099 - وقال الأوزاعي : إن كان مالا كثيرا جعلها في بيت المال .

                                                                                                                        33100 - وقال الشافعي : يأكل اللقطة الغني والفقير بعد الحول .

                                                                                                                        33101 - وهو تحصيل مذهب مالك ، وأصحابه ، وعليه يناط أصحابه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لواجدها : شأنك بها بعد السنة ، ولم يفرق بين الغني والفقير ، ولا سأله أغني أنت أم فقير ؟

                                                                                                                        33102 - وفي حديث عياض بن حمار : فإن جاء صاحبها ، فهو أحق بها ، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء .

                                                                                                                        33103 - وهذا معناه عند الجميع انطلاق يد الملتقط عليها بعد الحول بما شاء من الأكل لها واستنفاقها ، أو الصدقة بها ، ولكنه يضمنها إن جاء صاحبها بإجماع المسلمين .

                                                                                                                        [ ص: 339 ] 33104 - وممن روي عنه مثل قول مالك ، والشافعي أن الملتقط مخير بعد الحول في أكلها ، أو الصدقة بها - عمر ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وعائشة - رضي الله عنهم .

                                                                                                                        33105 - وهو قول عطاء ، وأحمد ، وإسحاق ، ولم يفرقوا بين غني وفقير .

                                                                                                                        33106 - واختلفوا في دفع اللقطة إلى من جاء بالعلامة دون بينة :

                                                                                                                        33107 - فقال مالك : يستحق بالعلامة .

                                                                                                                        33108 - قال ابن القاسم : ويجبر على دفعها إليه ، فإن جاء مستحق ، فاستحقها ببينة ، لم يضمن الملتقط شيئا من ذلك .

                                                                                                                        33109 - قال مالك : وكذلك اللصوص إذا وجد معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها ، وليست لهم بينة ، أن السلطان يتلوم لهم في ذلك ، فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم ، وكذلك الآبق .

                                                                                                                        33110 - وهو قول الليث بن سعد ، والحسن بن حي في اللقطة أنها تدفع لمن جاء بالعلامة .

                                                                                                                        33111 - وحجة من قال - قوله - صلى الله عليه وسلم - : وعرف عفاصها ووكاءها ، وعدتها - فإن جاء صاحبها يعرفها ، فادفعها إليه .

                                                                                                                        33112 - وهذا نص في موضع الخلاف يوجب طرح ما خالفه .

                                                                                                                        33113 - وبه قال أحمد بن حنبل ، أبو عبيد .

                                                                                                                        33114 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما : لا يستحق إلا ببينة ، ولا يجبر الملتقط لها أن يدفعها إلى من جاء بالعلامة ، ويسعه أن يدفعها إليه فيما بينه وبينه دون قضاء .

                                                                                                                        [ ص: 340 ] 33115 - وذكر المزني ، عن الشافعي قال : فإذا عرف صاحب اللقطة العفاص ، والوكاء ، والعدة ، والوزن وحلاها بحليتها ، ووقع في نفس الملتقط أنه صادق كان له أن يعطيه إياها ، ولا أجبره ; لأنه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها .

                                                                                                                        33116 - قال : ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : اعرف عفاصها ، ووكاءها معها - والله أعلم - لأن يؤدي عفاصها ووكاءها معها ، وليعلم إذا وضعها في ماله أنها لقطة .

                                                                                                                        33117 - وقد يكون استدل بذلك على صدق المعرف ، أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها كلهم ، ونحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحد بغير عينه يمكن أن يكون صادقا .

                                                                                                                        33118 - وقد قال أبو حنيفة : إن كانت اللقطة دنانير ، أو دراهم ، فسمى طالبها وزنها وعددها ، وعفاصها ، ووكاءها دفعها إليه إن شاء ، وأخذه بها كفيلا .

                                                                                                                        33119 - قال أبو عمر : ظاهر الحديث أولى مما قال هؤلاء; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للملتقط : اعرف عفاصها ، ووكاءها ، فإن عرفها صاحبها فادفعها إليه .

                                                                                                                        33120 - هكذا قال حماد بن سلمة وغيره في الحديث ، وقد ذكرناه في التمهيد .

                                                                                                                        33121 - واختلفوا فيمن أخذ لقطة ولم يشهد على نفسه أنه التقطها ، وأنها [ ص: 341 ] عنده ; ليعرفها ، ثم هلكت عنده ، وهو لم يشهد .

                                                                                                                        33122 - فقال مالك ، والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا ضمان عليه إذا هلكت من غير تضييع منه ، وإن كان لم يشهد .

                                                                                                                        33123 - وهو قول عبد الله بن شبرمة .

                                                                                                                        33124 - وقال أبو حنيفة ، وزفر : إن أشهد حين أخذها أنه يأخذها ليعرفها لم يضمنها إن هلكت ، وإن لم يشهد ضمنها .

                                                                                                                        33125 - وحجتهما حديث مطرف بن الشخير عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من التقط لقطة ، فليشهد ذا عدل ، أو ذوي عدل وليعرف ولا يكتم ، ولا يغيب ، فإن جاء صاحبها ، فهو أحق بها ، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء .

                                                                                                                        33126 - رواه شعبة ، عن خالد الحذاء ، قال : سمعت يزيد بن عبد الله بن الشخير يحدث عن أخيه مطرف ، عن عياض بن حمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        33127 - قال أبو عمر : من حجة مالك ، والشافعي ، وأبي يوسف ، ومحمد - إجماع العلماء بأن المغصوبات لو أشهد الغاصب على نفسه أنه غصبها لم يدخلها إشهاده ذلك في حكم الأمانات ، فكذلك ترك الإشهاد على الأمانات ، لا يدخلها في حكم المضمونات .

                                                                                                                        33128 - وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة : إن جاء صاحبها ، وإلا فلتكن وديعة عندك في حديث سليمان بن بلال وغيره على ما ذكرناه في التمهيد .

                                                                                                                        [ ص: 342 ] 33129 - ولا خلاف أن الملتقط أمين ، لا ضمان عليه إلا بما تضمن به الأمانات من التعدي والتضييع ، والاستهلاك .

                                                                                                                        33130 - ومعنى حديث عياض بن حمار عندي - والله أعلم - أن ملتقط اللقطة إذا لم يعرفها ، ولم يسلك بها سنتها من الإشادة ، والإعلان بها ، وغيب وكتم ، ثم قامت عليه البينة أنه وجد لقطة ، وأنه أخذها ، وضمها إلى بينة ، ثم ادعى تلفها ، فإنه لا يصدق ، ويضمن ; لأنه بفعله ذلك فيها خارج عن الأمانة ، فيضمن ، إلا أن يقيم البينة بتلفها .

                                                                                                                        33131 - وأما إذا عرفها ، وأعلن أمرها ، وسلك فيها سنتها من الإشادة في الأسواق ، وأبواب الجوامع ، وشبهها ، وإن لم يشهد فلا ضمان عليه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        33132 - فهذا ما في معنى الحديث في اللقطة .

                                                                                                                        33133 - وأما حكم الضوال من الحيوان ، فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك من وجوه :

                                                                                                                        33134 - فقال مالك في ضالة الغنم : ما قرب من القرى ، فلا يأكلها ، وضمنها إلى أقرب القرى ، لتعرف فيها .

                                                                                                                        33135 - قال : ولا يأكلها واجدها ، ولا من تركت عنده حتى تمر بها سنة كاملة ، أو أكثر .

                                                                                                                        33136 - كذا قال ابن وهب عنه .

                                                                                                                        33137 - قال : وإن كان للشاة صوف ، أو لبن ، ووجد من يشتري ذلك منه [ ص: 343 ] باعه ، ودفع ثمنه لصاحب الشاة إن جاء .

                                                                                                                        33138 - قال مالك : ولا أرى بأسا أن يصيب من نسلها ولبنها بنحو قيامه عليها .

                                                                                                                        33139 - قال : وإن كان تيسا ، فلا بأس أن يتركه ينزو على غنمه ما لم يفسده ذلك .

                                                                                                                        33140 - هذا كله إذا وجد بقرب القرى من الغنم .

                                                                                                                        33141 - وأما ما كان منها في الفلوات ، والمهامه ، فإنه يأخذها ، ويأكلها ، ولا يعرفها ، فإن جاء صاحبها ، فليس له شيء ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب .

                                                                                                                        33142 - قال : والبقر بمنزلة الغنم إذا خيف عليها ، فإن لم يخف عليها السباع فهي بمنزلة الإبل .

                                                                                                                        33143 - وقال الأوزاعي في الشاة إن أكلها واجدها ضمنها لصاحبها .

                                                                                                                        33144 - وقال الشافعي : يأخذ الشاة بالفلاة ، ويعرفها ، فإن لم يجئ صاحبها أكلها ، ثم ضمنها إن جاء .

                                                                                                                        33145 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وسائر العلماء .

                                                                                                                        33146 - قال أبو عمر : اتفق أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق على أن الملتقط للشاة عليه ضمان ما أكل من لبنها وثمن صوفها ، وقيمة نزواته على ضأنه ; لأنه متطوع بقيامه عليها ، لا يستحق عليه شيء .

                                                                                                                        [ ص: 344 ] 33147 - وقال الكوفيون : إلا أن يرفعها إلى السلطان فيعرض ذلك له .

                                                                                                                        33148 - وقال أبو جعفر الطحاوي : لم يوافق مالك أحدا من العلماء على قوله في الشاة إن أكلها واجدها ، لم يضمنها واجدها في الموضع المخوف .

                                                                                                                        33149 - واحتجاجه بقوله - صلى الله عليه وسلم - : هي لك أو لأخيك ، أو للذئب . لا معنى له ; لأن قوله : فهي لك ليس على معنى التمليك ، كما أنه إذا قال : أو للذئب لم يرد به التمليك ; لأن الذئب لا يملك ، وإنما يأكلها على ملك صاحبها فينزل على أجر مصيبتها ، فكذلك الواجد إن أكلها على ملك صاحبها ، فإن جاء ضمنها له .

                                                                                                                        33150 - قال أبو عمر : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الشاة : هي لك أو لأخيك ، أو للذئب ، فرد على أخيك ضالته - دليل على أن الشاة على ملك صاحبها ، فإن أكلها أحد ضمنها .

                                                                                                                        33151 - وقد قال مالك : من اضطر إلى طعام غيره ، فأكله ، فإنه يضمنه ، والشاة الملتقطة أولى بذلك .

                                                                                                                        33152 - وقد أجمع العلماء أن صاحبها إن جاء قبل أن يأكلها الواجد لها أخذها منه ، وكذلك لو ذبحها أخذها منه مذبوحة ، وكذلك لو أكل بعضها أخذ ما وجد منها .

                                                                                                                        33153 - وفي إجماعهم على هذا أوضح الدلائل على ملك صاحبها لها بالفلوات ، وغيرها .

                                                                                                                        [ ص: 345 ] 33154 - ولا فرق بين قوله - صلى الله عليه وسلم - في الشاة : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب ، وبين قوله في اللقطة لواجدها : إذا عرفتها سنة ، ولم يأت صاحبها فشأنك بها ، بل هذا أشبه بالتمليك ; لأنه لم يذكر معه في لفظ التمليك دينا ، ولا غيره .

                                                                                                                        33155 - وقد أجمع علماء المسلمين في اللقطة أن واجدها يغرمها إذا استهلكها بعد الحول إن جاء صاحبها طالبا لها ، فالشاة أولى بذلك قياسا ونظرا .

                                                                                                                        33156 - وقد شبه بعض المتأخرين من أصحابنا الشاة الموجودة بالفلاة بالركاز ، وهذه غفلة شديدة ; لأن الركاز لم يصح عليه ملك لأحد قبل واجده .

                                                                                                                        33157 - والشاة ملك ربها لها صحيح مجتمع عليه ، فلا يزول ملكه عنها إلا بإجماع مثله ، أو سنة ، لا إشكال فيها ، وهذا معدوم في هذه المسألة ، فوجب الضمان فيها .

                                                                                                                        33158 - وقد قال سحنون في المستخرجة : إن أكل الشاة واجدها بالفلاة ، أو تصدق بها ، ثم جاء صاحبها ضمنها له .

                                                                                                                        33159 - وهذا هو الصحيح ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية