الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        456 [ ص: 180 ] ( 3 ) باب النهي عن البصاق في القبلة

                                                                                                                        431 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر .

                                                                                                                        432 - وعن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقا زاد في حديث هشام : أو مخاطا أو نخامة في جدار القبلة ، فحكه . ثم أقبل على الناس ، فقال : " إذا كان أحدكم يصلي ، فلا يبصق قبل وجهه . فإن الله - تبارك وتعالى - قبل وجهه إذا صلى " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        10104 - قال أبو عمر : أما حكه - صلى الله عليه وسلم - البصاق من القبلة ففيه دليل على تنزيه [ ص: 181 ] المساجد من كل ما يستقذر ويستسمج ، وإن كان طاهرا ; لأن البصاق طاهر ، ولو كان نجسا لأمر بغسل أثره .

                                                                                                                        10105 - ويدلك على طهارته حديث حذيفة ، وحديث أبي سعيد ، وحديث أبي هريرة ، وحديث أنس ، وكلها قد ذكرتها في [ ص: 182 ] " التمهيد " بمعنى واحد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح للمصلي أن يبصق ويتنخم : في ثوبه ، وعن يساره . ولو كان نجسا ما أباح له حمله في ثوبه .

                                                                                                                        10106 - ولا أعلم كلاما في طهارة البصاق إلا شيئا روي عن سلمان ، الجمهور على خلافه والسنن الثابتة وردت برده .

                                                                                                                        10108 - وفي حك البصاق من المسجد تنزيهه عن أن يؤكل فيه مثل البلوط لقشره والزبيب لعجمه ، وكل ما له دسم وودك وتلويث وما له حب وتبن ، ونحو ذلك مما يكنسه المرء من بيته .

                                                                                                                        10108 - وإذا كان ذلك فالنجاسة أحرى أن لا يقرب المسجد شيء منها .

                                                                                                                        10109 - وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب .

                                                                                                                        [ ص: 183 ] 10110 - والبصاق : ما خرج من الفم . وفيه لغتان : بصاق ، وبزاق . ويكتب بالسين كما يكتب بالصاد والزاي .

                                                                                                                        10111 - والنخامة : ما خرج من الحلق .

                                                                                                                        10112 - والمخاط : ما خرج من الأنف .

                                                                                                                        10113 - وليس شيء من ذلك نجس ، ولكن المساجد واجب تنزيهها عن كل ما تستقذره النفس .

                                                                                                                        10114 - وأما قوله : " فإن الله قبل وجهه إذا صلى " فكلام خرج على شأن تعظيم القبلة وإكرامها كما قال طاوس : " أكرموا قبلة الله عن أن تستقبل للغائط والبول " .

                                                                                                                        10115 - حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة في المسجد ; فشق عليه حتى عرفنا ذلك في وجهه ، فحكه وقال : " إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه ، وإنما ربه بينه وبين قبلته ، فليبصق إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه " .

                                                                                                                        10116 - وقال - صلى الله عليه وسلم - " البصاق في المسجد خطيئة . وكفارتها دفنها " .

                                                                                                                        [ ص: 184 ] 10117 - وقد ذكرنا إسناده في " التمهيد " .

                                                                                                                        101118 - وفي هذا دليل على أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه ، ولا يقطع ذلك صلاته ، ولا يعيدها .

                                                                                                                        10119 - وفي ذلك دليل على أن النفخ في الصلاة لا يضرها إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث ; لأن البصاق لا يسلم من شيء من النفخ ، والتنحنح مثل النفخ إذا لم يكن جوابا ولا أريد به معنى الكلام ولا العبث ولا اللعب .

                                                                                                                        10120 - واختلف الفقهاء في هذا المعنى .

                                                                                                                        10121 - فكان مالك يكره النفخ في الصلاة فإن فعله فاعل لا يقطع صلاته .

                                                                                                                        10122 - ذكره ابن وهب عن مالك .

                                                                                                                        [ ص: 185 ] 10123 - وذكره ابن خواز بنداذ قال ، قال مالك : التنحنح والنفخ في الصلاة لا يقطع الصلاة .

                                                                                                                        10124 - رواه ابن عبد الحكم قال : قال ابن القاسم : التنحنح والنفخ في الصلاة يقطع الصلاة .

                                                                                                                        10125 - قال الشافعي : كل ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام ولا يقطع الصلاة إلا الكلام المفهوم .

                                                                                                                        10126 - وقال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن : إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة .

                                                                                                                        10127 - وقال أبو يوسف : لا يقطع الصلاة إلا أن يريد التأفيف ، ثم رجع فقال : صلاته تامة .

                                                                                                                        10128 - وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه : لا إعادة على من نفخ في الصلاة .

                                                                                                                        10129 - والنفخ مع ذلك مكروه عندهما ، إلا أن يكون تأوها من ذكر النار وخوف الله تعالى إذا مر بذلك في القرآن .

                                                                                                                        10130 - وقد زدنا هذا بيانا في " التمهيد " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية