الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        186 - أنه قام من اثنتين دون أن يجلس ، فسجد لسهوه قبل السلام ، وقد نقص الجلسة الوسطى والتشهد .

                                                                                                                        [ ص: 356 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 356 ] 5394 - قال مالك : وإن كان السهو زيادة فالسجود له بعد السلام على حديث ذي اليدين ; لأنه - عليه السلام - سها ، فسلم من ركعتين يومئذ ، وتكلم ، ثم انصرف ، وبنى ، فزاد سلاما وعملا وكلاما وهو ساه لا يظن أنه في صلاة ، ثم سجد بعد السلام .

                                                                                                                        5395 - وهذا كله قول أبي ثور .

                                                                                                                        5396 - ويقول مالك هذا ومن تابعه : يصح استعمال الخبرين جميعا في الزيادة والنقص .

                                                                                                                        5397 - واستعمال الأخبار على وجوبها أولى من ادعاء النسخ فيها ، ومن جهة الفرق بين الزيادة والنقص بين في ذلك ; لأن السجود في النقصان إصلاح وجبر ، ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة .

                                                                                                                        5398 - وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان ، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ .

                                                                                                                        5399 - وجملة مذهب مالك وأصحابه أن من وضع السجود الذي قالوا : إنه بعد - قبل ، فلا شيء عليه ، إلا أنهم أشد استثقالا لوضع السجود الذي بعد السلام قبل السلام ، وذلك لما رئي وعلم من اختلاف أهل المدينة في ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 357 ] 5400 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري : السجود كله في السهو زيادة كان أو نقصانا - بعد السلام .

                                                                                                                        5401 - وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                        5402 - وحجة الكوفيين في ذلك : حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى خمسا ساهيا ، وسجد لسهوه بعد السلام ، وحديث المغيرة بن شعبة أنه قام من اثنتين ، وسجد بعد السلام .

                                                                                                                        5403 - وقد ذكرنا هذه الآثار كلها في التمهيد .

                                                                                                                        5404 - وعارضوا حديث ابن بحينة بحديث المغيرة بن شعبة ، وزعموا أنه أولى ; لأن فيه زيادة التسليم والسجود بعده . وهذا ليس بشيء ; لأن حديث ابن بحينة ثابت بنقل الأئمة ، وحديث المغيرة ضعيف الإسناد ليس مثله بحجة .

                                                                                                                        [ ص: 358 ] 5405 - ومن حجتهم أيضا من جهة النظر إجماعهم على أن حكم من سها في صلاته ألا يسجد في موضع سهو ولا في حاله تلك ، وأن حكمه أن يؤخر ذلك إلى آخر صلاته لتجمع السجدتان كل سهو في صلاته . ومعلوم أن السلام قد يمكن فيه السهو أيضا ; فواجب أن تؤخر السجدتان عن السلام أيضا ، كما تؤخر أيضا عن التشهد .

                                                                                                                        5406 - وقال الأوزاعي ، الشافعي ، والليث بن سعد - : سجود السهو كله في الزيادة والنقصان قبل السلام .

                                                                                                                        [ ص: 359 ] 5407 - وهو قول ابن شهاب ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن أبي ذئب .

                                                                                                                        5408 - وقال ابن شهاب : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود قبل السلام .

                                                                                                                        5409 - والحجة لهم حديث مالك هذا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، وهو عن أبي سعيد الخدري عن النبي - عليه السلام - صحيح .

                                                                                                                        5410 - وفيه البناء على اليقين وإلغاء الشك ، والعلم محيط بأن ذلك إن لم يكن زيادة لم يكن نقصانا .

                                                                                                                        5411 - وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نابه ذلك في صلاته أن يسجد سجدتين قبل التسليم . والزيادة مع ذلك ممكنة غير مدفوعة .

                                                                                                                        5412 - وأما النقصان فلحديث ابن بحينة ; إذ قام من اثنتين وسجد قبل السلام . وهو من أثبت ما يروى في باب سجود السهو عن النبي - عليه السلام - .

                                                                                                                        5413 - قالوا : فعلمنا بهذا أن ليس المعنى في ذلك زيادة ولا نقصانا ، وأن المعنى في ذلك إصلاح الصلاة ، وإصلاحها لا يكون إلا قبل الفراغ منها ، وإنما جاز تأخير السجدتين عن جميع الصلاة ما خلا السلام ; لأن السلام يخرج به من أن تكون السجدتان مصلحتين .

                                                                                                                        5414 - ألا ترى أن مدرك بعض الصلاة مع الإمام لا يشتغل بالقضاء ، ويتبع الإمام فيما بقي عليه حاشا السلام ; لما ذكرنا ؟ ولكل واحد منهم حجة من جهة النظر يطول ذكرها ، والمعتمد عليه ما ذكرنا .

                                                                                                                        5415 - وكل هؤلاء يقول : إن المصلي لو سجد بعد السلام لم يضره ، [ ص: 360 ] وكذلك لو سجد بعد السلام فيما قالوا فيه : السجود قبل السلام - لم يضره ، ولم يكن عليه شيء .

                                                                                                                        5416 - وأما ابن حنبل ، فذكر الأثرم ، قال : سألت ابن حنبل عن سجود السهو : قبل السلام أم بعده ؟ فقال : في مواضع قبل السلام ، وفي مواضع بعد السلام ، على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .

                                                                                                                        5417 - ومن سلم من ثلاث سجد أيضا بعد السلام ، على حديث عمران بن حصين .

                                                                                                                        5418 - وفي التحري يسجد بعد السلام ، على حديث ابن مسعود وحديث منصور .

                                                                                                                        [ ص: 361 ] 5419 - وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلام ، على حديث ابن بحينة .

                                                                                                                        5420 - وفي الشك يبني على اليقين ، ويسجد قبل السلام ، على حديث أبي سعيد الخدري ، وحديث عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                        5421 - قال أبو عمر : قد ذكرنا حديث عبد الرحمن بن عوف أيضا في التمهيد .

                                                                                                                        5422 - وقال الأثرم : قلت لابن حنبل : فما كان سوى هذه المواضع ؟ قال : يسجد فيها كلها قبل السلام ; لأنه يتم ما نقص من صلاته .

                                                                                                                        [ ص: 362 ] 5423 - قال : ولولا ما روي عن النبي - عليه السلام - لرأيت السجود كله [ ص: 363 ] قبل السلام ; لأنه من شأن الصلاة ، فيقضيه قبل السلام .

                                                                                                                        5424 - ولكن أقول : كل ما روي عنه - عليه السلام - أنه سجد فيه بعد السلام - فإنه يسجد فيه بعد السلام ، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام .

                                                                                                                        5425 - وقال داود : لا يسجد أحد للسهو إلا في الخمسة المواضع التي سجد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        5426 - واختلف الفقهاء أيضا فيمن شك في صلاته ، فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين ، أو لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا ، أو لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا :

                                                                                                                        5427 - فقال مالك والشافعي : يبني على اليقين ، ولا يجزيه التحري ، وروي ذلك عن الثوري .

                                                                                                                        5428 - وهو قول داود والطبري .

                                                                                                                        5429 - وحجتهم في ذلك حديث أبي سعيد المذكور في هذا الباب ، وحديث عبد الرحمن بن عوف ، وحديث ابن عمر ، وما كان مثلها في البناء [ ص: 364 ] على اليقين .

                                                                                                                        5430 - وقال أبو حنيفة : إذا كان ذلك أول ما شك استقبل صلاته ولم يتحر ، وإن لقي ذلك غير مرة تحرى .

                                                                                                                        5431 - وقال الحسن بن حي والثوري في رواية أخرى : يتحرى سواء كان أول مرة أو لم يكن .

                                                                                                                        5432 - وقال الأوزاعي : يتحرى ، قال : وإن نام في صلاته فلم يدر كم صلى - استأنف .

                                                                                                                        5433 - وقال الليث بن سعد : إن كان هذا شيئا يلزمه ، ولا يزال يشك - أجزأته سجدتا السهو عن التحري وعن البناء على اليقين ، فإن لم يكن شيئا يلزمه استأنف ركعة بسجدتيها .

                                                                                                                        5434 - وقال أحمد بن حنبل : الشك على وجهين : اليقين والتحري ; فمن رجع إلى اليقين ألغى الشك ، وسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري ، وإذا رجع إلى التحري - وهو أكثر الوهم - سجد سجدتي السهو بعد السلام ، على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور .

                                                                                                                        5435 - وبه قال أبو خيثمة زهير بن حرب .

                                                                                                                        5436 - وقال جماعة من أهل العلم - منهم داود - : التحري هو الرجوع إلى اليقين .

                                                                                                                        5437 - قال أبو عمر : من جعل التحري والرجوع إلى اليقين سواء صح له [ ص: 365 ] استعمال الخبرين بمعنى واحد ، وأي تحر يكون لمن انصرف وهو شاك لم يبن على يقينه ؟ .

                                                                                                                        5438 - ومعلوم أن من تحرى وعمل على أغلب ظنه وأكثره عنده - أن شعبة من الشك تصحبه إذا لم يبن على يقينه .

                                                                                                                        5439 - وقد ذكرنا علة حديث ابن مسعود من رواية منصور وغيره في التحري في كتاب التمهيد .




                                                                                                                        الخدمات العلمية