الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1624 [ ص: 237 ] 1622 - مالك ، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، أنه بلغه أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها ، وقد كانت دبرتها ، فأمرت بها فقتلت ، قال مالك : الساحر الذي يعمل السحر ، ولم يعمل ذلك له غيره ، هو مثل الذي قال الله - تبارك وتعالى - في كتابه : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) [ البقرة : 102 ] . فأرى أن يقتل ذلك ، إذا عمل ذلك هو نفسه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        37921 - قال أبو عمر : قد روي هذا الخبر عن نافع عن حفصة وعن نافع ، عن ابن عمر .

                                                                                                                        37922 - روى ابن عيينة ، قال : أخبرني من سمع نافعا يحدث عن حفصة أنها قتلت جارية لها سحرتها .

                                                                                                                        37923 - وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الله ، أو عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن جارية لحفصة سحرتها ، واعترفت بذلك ، فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها .

                                                                                                                        37924 - وأنكر ذلك عليها عثمان ، فقال ابن عمر : ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرتها واعترفت ؟ فسكت عثمان .

                                                                                                                        37925 - وعند مالك في هذا الباب ، عن عائشة خلاف لحفصة ، إلا أنه [ ص: 238 ] رماه ، بآخرة من كتابه ، فليس عند يحيى وطائفة معه من رواة " الموطأ " .

                                                                                                                        37926 - وأثبت حديث حفصة ، لأنه الذي يذهب إليه في قتل الساحر ، وحديث عائشة رواه مالك ، عن أبي الرجال ، محمد بن عبد الرحمن ، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، أنها أعتقت جارية لها على دبر منها ، ثم إن عائشة مرضت بعد ذلك ما شاء الله ، فدخل عليها سندي ، فقال : إنك مطبوبة ، فقالت : من طبني ؟ فقال : امرأة من نعتها كذا وكذا ، وفي حجرها صبي قد بال ، فقالت عائشة ، ادع لي فلانة ، لجارية لها تخدمها ، فوجدوها في بيت جيران لها ، في حجرها صبي قد بال ، فقالت : حتى أغسل بول الصبي ، فغسلته ثم جاءت ، فقالت لها عائشة : سحرتني ؟ قالت : نعم فقالت : لم ؟ قالت أحببت العتق ، فقالت عائشة : أحببت العتق فوالله لا تعتقن أبدا ، فأمرت عائشة ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ، ممن يسيء ملكتها ، ثم قالت : ابتع لي بثمنها رقبة حتى أعتقها ، ففعلت .

                                                                                                                        37927 - قالت عمرة : فلبثت عائشة ما شاء الله عز وجل من الزمان ، ثم إنها رأت في النوم ، أن اغتسلي من ثلاث آبار يمر بعضها في بعض ، فإنك تشفين ، قالت عمرة : فدخل على عائشة إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، فذكرت لهما الذي رأت ، فانطلقا إلى قباء ، فوجدا آبارا ثلاثا يمد بعضها بعضا ، فاستقوا من كل بئر منها ثلاث شخب ، حتى ملئ الشخب من جميعهن ، ثم أتوا به عائشة ، فاغتسلت به ، فشفيت .

                                                                                                                        [ ص: 239 ] 37928 - قال أبو عمر : في حديث عائشة هذا بيع المدبر ، وكان بعض أصحابنا ، يفتي به في بيع المدبر إذا تخلف عن مولاه ، وأحدث أحداثا قبيحة ، لا ترضى .

                                                                                                                        37929 - وفيه أن السحر حق ، وأنه يؤثر في الأجسام ، وإذا كان هذا لم يؤمن منه ذهاب النفس .

                                                                                                                        37930 - وفيه أن الغيب تدرك منه أشياء بدروب من التعليم ، فسبحان من علمه بلا تعلم ، ومن يعلم الغيب حقيقة ، لا كما يعلمه من يخطئ مرة ، ويصيب أخرى ، تخرصا وتظننا .

                                                                                                                        37931 - وفيه إثبات النشرة وأنها قد ينتفع بها ، وحسبك ما جاء منها في اغتسال العائن للمعين .

                                                                                                                        37932 - وفيه أن الساحر لا يقتل إذا كان عمله من السحر ما لا يقتل .

                                                                                                                        37933 - حدثني سعيد قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر قال ، حدثني أبو معاوية ، عن الأعمش عن يزيد بن حبان ، عن زيد بن أرقم ، قال سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود ، فاشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك أياما ، فأتاه جبريل ، فقال : إن رجلا من اليهود عقد لك عقدا ، فأرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه - فاستخرجها وجاء بها ، وجعل كلما حل عقدة ، وجد لذلك خفة ، قال : فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وكأنما نشط من عقال فما ذكر ذلك النبي [ ص: 240 ] - صلى الله عليه وسلم - لليهودي ، ولا أراه في وجهه قط .

                                                                                                                        37934 - قال أبو عمر : اليهودي لبيد بن الأعصم ، وحديثه فيه طول من رواية هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - وأما حديث حفصة ، في قتل الساحر ، فهو مذهب عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله بن عمر ، وقيس بن سعد ، وجندب - رجل من الصحابة .

                                                                                                                        37935 - روى ابن عيينة عن سالم بن الجعد ، عن ابن دينار أن قيس بن سعد بن عبادة كان أميرا على مصر ، فكان سره يفشو ، فشق ذلك عليه ، وقال : ما هذا ؟ فقيل له : إن هاهنا رجلا ساحرا ، فبعث إليه فسأله ، فقال : إنا لا نعلم ما في الكتاب حتى يفتح ، فإذا فتح علمنا ما فيه ، فأمر به قيس ، فقتل .

                                                                                                                        37936 - وسفيان ، عن أبي سعيد الأعور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : علم السحر في قرية من قرى مصر ، يقال لها : الغرماء .

                                                                                                                        37937 - وسفيان ، عن عمار الدهني ، أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة ، يمشي على الجبل ، ويدخل في است الحمار ، ويخرج من فيه ، فاشتمل له جندب على السيف فقتله .

                                                                                                                        37938 - قال أبو عمر : قد ذكرنا خبر جندب هذا في قتله للساحر بين يدي الوليد ، من طرق فيها بيان شاف ، من كتاب الصحابة ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        37939 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " حد الساحر ضربه [ ص: 241 ] بالسيف " ، إلا أنه حديث ليس بالقوي ، انفرد به إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        37940 - هكذا رواه ابن عيينة ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن مرسلا .

                                                                                                                        37941 - ومنهم من يجعله عن الحسن ، عن جندب .

                                                                                                                        37942 - وحدثنا أبو عبد الله ، محمد بن عبد الملك ، قراءة مني عليه في شعبان سنة تسعين وثلاثمائة ، قال : حدثني أبو سعيد ، أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي ، في منزله بمكة سنة أربعين وثلاثمائة ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن الحسن بن الصياح الزعفراني ، قال : حدثني سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، بأنه سمع بجالة ، قال : كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة : اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ، وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاثة سواحر ، وجعلنا نفرق بين الرجل وبين حريمته ، في كتاب الله - عز وجل - وصنع طعاما كثيرا ، فدعى المجوس ، وعرض السيف على فخذه فألقوا وقر بغل أو بغلين من فضة ، وأكلوا بغير زمزمة ، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر .

                                                                                                                        37943 - وروى معمر ، وابن عيينة ، وابن جريج ، عن عمرو بن دينار قال : [ ص: 242 ] سمعت بجالة يحدث أبا الشعثاء ، وعمرو بن أوس عند صفة زمزم ، في إمارة مصعب بن الزبير ، قال : كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس ، فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة . . . " وذكر تمام الخبر .

                                                                                                                        37944 - قال أبو عمر : وقد قال جماعة من فقهاء الأمصار : يقتل الساحر اتباعا والله أعلم لمن ذكرنا من الصحابة ، وبنحو ما نزع به مالك - رحمه الله .

                                                                                                                        37945 - وأبت ذلك طائفة ، منهم الشافعي ، وداود ، فقالا : لا يقتل الساحر إلا أن يقر أن من عمله مات المسحور ، فإن قال ذلك ، قتل به قودا .

                                                                                                                        [ ص: 243 ] 37946 - قال الشافعي : وإن قال : عملي هذا قد أخطئ به القتل وأصيب ، وقد مات من عملي قوم ، كانت عليه الدية في ماله ، فإن قال مرض قوم من سحري ، ولم تمت ، أقسم أولياؤه : لمات من ذلك العمل ، وكانت فيه الدية .

                                                                                                                        37947 - وقال داود : لو قال الساحر : أنا أتكلم بكلام أقتل به ، لم يجب قتله ، لأن الكلام لا يقتل به أحد أحدا ، كما لا يحيي به أحد أحدا وقد جاء بمحال خارج عن العادات .

                                                                                                                        37948 - وقد قيل : إن السحر لا شيء في حقيقته منه ، وإنما هو تخيل يتخيل الإنسان الشيء على غير ما هو به .

                                                                                                                        37949 - واحتج قائل هذه المقالة يقول الله - عز وجل : ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) [ طه : 66 ] وبحديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء حين سحره لبيد بن الأعصم .

                                                                                                                        37950 - وفي ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحره ، دليل واضح على أن قتل الساحر ليس بواجب .

                                                                                                                        37951 - وفي حديث زيد بن أرقم على ما ذكرناه بيان ذلك أيضا .

                                                                                                                        37952 - قال أبو عمر : القول الأول أعلى ، من جهة الاتباع ، وأنه لا مخالف له من الصحابة ، إلا عائشة ، فإنها لم تر قتل الساحر .

                                                                                                                        37953 - ومن زعم أن الساحر يقلب الحيوان من صورة إلى صورة ، فيجعل [ ص: 244 ] الإنسان حمارا ، أو نحوه ، ويقدر على نقل الأجسام وهلاكها وتبديلها ، فإنه يرى قتل الساحر ، لأنه كافر بالأنبياء - عليهم السلام - يدعي مثل آياتهم ومعجزاتهم ، ولا يتهيأ مع هذا علم صحة النبوة ، إذ قد يحصل مثلها بالحيلة .

                                                                                                                        37954 - وأما من زعم أن السحر خدع ومخارق وتمويهات ، وتخيلات ، فلا يجب على أصله ، قتل الساحر ، إلا أن يقتل بفعله أحدا ، فيقتل به .

                                                                                                                        37955 - وقد ذكرنا حديث ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من اقتبس بابا من علم النجوم ، فقد اقتبس شعبة من السحر ، ما زاد زاد ، وما زاد زاد " في غير موضع من كتابنا والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        37956 - وفي " المبسوط " روى ابن نافع عن مالك في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو غيرها من النساء ، أنها تنكل ولا تقتل .

                                                                                                                        37957 - قال : ولو سحر نفسه ، لم يقتل لذلك ، وأما من جهة النظر ، فدماء المؤمنين محظورة ، فلا تستباح إلا بيقين ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية