الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        33677 - قال مالك : الأمر عندنا ; أن من نحل ابنا له صغيرا ، ذهبا أو ورقا ، ثم هلك ، وهو يليه ، إنه لا شيء للابن من ذلك ، إلا أن يكون الأب عزلها بعينها ، أو دفعها إلى رجل وضعها لابنه عند ذلك الرجل ، فإن فعل ذلك فهو جائز للابن .

                                                                                                                        [ ص: 108 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 108 ] 33678 - إلى هنا انتهت رواية يحيى .

                                                                                                                        33679 - وفي رواية أبي مصعب وغيره : قال مالك : وإن كانت النحلة عبدا ، أو وليدة ، أو شيئا معلوما معروفا ، ثم أشهد عليه ، وأعلن ، ثم مات الأب ، وهو يلي ابنه ، فإن ذلك جائز لابنه .

                                                                                                                        33680 - قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين الفقهاء - أهل الفتوى بالأمصار وسائر من تقدمهم من العلماء - أن الأب يجوز لابنه الصغير ما كان في حجره صغيرا أو كبيرا بالغا كل ما يهب له ، ويعطيه ، ويتصدق به عليه من العروض كلها ، والعقار ، وكل ما عدا العين ، كما يجوز له ما يعطيه غيره ، وأنه يجزئه في ذلك الإشهاد ، والإعلان ، وإذا أشهد فقد أعلن ، وإذا فشا الإشهاد وظهر .

                                                                                                                        33681 - وقال مالك ، وأصحابه : إن ما يسكن الأب لا تصح فيه عطية لابنه الصغير الذي في حجره حتى يخرج عن ذلك سنة ونحوها ، ثم لا يضره رجوعه إليها ، وسكناه لها ما لم يمت الأب فيها ، أو يبلغ الصغير رشده ، فلا يقبضها ، فإن مات الأب ساكنا فيها ، أو بلغ الابن رشدا ، فلم يقبضها حتى يموت الأب لم تنفعه حيازته له تلك السنة ، وجعلوا الهبة للصغير جوازها متعلق بما يكون من العافية فيها ، فإن سلمت في العافية من الرهن ، فهي صحيحة ، وإن لحقها رهن جميع ما تقدم قبل ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 109 ] 33682 - وكذلك الملبوس عندهم إذا لبس الأب شيئا من الثياب التي وهبها للصغير من ولده بطلت فيه هبته ، وما عدا الملبوس والمسكون فيكفي فيه الإشهاد على وصفنا .

                                                                                                                        33683 - وأما سائر الفقهاء ، فإن الأب إذا أشهد ، وأعلن الشهادة بما يعطيه لابنه في صحته ، فقد نفذ ذلك للابن ما كان صغيرا .

                                                                                                                        33684 - وحيازة الأب له من نفسه كحيازته له ما لا يعطيه غيره لابنه الناظر له ، ولا يرهن عطيته له في صحته إذا كان صغيرا ، ولا سكناه ، ولا لباسه ، كما لا يضره عند مالك إذا سكن بعد السنة ، ولا يعد ذلك منه رجوعا فيما أعطى ، كما لا يكون ذلك رجوعا بعد السنة ، وما قاله العلماء من ذلك ، فهو ظاهر فعل عثمان بمحضر الصحابة من غير نكير ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        33685 - وأما الذهب والورق; فقال مالك في موطئه ما قد ذكرناه في صدر هذا الباب .

                                                                                                                        33686 - وظاهره أنه إذا عزلها بعينها في ظرف ، وختم عليها بخاتمه أو خاتم الشهود الذين أشهدهم أنها جائزة للابن كما لو جعلها له عند رجل .

                                                                                                                        33687 - وهو قول ابن الماجشون ، وأشهب .

                                                                                                                        [ ص: 110 ] 33688 - وبه كان أبو عمر - أحمد بن عبد الله بن هاشم - شيخنا - رحمه الله يفتي .

                                                                                                                        33689 - وذكر العتبي لابن القاسم ، عن مالك أنها لا تجوز إلا أن يخرجها الأب عن يده إلى يد غيره - يحوزها للابن ، وأنه لا ينفعه خاتمه عليها .

                                                                                                                        33690 - وبهذا كان يقضي القاضي أبو بكر ، محمد بن يبقى بن زرب .

                                                                                                                        33691 - وهذه المسألة كانت أحد الأسباب التي أوجبت التباعد بينه ، وبين أبي عمر رحمهما الله .

                                                                                                                        33692 - واختلفوا في هبة المشاع من الغنم ، وغيرها يهبها الأب لابنه الصغير

                                                                                                                        [ ص: 111 ] في حجره :

                                                                                                                        33693 - فروي عن مالك أنه جائز .

                                                                                                                        33694 - وبه قال ابن الماجشون .

                                                                                                                        33695 - وقال ابن القاسم : لا يحوز الأب لابنه الصغير إلا ما يهبه مبروزا مقسوما .

                                                                                                                        33696 - قال : وإليه رجع مالك ، وبه قال مطرف ، وأصبغ .

                                                                                                                        33697 - قال أبو عمر : ظاهر حديث عثمان يشهد لما قاله مالك ، وابن الماجشون وهو الأصل المجتمع عليه عند جمهور العلماء ، ولا مخالف له من الصحابة .

                                                                                                                        33698 - واختلفوا فيمن يحوز للصغير غير أبيه ، ومن يقوم له في الحيازة مقام أبيه فيما يعطيه :

                                                                                                                        33699 - فروى يحيى ، عن ابن القاسم ، عن مالك أن الأم لا تحوز ما يعطى ابنها إلا أن تكون عليه وصية ، قال : ولا يحوز للطفل إلا من يجوز له إنكاحه ، والمباراة عليه ، والبيع والشراء له .

                                                                                                                        33700 - قال يحيى : وسمعت ابن وهب يقول : تحوز الأم لولدها ما تهب لهم ، وكذلك الجدة ، والأجداد ، وإن لم يكونوا أولياء عليه .

                                                                                                                        33701 - وقال ابن القاسم : لا تحوز الأم ما يوهب لولدها .

                                                                                                                        [ ص: 112 ] 33702 - وقال أشهب : تحوز لهم الوصية بهبة ، يمضي معهم إلى الكتاب ، ولا يحوز لهم غير ذلك ، والوصي عندهم يحوز ما يوهب لليتيم في حجره .

                                                                                                                        33703 - وأما الشافعي ، فالجد عنده يقوم مقام الأب فيما يهبه للأطفال من ولد ولده ، يحوز ذلك عليهم إلى أن يبلغوا مبلغ القبض لأنفسهم .

                                                                                                                        33704 - وأما الكوفيون ، فذكر الطحاوي ، وغيره ، عن أبي حنيفة وأصحابه : أن الأم كالأب فيما تهب لابنها اليتيم في حجرها عبدا أو متاعا معلوما إذا أشهدت على ذلك جاز ، ولم ترجع في شيء منه ، وكذلك تقبض له من كل من وهب له شيئا يصح قبضه ، وكذلك الوصي ، وكذلك من قبض لليتيم من الأجنبيين ما أعطى اليتيم .

                                                                                                                        33705 - وذكر الطحاوي أيضا عنهم قال : وللأب أن يقبض ما يهب لابنه الصغير مما يتصدق به عليهم ، وكذلك من فوقه من الآباء إذا كان هو الذي أمره ، وقبضه من ذلك لنفسه إشهاده على ما كان منه ، وإعلانه به ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبين ، وعلى أهله الطيبين ، وسلم تسليما .




                                                                                                                        الخدمات العلمية