الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1492 [ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                        37 - كتاب الوصية

                                                                                                                        ( 1 ) باب الأمر بالوصية

                                                                                                                        1463 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 6 ] قال : ( ( ما حق امرئ مسلم ، له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلتين ، إلا ووصيته عنده مكتوبة ) ) .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        33206 - قال أبو عمر : هكذا قال مالك في هذا الحديث : له شيء يوصي فيه ، وقال بعضهم فيه : عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( لا ينبغي لأحد عنده مال يوصى فيه ، تأتي عليه ليلتان إلا ووصيته عنده ) ) .

                                                                                                                        33207 - وقال فيه الزهري : عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( لا ينبغي لأحد يبيت ثلاثا ، إلا ووصيته مكتوبة عنده ) ) .

                                                                                                                        33208 - وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الحديث في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        [ ص: 7 ] 33209 - وفي هذا الحديث الحض على الوصية ، والتأكيد في ذلك .

                                                                                                                        33210 - وأجمع الجمهور على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين ، أو يكون عنده وديعة ، أو أمانة ، فيوصي بذلك .

                                                                                                                        33211 - وشذ أهل الظاهر ، فأوجبوا الوصية فرضا إذا ترك الرجل مالا كثيرا ، ولم يوقتوا في وجوبها شيئا ، والفرائض لا تكون إلا مؤقتة معلومة ، والله أعلم .

                                                                                                                        33212 - وقد استدل بعض العلماء على أن الوصية غير واجبة بقوله عز وجل في آية الوصية : بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 180 ] ، والمعروف : التطوع بالإحسان ، قالوا : والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من أهل الدين .

                                                                                                                        33213 - واستدل غيره بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص وهذا لا يحتج له; لأن ما تخلفه صلى الله عليه وسلم من شيء تصدق به ، ولم يترك شيئا .

                                                                                                                        33214 - قالت عائشة - رضي الله عنها - : ( ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء ) ) .

                                                                                                                        33215 - وقال صلى الله عليه وسلم ( ( إنا لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) ) .

                                                                                                                        33216 - فأي وصية أعظم من هذه أن تكون تركته كلها صدقة ، لا ميراث فيها ، وإنما ندب إلى الوصية من أمته من ترك مالا يورث عنه .

                                                                                                                        [ ص: 8 ] 33217 - قال الله عز وجل : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] .

                                                                                                                        33218 - وأجمعوا أن الخير المال في قوله عز وجل في آية الوصية إن ترك خيرا . . .

                                                                                                                        33219 - وكذلك قوله في الإنسان : وإنه لحب الخير لشديد [ العاديات : 8 ] ، الخير عندهم هنا المال .

                                                                                                                        33220 - كذلك قوله عز وجل حاكيا عن سليمان عليه السلام : إني أحببت حب الخير [ ص : 32 ] .

                                                                                                                        33221 - [ كذلك قوله حاكيا عن شعيب عليه السلام : إني أراكم بخير [ هود : 84 ] ، قالوا : الغنى .

                                                                                                                        33222 - وقد جاء في مواضع من القرآن ذكر الخير بمعنى المال ، والغنى ، ومن لم يترك دينارا ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، فلم يترك خيرا ، ولا مالا يوصى فيه .

                                                                                                                        33223 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن عبد السلام ، قال : حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثني أبو معاوية ، [ ص: 9 ] قال : حدثني الأعمش ، عن شقيق أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ( ( ما ترك رسول الله دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء ) ) .

                                                                                                                        33224 - وقال ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف ، قال : قلت لابن أبي أوفى : أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ قال : لا . قال : قلت : فكيف أمر الناس بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله عز وجل .

                                                                                                                        33225 - وقد ذكرنا ذلك في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        33226 - واختلف السلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية ، أو [ ص: 10 ] تجب عند من أوجبها .

                                                                                                                        33227 - فروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : ستمائة درهم أو سبعمائة درهم ليست بمال فيه وصية .

                                                                                                                        33228 - وروي عنه أنه قال : ألف درهم مال فيه وصية ، وهذا يحتمل لمن شاء .

                                                                                                                        33229 - وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : من ترك مالا يسيرا ، فليدعه لورثته ، فهو أفضل .

                                                                                                                        33230 - وهذا - والله أعلم - أخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ) ) .

                                                                                                                        33231 - وقال ابن عباس : لا وصية في ثمانمائة درهم .

                                                                                                                        33232 - وقالت عائشة في امرأة لها أربع من الولد ، ولها ثلاثة آلاف درهم : لا وصية في مالها .

                                                                                                                        33233 - وقال إبراهيم النخعي : الخير - يعني في آية الوصية - ألف درهم إلى [ ص: 11 ] خمسمائة .

                                                                                                                        33234 - وعن عائشة أنها قالت : من ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا ، فلا يوص .

                                                                                                                        33235 - وقال قتادة في قوله عز وجل : إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] ، وقال : الخير ألف فما فوقها .

                                                                                                                        33236 - واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها ، مرغوب فيها ، وأنها جائزة لمن أوصى في كل مال ، قل أو كثر ، ما لم يتجاوز الثلث .

                                                                                                                        33237 - وممن قال بهذا : مالك والثوري ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        33238 - وروي ذلك عن جماعة من السلف .

                                                                                                                        33239 - وقد قيل : إن آية الوصية نسختها آية المواريث .

                                                                                                                        33240 - قال ذلك : مالك ، وجماعة من العلماء قبله ، وبعده .

                                                                                                                        33241 - حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني أحمد بن محمد المروزي ، قال : حدثني علي بن [ ص: 12 ] حسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين كانت الوصية كذلك حتى نسختها آية المواريث .

                                                                                                                        33242 - وقد بين ذلك علي بن أبي طلحة في روايته ، عن ابن عباس ، وإن كانت مرسلة فمعناها صحيح في البيان ، لا اختلاف فيه إذ كان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كان للأقربين ، ثم أنزل الله عز وجل : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 11 ] قال : فبين الله عز وجل ميراث الأبوين ، وأمر بوصية الأقربين في ثلث مال الميت .

                                                                                                                        33243 - قال أبو عمر : هكذا قال : ( ( والأقربون الذين تجوز لهم الوصية ليسوا بوارثين ) ) ، وهذا إجماع من علماء المسلمين أنه لا وصية لوارث ، وأن المنسوخ من آية الوصية الوالدان على كل حال إذا كانا على دين ولدهما; لأنهما حينئذ - وارثان لا يحجبان ، وكذلك كل وارث من الأقربين ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ( لا وصية لوارث ) ) .

                                                                                                                        [ ص: 13 ] 33244 - ولو كان الوارث تجب له الوصية لانتقضت قسمة الله لهم فيما ورثهم وصار لهم أكثر مما أعطاهم .

                                                                                                                        33245 - فمن هنا قال العلماء : إن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        33246 - وهذا قول كل من لا يجيز نسخ القرآن بالسنة . وقد قال : لا ينسخ القرآن إلا بالقرآن .

                                                                                                                        33247 - وهو قول الشافعي ، وأصحابه ، وأكثر المالكيين ، وداود ، وسموا السنة بيانا ، لا نسخا .

                                                                                                                        33248 - وأما الكوفيون الذين يجيزون نسخ القرآن بالسنة ، وقالوا : كل من عند الله ، فإنهم قالوا : نسخ الوالدين والأقربين الوارثين من الوصية قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( لا وصية لوارث ) ) .

                                                                                                                        33249 - حدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : أخبرنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم سمعه يقول : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : ( ( إن الله قد أعطى [ ص: 14 ] كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ) ) .

                                                                                                                        33250 - وقد ذكرنا الحديث من طرق عن إسماعيل بن عياش في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        33251 - وحدثني محمد بن عبد الملك ، قال : حدثني ابن الأعرابي ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، قال : حدثني يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن عمرو بن خارجة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم ، وهو على راحلته ، فقال : ( ( إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، فلا تجوز وصية لوارث ) ) .

                                                                                                                        33252 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على القول بأن لا وصية لوارث ، وعلى العمل بذلك قطعا منهم على صحة هذا الحديث ، وتلقيا منهم له بالقبول ، فسقط الكلام في إسناده .

                                                                                                                        33253 - واختلفوا في الوصية للأقربين غير الوارثين ، هل هي واجبة لهم أم لا ؟

                                                                                                                        [ ص: 15 ] 33254 - فقال : الأكثر من العلماء : ليست بواجبة لهم ; لأن أصلها الندب كما وصفنا .

                                                                                                                        33255 - وقالوا : الوصية للأقربين إذا كانوا محتاجين أفضل .

                                                                                                                        33256 - وقال داود ، وأهل الظاهر : الوصية للأقربين غير الوارثين واجبة ; لأنها لم تنسخ ، وإنما انتسخ الوارثون ، والآية عندهم على الإيجاب كما قدمنا عنهم .

                                                                                                                        33257 - واختلفوا فيمن أوصى لغير قرابته ، وترك قرابته الذين لا يرثون :

                                                                                                                        33258 - فقال : طاوس : ترد وصيته على قرابته .

                                                                                                                        33259 - وروي عن الحسن مثله .

                                                                                                                        33260 - وقال الضحاك : من أوصى لغير قرابته ، فقد ختم عمله بمعصية .

                                                                                                                        33261 - وقال سعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد - أبو الشعثاء - : من أوصى لغير قرابته بثلثه رد إلى قرابته من ذلك ثلثا الثلث ، ويمضي لمن أوصى له ثلث الثلث .

                                                                                                                        33262 - وروي مثل هذا عن الحسن أيضا .

                                                                                                                        33263 - وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        [ ص: 16 ] 33264 - وبه قال إسحاق بن راهويه .

                                                                                                                        33265 - وقال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل : من أوصى لغير قرابته ، وترك قرابته محتاجين ، فبئس ما صنع ، وفعله مع ذلك ماض جائز لكل من أوصى له من غني وفقير ، قريب وبعيد ، مسلم وكافر .

                                                                                                                        33266 - وهو معنى ما روي عن عمر ، وعائشة .

                                                                                                                        33267 - وهو قول ابن عمر ، وابن عباس .

                                                                                                                        33268 - وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة .

                                                                                                                        33269 - وروي عن عمر بن الخطاب أنه أوصى لأمهات أولاده .

                                                                                                                        33270 - وعن عائشة أنها أوصت لمولاتها .

                                                                                                                        33271 - وقد روي عن جابر بن زيد أنه سئل عمن أوصى لغير قرابته بثلثه ؟ [ ص: 17 ] فقال : يمضي ، ولو أوصى أن يلقى ثلثه في البحر .

                                                                                                                        33272 - قال ابن سيرين : أما في البحر ، فلا ، ولكن يمضي كما قال .

                                                                                                                        33273 - وقد روي عن الشعبي أنه قال : للرجل ثلثه يطرحه في البحر إن شاء .

                                                                                                                        33274 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ( إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم ) ) .

                                                                                                                        33275 - وقد ذكرنا الإسناد في هذا وعن كل من ذكرنا في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        33276 - واحتج الشافعي - رحمه الله - على من لم يجز الوصية لغير القرابة بحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة أعبد له في مرضه عند موته ، لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

                                                                                                                        [ ص: 18 ] 33277 - فهذه وصية لهم في ثلثه ; لأن أفعال المريض كلها وصية في ثلثه فقد أجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بعتقهم ، وهم - لا محالة - من غير قرابته .

                                                                                                                        33278 - قال أبو عمر : هذا كله فيمن أوصى لغير وارث ، وأما من أوصى لوارث ، فلا تجوز وصيته بإجماع ، وأوصى لغير وارث ، وهو يريد به الوارث ، فقد حاف وجار ، وأتى الجنف والجنف في اللغة الميل ، وهو في الشريعة : الإثم والميل عن الحق .

                                                                                                                        33279 - روى الثوري ، ومعمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : الجنف : أن يوصي لابن ابنته ، وهو يريد ابنته .

                                                                                                                        33280 - حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني عبدة بن عبد الله ، قال : حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثني نصر بن علي الحداني ، قال : حدثني الأشعث بن جابر الحداني قال : حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين ، أو سبعين سنة ، ثم يحضرها الموت ، فيضاران في الوصية ، فتجب لهما النار ) ) ، وقرأ أبو هريرة : من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار [ النساء : 12 ] .

                                                                                                                        [ ص: 19 ] 33281 - وأخبرنا محمد بن خليفة ، قال : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني إبراهيم بن موسى ، قال : حدثني يوسف بن موسى ، قال : حدثني أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الإضرار في الوصية من الكبائر ، ثم قرأ : غير مضار . . [ النساء : 12 ] إلى قوله : تلك حدود الله [ النساء : 13 ] وإلى قوله : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده [ الآية : النساء : 14 ] .

                                                                                                                        33282 - واتفق الجمهور من فقهاء الأمصار على أن الوصية للوارث موقوفة على إجازة الورثة ، فإن أجازها الورثة بعد الموت جازت ، وإن ردوها فهي مردودة .

                                                                                                                        33283 - ولهم في إجازته إذا أجازها الورثة قولان :

                                                                                                                        33284 - ( أحدهما ) : أن إجازتهم لها تنفيذ منهم لما أوصى به الميت ، وحكمها حكم وصية الميت .

                                                                                                                        33285 - ( والأخرى ) : أنها لا تكون وصية أبدا ، وإنما هي من قبل الورثة عطية وهبة للموصى له على حكم العطايا والهبات عندهم .

                                                                                                                        33286 - وقد اختلف أصحاب مالك على هذين القولين أيضا .

                                                                                                                        [ ص: 20 ] 33287 - وحجة من قال : الوصية للوارث جائزة إذا أجازها الورثة ما حدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثني محمد بن الحسن ، قال : حدثني إبراهيم بن الهيثم الناقد ، قال : حدثني أبو معمر القطيعي ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( لا وصية لوارث ، إلا أن يجيزها الورثة ) ) .

                                                                                                                        33288 - وهذا الحديث لا يصح عندهم مسندا ، وإنما هو من قول ابن عباس ، كذلك رواية الثقات له عن ابن جريج ، وإنما رفعه أبو معمر القطيعي ، ولا يصح رفعه .

                                                                                                                        33289 - وقال المزني ، وداود بن علي ، وجماعة أهل الظاهر : لا تجوز الوصية للوارث أجازها الورثة أو لا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( لا وصية لوارث ) ) ولم يقل إلا أن يجيزها الورثة ، وحسبهم أن يعطوه من أموالهم ما شاءوا .

                                                                                                                        33290 - وقال المزني : إنما منع الوارث من الوصية; لئلا يأخذ مال الميت [ ص: 21 ] من وجهين مختلفين .

                                                                                                                        33291 - قال أبو عمر : من حجة من أجاز تجويز الورثة الوصية للوارث اتفاقهم على أنه إن أوصى بأكثر من الثلث ، وأجازه الورثة جاز ، فالوصية للوارث مثل ذلك ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية