الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        321 291 - حديث أبي هريرة حيث يقول : إني لأصلي في ثوب واحد ، وإن ثيابي لعلى المشجب . جوابا منه لمن سأله عن الصلاة في الثوب الواحد .

                                                                                                                        292 - وكذلك القول في حديث جابر أنه كان يصلي في الثوب الواحد .

                                                                                                                        [ ص: 436 ] 293 - وحديث محمد بن عمرو بن حزم أنه كان يصلي في القميص الواحد

                                                                                                                        294 - وكذلك أعلى ذلك ما رواه مالك ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد ملتحفا به ، وإن كان قصيرا فليتزر به .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        7620 - وهذا بين فمن وجد ثوبين أن يصلي فيهما .

                                                                                                                        7621 - وقد استحب مالك لمن صلى في ثوب واحد أنه يجزيه إذا ستر منه عورته .

                                                                                                                        7622 - والاختيار : التجمل بالثياب في الصلاة ، فهي من الزينة .

                                                                                                                        7623 - وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : جمع امرؤ عليه ثيابه صلى في قميص ورداء ، في قميص وإزار ، في إزار ورداء ، وإذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم .

                                                                                                                        7624 - وقد روى أنس أن آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر . 7625 - وتهذيب آثار هذا الباب على كثرته حملها على ما وصفنا ، وبالله توفيقنا .

                                                                                                                        7626 - وكان مالك - رحمه الله - مع استحبابه أن يكون على عاتق المصلي في القميص ثوب ، قد خص له في الصلاة في القميص محلول الأزرار ليس عليه سراويل ولا إزار .

                                                                                                                        [ ص: 437 ] 7627 - وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور .

                                                                                                                        7628 - وكان سالم بن عبد الله يصلي محلول الأزرار .

                                                                                                                        7629 - وقال داود الطائي : إذا كان عظيم اللحية فلا بأس بذلك .

                                                                                                                        7630 - وقال الشافعي : إذا كان الثوب ضيقا يزره أو يخلله بشيء لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب عورة ، فإن لم يفعل ورأى عورته أعاد الصلاة .

                                                                                                                        7631 - وهو قول أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        7632 - وأجمع العلماء على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين ، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي عريانا وهو قادر على ما يستر به عورته من الثياب ، وإن لم يستر عورته وكان قادرا على سترها لم تجزه صلاته .

                                                                                                                        7633 - واختلفوا : هل سترها من فروض الصلاة أم لا ؟

                                                                                                                        7634 - فقال أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء : إنه من فروض الصلاة .

                                                                                                                        7635 - وإلى هذا ذهب أبو الفرج عمر بن محمد بن المالكي ، واستدل بأن الله - عز وجل - قرن أخذ الزينة بإتيان المساجد يعني بالصلاة المأمور بها في قول الله - عز وجل - : " خذوا زينتكم عند كل مسجد " ( الأعراف : 31 ) هي الثياب الساترة للعورة ; لأن الآية نزلت من أجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة .

                                                                                                                        7636 - وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء .

                                                                                                                        7637 - وروي عن ابن عباس أنه قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول :

                                                                                                                        اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله

                                                                                                                        فنزلت : " يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " ( الأعراف : 31 ) .

                                                                                                                        [ ص: 438 ] 7638 - وقد أوردنا هذا المعنى في " التمهيد " والحمد لله .

                                                                                                                        7639 - قال أبو عمر : ستر العورة من فرائض الصلاة ، واستدل بالإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يصلي عريانا وهو قادر على الاستتار به ، وأنه من فعل ذلك فلا صلاة له وعليه إعادة ما صلى على تلك الحال .

                                                                                                                        7640 - وهذا سنة وإجماع لا خلاف فيه ، وأن الآية في أخذ الزينة نزلت فيمن كان يطوف بالبيت عريانا .

                                                                                                                        7641 - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديه فنادى أن : لا يحج هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .

                                                                                                                        7642 - وقد ذكرنا الإسناد بذلك في غير هذا المكان .

                                                                                                                        7643 - قال أبو عمر : استدل من جعل ستر العورة من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا .

                                                                                                                        7644 - وقال آخرون : ستر العورة فرض عن أعين المخلوقين لا من أجل الصلاة ، وستر العورة سنة مؤكدة من سنن الصلاة ، ومن ترك الاستتار وهو قادر على ذلك وصلى عريانا فسدت صلاته ، وكما تفسد صلاة من ترك الجلسة الوسطى عامدا ، وإن كانت مسنونة .

                                                                                                                        7645 - ولكلا الفريقين اعتلال يطول ذكره ، والقول الأول أصح في النظر ، وأصح أيضا من جهة الأثر وعليه الجمهور .

                                                                                                                        7646 - واختلف العلماء في العورة من الرجل ما هي ؟

                                                                                                                        7647 - فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما ، والأوزاعي ، وأبو ثور : ما دون السرة إلى الركبة عورة .

                                                                                                                        7648 - وقال الشافعي : ليست السرة ولا الركبتان من العورة .

                                                                                                                        7649 - وقال أبو حنيفة : الركبة عورة .

                                                                                                                        7650 - وكذلك قال عطاء .

                                                                                                                        [ ص: 439 ] 7651 - وحكى ابن حامد الترمذي أن للشافعي في السرة قولين .

                                                                                                                        7652 - واختلف المتأخرون من أصحابه في ذلك أيضا على ذينك القولين ; فطائفة منهم قالت : السرة من العورة . وطائفة قالت : السرة ليست بعورة .

                                                                                                                        7653 - قال : وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته .

                                                                                                                        7654 - وهذا ما لا أعلم أن أحدا قاله غيره .

                                                                                                                        7655 - وقال ابن أبي ذئب : العورة من الرجل الدبر والقبل دون غيرهما .

                                                                                                                        7656 - وهو قول داود وأهل الظاهر ، وقول ابن علية والطبري .

                                                                                                                        7657 - فمن حجة من قال إن ما بين السرة والركبة عورة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الفخذ عورة " .

                                                                                                                        7658 - روي ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - من خمسة أوجه من حديث علي بن أبي طالب ، ومن حديث ابن عباس ، وحديث محمد بن جحش ، وحديث قبيصة بن مخارق ، وحديث جرهم الأسلمي .

                                                                                                                        7659 - وأن أبا هريرة قبل سرة الحسن بن علي ، سأله كشف ذلك فكشف له عن بدنه فقبلها وقال : أقبل منك ما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل منه .

                                                                                                                        7660 - فلو كانت السرة عورة ما قبلها أبو هريرة ولا مكنه الحسن منها .

                                                                                                                        7661 - ومن حجة من قال إن الفخذ ليست بعورة حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر ، ثم عمر فأذن لهما ، وهو على تلك الحال ، ثم استأذن عثمان فسوى عليه ثيابه ثم أذن له ، فسئل عن ذلك فقال : إني أستحي ممن تستحي منه الملائكة .

                                                                                                                        7662 - وهذا الحديث في ألفاظه اضطراب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية