الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        204 175 - أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول : قولوا : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات الصلوات لله ، [ ص: 275 ] السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

                                                                                                                        [ ص: 276 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 276 ] 5084 - ويتشهد عمر ، هذا قال مالك وأصحابه .

                                                                                                                        [ ص: 277 ] 5085 - ومعنى التحية : الملك ، وقيل : التحية : العظمة لله .

                                                                                                                        5086 - والصلوات : هي الخمس ، والطيبات : الأعمال الزكية .

                                                                                                                        5087 - وتشهد ابن مسعود ثابت أيضا من جهة النقل عند جميع أهل الحديث ، مرفوع إلى النبي - عليه السلام - ، وهو : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

                                                                                                                        [ ص: 278 ] [ ص: 279 ] 5088 - وبه قال الثوري ، والكوفيون ، وأكثر أهل الحديث . وكان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ، ويميل إليه ، ويتشهد به .

                                                                                                                        [ ص: 280 ] 5089 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور - : أحب التشهد إلينا تشهد ابن مسعود الذي رواه عن النبي - عليه السلام - ، وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وداود .

                                                                                                                        5090 - وأما الشافعي وأصحابه ، والليث بن سعد - فذهبوا إلى تشهد ابن عباس الذي رواه عن النبي - عليه السلام - .

                                                                                                                        5091 - قال الشافعي : هو أحب التشهد إلي .

                                                                                                                        5092 - رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير وطاوس ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن ; فكان يقول : " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

                                                                                                                        [ ص: 281 ] 5093 - وروي عن أبي موسى الأشعري مرفوعا وموقوفا نحو تشهد ابن مسعود .

                                                                                                                        5094 - وروي عن علي أكمل من هذه الروايات كلها .

                                                                                                                        [ ص: 282 ] 5095 - وفي الموطإ عن ابن عمر وعائشة ما قد علمت ، واختيار العلماء من ذلك ما ذكرت لك ، وكل حسن - إن شاء الله - .

                                                                                                                        5096 - والذي أقول به - وبالله التوفيق - : إن الاختلاف في التشهد ، وفي الأذان ، والإقامة ، وعدد التكبير على الجنائز ، وما يقرأ ويدعى به فيها ، وعدد التكبير في العيدين ، ورفع الأيدي في ركوع الصلاة ، وفي التكبير على الجنائز ، وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين ، وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين ، وفي القنوت وتركه ، وما كان مثل هذا كله - اختلاف في مباح : كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثا ، إلا أن فقهاء الحجاز والعراق الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى - يتشددون في الزيادة على أربع تكبيرات على الجنائز ، ويأبون من ذلك .

                                                                                                                        5097 - وهذا لا وجه له ; لأن السلف كبر سبعا ، وثمانيا ، وستا ، وخمسا ، وأربعا ، وثلاثا .

                                                                                                                        5098 - وقال ابن مسعود : كبر ما كبر إمامك . وبه قال أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        5099 - وهم أيضا يقولون : إن الثلاث في الوضوء أفضل من الواحدة السابغة .

                                                                                                                        5100 - وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ، ونقله التابعون بإحسان عن السابقين نقلا لا يدخله غلط ولا نسيان ; لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمنا بعد زمن ، لا يختلف في ذلك علماؤهم [ ص: 283 ] وعوامهم من عهد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وهلم جرا ; فدل على أنه مباح كله إباحة توسعة ورحمة . والحمد لله .

                                                                                                                        5101 - واختلف الفقهاء في وجوب التشهد ، وفي حكم صلاة من لم يتشهد ; فقال مالك : من نسي التشهد رجع إليه فعمله إن كان قريبا ولم يتباعد ولم ينتقض وضوءه ، ثم سجد لسهوه بعد السلام . وإن تباعد أو انتقض وضوءه فأرجو أن تجزيه صلاته .

                                                                                                                        5102 - قال : وليس كل أحد يعرف التشهد ، فإذا ذكر الله أجزأ عنه .

                                                                                                                        5103 - ورواه ابن وهب وغيره عن مالك .

                                                                                                                        5104 - وقال الأوزاعي : من نسي التشهد سجد للسهو أربع سجدات ; لأن مذهبه أن لكل سهو سجدتين .

                                                                                                                        5105 - وقال الثوري : لا يسجد إلا سجدتين في السهو عن التشهدين ، وكذلك من سها مرارا .

                                                                                                                        5106 - وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة في سجدتي السهو أنهما للسهو كله .

                                                                                                                        5107 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن قعد مقدار التشهد ولم يتشهد - تمت صلاته ، وإن لم يقعد مقدار التشهد - فسدت صلاته .

                                                                                                                        [ ص: 284 ] 5108 - وقال الشافعي : من ترك التشهد الآخر ساهيا أو عامدا فعليه إعادة الصلاة ، إلا أن يكون الساهي قريبا ; فيعود إلى تمام صلاته ، ويتشهد ، ويصلي على النبي - عليه السلام - في آخر صلاته عن التشهد قبله ، ولا يغني عنه ما كان قبله من التشهد .

                                                                                                                        5109 - قال أبو عمر : لا أعلم أحدا أوجب الصلاة على النبي - عليه السلام - فرضا في التشهد الآخر إلا الشافعي ومن سلك سبيله . وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله - .

                                                                                                                        5110 - وقال أبو ثور : من لم يتشهد في الركعة الثانية والرابعة فلا صلاة له ، ، إن كان ترك ذلك عامدا ، وإن كان ساهيا ، فترك تشهد الركعة الثانية - سجد سجدتي السهو قبل التسليم ، وإن كان في الرابعة استقبل القبلة ، وتشهد ، وسلم ، وسجد سجدتي السهو بعد التسليم .

                                                                                                                        5111 - وقال أبو مصعب الزهري : من ترك التشهد بطلت صلاته ، وروى ذلك أبو مصعب عن أهل المدينة ، منهم مالك وغيره .

                                                                                                                        5112 - وروي عن جماعة من السلف المتقدمين - منهم علي وطائفة من التابعين - : من رفع رأسه من آخر سجدة في الركعة الرابعة فقد تمت صلاته .

                                                                                                                        5113 - وقال أحمد بن حنبل : إن ترك الجلوس والتشهد في الرابعة بطلت صلاته .

                                                                                                                        5114 - وقال الزهري وقتادة وحماد : صلاته تامة .

                                                                                                                        5115 - والحجة لمالك ومن رأى أن سجود السهو ينوب عن التشهد لمن سها [ ص: 285 ] عنه - حديث ابن بحينة في القيام من اثنتين والسجود في ذلك ، فإذا ناب له السجود عن الجلسة الوسطى والتشهد فأحرى أن ينوب له عن التشهد إذا جلس ولم [ ص: 286 ] يتشهد ساهيا عنه .

                                                                                                                        5116 - ومعلوم أن الفرض في الصلاة لا ينوب عنه سجود السهو دون الإتيان به .

                                                                                                                        5117 - وقد أجمعوا أن من ترك الجلسة الوسطى عامدا أن صلاته فاسدة ، وعليه الإعادة .

                                                                                                                        5118 - ومن أفسد الصلاة بترك التشهد الآخر فإنه جعله من البيان لمجملات الصلاة التي هي فروض كلها في عمل البدن إلا الجلسة الوسطى ; فإنها مخصوصة بالسنة لحديث ابن بحينة ، والمغيرة بن شعبة .

                                                                                                                        [ ص: 287 ] 5119 - وللكلام في هذه المسألة لكل فرقة موضع غير هذا ، وقد أتينا منه في " التمهيد " بما فيه كفاية . والحمد لله .

                                                                                                                        5120 - وقد روي عن عمر أنه قال : من لم يتشهد فلا صلاة له . وقال نافع مولى ابن عمر : من لم يتكلم بالتحية فلا صلاة له .

                                                                                                                        5121 - ومن حجة الشافعي أيضا ومن وافقه ما رواه سفيان بن عيينة عن الأعمش ومنصور ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : كنا نقول قبل أن يفرض التشهد : السلام على الله ، السلام على جبريل ، فذكر حديث التشهد .

                                                                                                                        5122 - قال أبو عمر : لم يقل أحد في حديث ابن مسعود هذا بهذا الإسناد ولا بغيره قبل أن يفرض التشهد . والله أعلم .

                                                                                                                        5123 - حدثنا عبد الله ، حدثنا حمزة ، حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله المخزومي ، قال : حدثنا سفيان ، فذكره .

                                                                                                                        5124 - وحجة أبي حنيفة أيضا أن الذكر كله في الصلاة فيما عدا القراءة في الأوليين - سنة ، واستحباب عنده ، وعمل البدن فيها فرض . فإذا قعد مقدار التشهد فيها فقد أتى بالفرض فيها وسجد للسهو لسقوط الفريضة فيها ، وسجد للسهو لسقوط التشهد .

                                                                                                                        5125 - وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم ، والإعلان به جهل وبدعة .




                                                                                                                        الخدمات العلمية