الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        34023 - قال مالك : إن أحسن ما سمع في الرقاب الواجبة ، أنه لا يجوز أن يعتق فيها نصراني ولا يهودي ، ولا يعتق فيها مكاتب ولا مدبر ، [ ص: 178 ] ولا أم ولد ، ولا معتق إلى سنين ، ولا أعمى ، ولا بأس أن يعتق النصراني واليهودي والمجوسي ، تطوعا ; لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : فإما منا بعد وإما فداء [ محمد : 4 ] فالمن العتاقة .

                                                                                                                        قال مالك : فأما الرقاب الواجبة التي ذكر الله في الكتاب ، فإنه لا يعتق فيها إلا رقبة مؤمنة .

                                                                                                                        قال مالك : وكذلك في إطعام المساكين في الكفارات ، لا ينبغي أن يطعم فيها إلا المسلمون ، ولا يطعم فيها أحد على غير دين الإسلام .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        34024 - قال أبو عمر : أما اختلاف العلماء في جملة ما يجزئ في الرقاب الواجبة ، فقد أوضح مالك مذهبه في الموطأ ، وهي جملة خولف في بعضها ، وتابعه أكثر العلماء على أكثرها ، ونحن نذكر أقوالهم جملة على حسب ما ذكره مالك بعد ذكر ما ذكره ابن القاسم وغيره عن مالك مما لم يذكره في موطئه .

                                                                                                                        34025 - قال مالك : يجزئ الأعرج إذا كان خفيف العرج ، وإن كان شديدا لم يجزئ ، ولا يجزئ أقطع اليدين ، ولا الرجلين ، ويجزئ أقطع اليد الواحدة ، والأعور ، ولا يجزئ الأجدع ، ولا المجنون ، ولا الأصم ، ولا الأخرس .

                                                                                                                        34026 - قال ابن القاسم : وقياس قول مالك ألا يجزئ الأبرص ; لأن الأصم أيسر شأنا منه .

                                                                                                                        [ ص: 179 ] 34027 - قال ابن القاسم : ولا يجزئ الذي يجن ويفيق .

                                                                                                                        34028 - وقال أشهب في الذي يجن ويفيق إنه يجزئ من رأيه .

                                                                                                                        34029 - وروي عن مالك أنه يجزئ الأعرج ، كما يجزئ الأعور .

                                                                                                                        34030 - وقال ابن الماجشون : لا يجزئ الأعور .

                                                                                                                        34031 - وقال أشهب : يجزئ الأصم .

                                                                                                                        34032 - وقال مالك : يجزئ الموسر عتق نصف العبد إذا قوم عليه كله ، وعتق ، ولا يجزئ المعسر .

                                                                                                                        34033 - وهو قول الأوزاعي .

                                                                                                                        34034 - وأما الشافعي فقال : لا يجزئ في الرقاب الواجبة إلا رقبة مؤمنة ، لا في الظهار ، ولا في غيره .

                                                                                                                        34035 - قال : وقد شرط الله تعالى في رقبة القتل كما شرط العدل في الشهادة في موضع ، وأطلق الشهود ، فاستدللنا على أن ما أطلق في معنى ما شرط .

                                                                                                                        34036 - قال : ويجوز المدبر ، ولا يجوز المكاتب أدى من نجومه شيئا ، أو لم يؤده ; لأنه ممنوع من بيعه ، ولا تجزئ أم الولد في قول من قال : لا يبيعها .

                                                                                                                        34037 - قال المزني : هو لا يجيز بيعها ، وله بذلك كتاب .

                                                                                                                        34038 - وقال الشافعي : والعبد المرهون والجاني إذا أعتقه ، وافتكه من الرهن ، وأدى ما عليه من الجناية أجزأ .

                                                                                                                        [ ص: 180 ] 34039 - قال : والغائب إذا كان على يقين من حياته في حين عتقه يجزئ ، وإلا لم يجز .

                                                                                                                        34040 - ولو اشترى من يعتق عليه لم يجز .

                                                                                                                        34041 - ولو أعتق عبدا بينه وبين آخر ، وهو موسر أجزأه .

                                                                                                                        34042 - وكذلك لو كان معسرا ، ثم أيسر ، فاشترى النصف الآخر ، فأعتقه أجزأه .

                                                                                                                        34043 - وقد روي عنه أنه لا يجزئ إلا أن ينويه عن نفسه .

                                                                                                                        34044 - قال : فلم أعلم أحدا مضى من أهل العلم ، ولا ذكر لي عنه إلا وهم يقولون : إن من الرقاب ما يجزئ ، ومنها ما لا يجزئ ، فدل ذلك على أن المراد بعتقها بعضها دون بعض ، فلم أجد في معنى ما ذهبوا إليه إلا ما أقول ، والله أعلم .

                                                                                                                        34045 - وجماعه أن الأغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ، ولا يكون العمل تاما حتى يكون يد المملوك باطشتين ، ورجلاه ماشيتين ، وله بصر ، وإن كانت عينا واحدة ، ويكون يعقل ، فإن كان أبكم ، أو أصم ، أو ضعيف البطش أجزأ ، ويجزئ المجنون الذي يفيق في أكثر الأحيان ، ويجزئ الأعور ، والعرج الخفيف ، وشلل الحيض ، وكل عيب لا يضره في العمل إضرارا بينا ، ولا يجزئ الأعمى ، [ ص: 181 ] ولا المقعد ، ولا الأشل الرجل ، ويجزئ الأصم ، والخصي ، والمريض الذي ليس به مرض زمانة .

                                                                                                                        34046 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يجزئ في الرقاب الواجبة مدبر ، ولا أم ولد ، ويجزئ المكاتب إن لم يكن أدى من كتابه شيئا استحسانا ، وإن كان أدى شيئا لم يجز ، ولا يجوز الأعمى ، ولا المقعد ، ولا المقطوع اليدين ، ولا المقطوع الرجلين ، ولا المقطوع اليد والرجل من جانب واحد ، فأما إن كانت يده الواحدة مقطوعة ، أو رجله ، أو مقطوع اليد والرجل من خلاف ، أو كان أعور العين الواحدة ، فإن ذلك يجزئ ، ولا يجزئ في ذلك مقطوع الإبهامين ، ولا مقطوع ثلاثة أصابع في كل كف سوى الإبهامين ، وإن كان أقل من ثلاثة أصابع أجزأ ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير في ذلك كله سواء .

                                                                                                                        34047 - ويجزئ عندهم الكافر في الظهار ، وكفارة اليمين ، ولا يجزئ في قتل الخطأ .

                                                                                                                        34048 - ومن أعتق في رقبة واجبة عليه عبدا بينه وبين آخر ، لم يجزئه موسرا كان أو معسرا في قول أبي حنيفة . 34049 - ويجزئه في قول أبي يوسف ، ومحمد إذا كان موسرا ، ولا يجزئه إذا كان معسرا .

                                                                                                                        [ ص: 182 ] 34050 - والأشل عندهم كالأقطع ، يجزئ ، ولا يجزئ المعتوه ، ولا الأخرس ، ويجزئ المقطوع الأذنين ، والخصي .

                                                                                                                        34051 - وقال زفر لا يجزئ مقطوع الأذنين . 34052 - وقال عثمان البتي : يجزئ الأعور ، الأعرج إلا أن لا يمشي .

                                                                                                                        34053 - وقال الليث بن سعد : لا يجزئ في الرقاب الواجبة شيء فيه عيب ، ولا يجزئ الذي يجن في كل شهر مرة ، وإن كان فيما بين ذلك صحيحا ; لأن ذلك عيب ، ولا يجزئ الأعرج ، ولا الأجدع ، ولا الأعور ، ولا الأشل ; لأن ذلك مما لا يجزئ في الضحايا ، فهو في ذلك أشد .

                                                                                                                        34054 - قال أبو عمر : أجمعوا على أن العيب الخفيف في الرقاب الواجبة يجزئ نحو الحول ، ونقصان الضرس ، والظفر ، وأثر كي النار ، والجرح الذي قد برئ ، وذلك كله يرد به العيب إذا نقص من الثمن ، فدل ذلك على أنه ليس المعتبر في الرقاب السلامة من جميع العيوب .

                                                                                                                        34055 - والقياس لها أيضا على الضحايا بألا يستقيم من أجل السن ; لأن الصغير يجزئ عندهم في الرقاب الواجبة ، ولا يجزئ في الضحايا .

                                                                                                                        34056 - وأما قول مالك في أنه لا يطعم في الكفارات إلا مساكين المسلمين ، فقد مضى القول في ذلك في كتاب الأيمان ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية