الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        476 451 - وأما حديثه في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره ، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا ، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك عمر ، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر : فحركت بعيري حتى إذا كنت أمام الناس ، وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخا [ ص: 74 ] يصرخ بي ، قال : فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن قال : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال : لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " [ الفتح : 1 ] .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        10526 - قد ذكرنا في ( التمهيد ) من قال فيه عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر فأسنده .

                                                                                                                        10527 - وفيه من وجوه العلم إباحة المشي على الدواب بالليل ، وهذا محمول عند أهل العلم على من لا يمشي بها نهارا ، أو من يمشي بها نهارا بعض المشي ، ويستعمل في ذلك الرفق عند حاجته إلى المشي بالليل لأنها عجم لا [ ص: 75 ] تخبر عن حالها ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق بها والإحسان إليها .

                                                                                                                        10528 - وفيه أن العالم إذا سئل عما لا يريد الجواب فيه إن سكت ولا يجيب ب " نعم " ولا ب " لا " ، ورب كلام جوابه السكوت .

                                                                                                                        10529 - وفيه من الأدب أن سكوت العالم عن الجواب يوجب على المتعلم ترك الإلحاح عليه .

                                                                                                                        10530 - وفيه الندم على إيذاء العالم والإلحاح عليه خوف غضبه وحرمان فائدته في المستقبل ; وقلما أغضب أحد عالما إلا حرم الفائدة منه .

                                                                                                                        10531 - قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما .

                                                                                                                        10532 - وقالوا : كان أبو سلمة يماري ابن عباس ، فحرم بذلك علما كثيرا .

                                                                                                                        10533 - وفيه ما كان عليه عمر ( رضي الله عنه ) من التقوى وخوف الله تعالى ، لأنه خشي أن يكون عاصيا لسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبه ، والمعلوم أن سكوت العالم عن الجواب مع علمه به دليل على كراهة ذلك السؤال .

                                                                                                                        10534 - وفيه ما يدل على أن السكوت عن السائل يعز عليه ، وهذا موجود في طبائع الناس ، ولهذا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر يؤنسه .

                                                                                                                        10535 - وفي ذلك ما يدل على منزلة عمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضعه من قلبه .

                                                                                                                        [ ص: 76 ] 10536 - وفيه أن غفران الذنوب خير للمؤمنين مما طلعت عليه الشمس لو أعطي ذلك ، وذلك تحقير منه بالدنيا وتعظيم للآخرة ، وهكذا ينبغي للعالم أن يحقر ما حقر الله ويعظم ما عظم الله .

                                                                                                                        10537 - وإذا كان غفران الذنوب كما وصف ، فمعلوم أنه ( عليه الصلاة والسلام ) لم يكفر عنه إلا الصغائر ، لأنه لا يأتي كبيرة أبدا لا هو ولا أحد من الأنبياء ، لأنهم معصومون من الكبائر صلوات الله عليهم .

                                                                                                                        10538 - والسفر المذكور في هذا الحديث الذي نزلت فيه سورة الفتح هو منصرفه من خيبر ، وقيل : من الحديبية .

                                                                                                                        10539 - واختلفوا في قوله " فتحا مبينا " الفتح : 1 فقال قوم : خيبر ، وقال آخرون : الحديبية منحره ومحلقه .

                                                                                                                        10540 - وقد ذكرنا أقوالهم في تفسير الآية في ( التمهيد ) .

                                                                                                                        [ ص: 77 ] 10541 - وأما قوله في الحديث : نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن وهب : معناه : أكرهت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة ، أي أتيته بما يكره .

                                                                                                                        10542 - وقال ابن حبيب : ألححت ، وكررت السؤال ، وأبرمت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        10543 - وقال ابن قتيبة : نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : ألححت عليه قال : ومنه قولهم : أعطى عطاء غير منزور ، أي : بغير إلحاح وأنشد :

                                                                                                                        [ ص: 78 ]

                                                                                                                        فخذ عفو ما آتاك لا تنزرنه فعند بلوغ الكدر رنق المشارب

                                                                                                                        ( 1 ) .

                                                                                                                        10544 - وقد ذكر حبيب عن مالك قال : نزرت راجعت .

                                                                                                                        10545 - وقال الأخفش : نزرت البئر إذا أكثرت الإسقاء منها حتى يقل ماؤها يقال بئر نزور أي قليلة الماء وكذلك دمع نزور ، ومعناه أنه سأله حتى قطع عليه كلامه فتبرم به .

                                                                                                                        10546 - وفي إدخال مالك ( رحمه الله ) هذا الحديث في باب ما جاء في القرآن دليل على أنه أراد التعريف بأن القرآن كان ينزل على النبي ( عليه السلام ) على قدر الحاجة وما يعرض له مع أصحابه ، وقد أخبر الله تعالى أنه لم ينزل عليه القرآن جملة واحدة ، وقد أوضحنا هذا المعنى فيما مضى .




                                                                                                                        الخدمات العلمية