الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        41 41 - مالك ، عن زيد بن أسلم ؛ أن عمر بن الخطاب قال : إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ .

                                                                                                                        42 - مالك ، عن زيد بن أسلم ؛ أن تفسير هذه الآية " ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " [ المائدة : 6 ] أن ذلك إذا قمتم من المضاجع ، يعني النوم .

                                                                                                                        [ ص: 70 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 70 ] 1439 - واختلف العلماء فيما يوجب الوضوء من النوم :

                                                                                                                        1440 - فقال مالك : من نام مضطجعا أو ساجدا فليتوضأ ، ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلا أن يطول نومه .

                                                                                                                        1441 - وهو قول : الزهري ، وربيعة ، والأوزاعي في رواية الوليد بن مسلم عنه قال : من نام قليلا لم ينتقض وضوءه ، فإن تطاول ذلك توضأ .

                                                                                                                        1442 - وبه قال أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        1443 - وروى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي : أنه سأل ابن شهاب الزهري عن الرجل ينام جالسا حتى يستثقل ، قال : إذا استثقل نوما فإنا نرى أن يتوضأ .

                                                                                                                        1444 - وأما إن كان نومه غرارا : ينام ويستيقظ ، ولا يغلبه النوم فإن المسلمين قد كان ينالهم ذلك ، ثم لا يقطعون صلاتهم ولا يتوضئون منه .

                                                                                                                        1445 - قال الوليد : سمعت أبا عمرو الأوزاعي يقول : إذا استثقل نوما توضأ .

                                                                                                                        1446 - وروى محمد بن خالد ، عن الأوزاعي قال : لا وضوء من النوم ، وإن توضأ ففضل أحدثه ، وإن ترك فلا حرج . ولم يذكر عنه الفصل بين أحوال النائم .

                                                                                                                        1447 - وسئل الشعبي عن النوم فقال : إن كان غرارا لم ينقض الطهارة .

                                                                                                                        1448 - قال أبو عمر : الغرار : القليل من النوم .

                                                                                                                        [ ص: 71 ] 1449 - قال جرير :

                                                                                                                        ما بال نومك بالفراش غرارا لو كان قلبك يستطيع لطارا

                                                                                                                        .

                                                                                                                        1450 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا وضوء إلا على من نام مضطجعا أو متوركا .

                                                                                                                        1451 - وقال أبو يوسف : إن تعمد النوم في السجود فعليه الوضوء .

                                                                                                                        1452 - وقال الثوري ، والحسن بن حي : لا وضوء إلا على من اضطجع .

                                                                                                                        1453 - وهو قول حماد بن أبي سليمان ، والحكم بن عتيبة ، وإبراهيم النخعي ، وهو ظاهر قول عمر ، لأنه خصص المضطجع ، فوجب أن يكون ما عداه بخلافه .

                                                                                                                        1454 - وروى أبو خالد الدالاني - واسمه : يزيد عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما الوضوء على من نام مضطجعا " .

                                                                                                                        [ ص: 72 ] 1455 - وهو عند أهل الحديث منكر لم يروه مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أبي خالد الدالاني عن قتادة بإسناده .

                                                                                                                        1456 - وقال الليث بن سعد : إذا اتضع للنوم جالسا فعليه الوضوء ، ولا وضوء على القائم والجالس . وإذا غلبه النوم توضأ .

                                                                                                                        1457 - وقال الشافعي : على كل نائم الوضوء إلا الجالس وحده ، فكل من زال عن حد الاستواء ونام فعليه الوضوء .

                                                                                                                        1458 - وسواء نام قاعدا ، أو ساجدا ، أو قائما ، أو راكعا ، أو مضطجعا .

                                                                                                                        [ ص: 73 ] 1459 - وهو قول الطبري ، وداود بن علي .

                                                                                                                        1460 - وروي عن علي ، وابن مسعود ، وابن عمر أنهم قالوا : من نام جالسا فلا وضوء عليه .

                                                                                                                        1461 - وروي عن ابن عمر أنه قال : وجب الوضوء على كل نائم خفق برأسه خفقات .

                                                                                                                        1462 - وروي عنه خفقة أو خفقتين .

                                                                                                                        1463 - والخبر عنه بإسناده في التمهيد .

                                                                                                                        1464 - وقال الحسن ، وسعيد بن المسيب : إذا خالط النوم قلب أحدكم واستغرق نوما فليتوضأ .

                                                                                                                        1465 - وروي ذلك أيضا عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك .

                                                                                                                        1466 - وبه قال إسحاق ، وأبو عبيد ، وهو معنى قول مالك .

                                                                                                                        1467 - وروينا عن أبي عبيدة أنه قال : كنت أفتي أن من نام جالسا لا وضوء عليه حتى خرج إلى جنبي يوم الجمعة رجل فنام ، فخرجت منه ريح ، فقلت له : قم فتوضأ ، فقال : لم أنم ، فقلت : بلى ، وقد خرجت منك ريح تنقض الوضوء ، [ ص: 74 ] فجعل يحلف أنه ما كان ذلك منه ، وقال لي : بل منك خرجت . فتركت ما كنت أعتقد في نوم الجالس ، وراعيت غلبة النوم ومخالطته للقلب .

                                                                                                                        1468 - وكان عبد الله بن المبارك يقول : إن نام جالسا أو ساجدا في صلاته فلا وضوء عليه ، وإن نام ساجدا في غير الصلاة فعليه الوضوء ، وكذلك إن تعمد النوم جالسا وهو في صلاة فعليه الوضوء .

                                                                                                                        1469 - وروي عن أبي موسى الأشعري ما يدل على أن النوم ليس عنده بحدث على أي حال كان حتى يحدث النائم حدثا غير النوم ، لأنه كان ينام ويوكل من يحرسه .

                                                                                                                        1470 - وروي عن عبيدة نحو ذلك ، وهو يشبه ما نزع إليه أصحاب مالك إلا أنهم يوجبون الوضوء مع الاستثقال من أجل ما يداخله من الشك .

                                                                                                                        1471 - وروي عن سعيد بن المسيب : أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ، ثم يصلي .

                                                                                                                        1472 - وقال المزني صاحب الشافعي : النوم حدث كسائر الأحداث ، قليله وكثيره يوجب الوضوء .

                                                                                                                        1473 - وحجته حديث صفوان بن عسال المرادي قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فأمرنا ألا ننزع خفافنا من غائط أو بول أو نوم ، ولا ننزعها إلا من جنابة " .

                                                                                                                        [ ص: 75 ] 1474 - وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد .

                                                                                                                        1475 - قال : ففي هذا الحديث التسوية بين الغائط والبول والنوم مع القياس على ما أجمعوا عليه في أن غلبة النوم وتمكنه حدث يوجب الوضوء ، فوجب أن يكون قليله حدثا كما أن كثيره عند الجمهور حدث .

                                                                                                                        1476 - وليس فيما ذكرنا عن الأشعري وعبيدة ما يخرق الإجماع .

                                                                                                                        1477 - وقد بينا ذلك في " التمهيد " ، وكذلك بينا الحجة على المزني هنالك أيضا .

                                                                                                                        1478 - واحتج من ذهب إلى فعل الأشعري وقول عبيدة بحديث يروى عن النبي - عليه السلام - من حديث علي ، وحديث معاوية : أنه قال : " العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء " .

                                                                                                                        [ ص: 76 ] 1479 - وقد احتج بهذا الحديث أصحابنا لمالك أيضا ، وهما حديثان ضعيفان لا حجة فيهما من جهة النقل . وقد ذكرتهما في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 77 ] 1480 - وأصح ما في هذا الباب من جهة الإسناد حديث ابن عمر قال : " شغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العشاء ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ، ثم [ ص: 78 ] استيقظنا ، ثم رقدنا ، ثم استيقظنا ، ثم خرج علينا فقال : ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم " .

                                                                                                                        1481 - ومثله حديث أنس قال : " كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ، ثم يصلون ولا يتوضئون " .

                                                                                                                        1482 - وقد ذكرنا هذين الحديثين مع سائر الأحاديث الواردة في النوم عن النبي - عليه السلام - في " التمهيد " ، وكذلك عن الصحابة والتابعين ، وكلها تدل على أن من نام جالسا لا شيء عليه .

                                                                                                                        1483 - ومثله حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام جالسا ثم يصلي ، ولا يتوضأ .

                                                                                                                        1484 - قال أبو عمر : في قوله - عليه السلام - : " فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " ما يدل على نوم الليل وشبهه .

                                                                                                                        1485 - ومعلوم منه في الأغلب الاضطجاع والاستثقال . فعلى هذا خرج الحديث ، والله أعلم .

                                                                                                                        1486 - وأما قوله في الحديث : " فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه " فإن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى أن ذلك ندب لا إيجاب ، وسنة لا فرض .

                                                                                                                        [ ص: 79 ] 1487 - وكان مالك يستحب لكل من كان على غير وضوء سواء قام من نوم أو غيره أن يغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه .

                                                                                                                        1488 - وروى أشهب عنه في ذلك تأكيدا واستحبابا .

                                                                                                                        1489 - وروى ابن وهب ، وابن نافع عن مالك في المتوضئ يخرج منه ريح لحدثان وضوئه ويده طاهرة . قال : يغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء أحب إلي .

                                                                                                                        1490 - قال ابن وهب : وقد كان قبل ذلك يقول : إن كانت يده طاهرة فلا بأس أن يدخلها في الوضوء قبل أن يغسلها .

                                                                                                                        1491 - ثم قال : أحب إلي أن يغسل يده إذا أحدث قبل أن يدخلها في وضوئه وإن كانت طاهرة .

                                                                                                                        1492 - وذكر ابن عبد الحكم عنه قال : من استيقظ من نومه ، أو مس فرجه ، أو كان جنبا ، أو امرأة حائضا فأدخل أحدهم يده في وضوئه فليس ذلك يضره ، كان الماء قليلا أو كثيرا إلا أن يكون في يده نجاسة .

                                                                                                                        1493 - قال : ولا يدخل أحدهم يده في وضوء قبل أن يغسلها .

                                                                                                                        1494 - قال أبو عمر : الفقهاء على هذا كلهم يستحبون ذلك ويأمرون به .

                                                                                                                        1495 - فإن أدخل أحد يده بعد قيامه من نومه في وضوئه قبل أن يغسلها ويده نظيفة لا نجاسة فيها فلا شيء عليه ، ولا يضر ذلك وضوءه .

                                                                                                                        [ ص: 80 ] 1496 - وقد ذكرنا في " التمهيد " عن جماعة من الصحابة والتابعين [ ص: 81 ] [ ص: 82 ] أنهم كانوا يتوضئون من المطاهر .

                                                                                                                        1497 - وفي ذلك ما يدلك على أن إدخال اليد السالمة من الأذى في إناء الوضوء لا يضره ذلك .

                                                                                                                        1498 - وقد كان الحسن البصري فيما روى عنه أشعث الحمراني يقول : إذا استيقظ أحدكم من النوم فغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها أهراق ذلك الماء .

                                                                                                                        1499 - وإلى هذا ذهب أهل الظاهر ، فلم يجيزوا الوضوء به ؛ لأنه عندهم ماء منهي عن استعماله ؛ لأن عندهم المنهي عنه لا معنى له إلا هذا ، كأنه قال : فلا يدخل يده ، فإن فعل لم يتوضأ بذلك الماء .

                                                                                                                        1500 - وإلى هذا المعنى ذهب بعض أصحاب داود .

                                                                                                                        1501 - ومحصل مذهب داود عند أكثر أصحابه أن فاعل ذلك عاص إذا كان بالنهي عالما . والماء طاهر ، والوضوء به جائز ما لم تظهر فيه نجاسة .

                                                                                                                        1502 - وروى هشام عن الحسن قال : من استيقظ من نومه فغمس يده في وضوئه فلا يهرقه .

                                                                                                                        [ ص: 83 ] 1503 - وعلى هذا جماعة الفقهاء .

                                                                                                                        1504 - واختلف أيضا عن الحسن البصري في الفرق بين نوم الليل والنهار في ذلك : فروي عنه أنه كان يسوي بين نوم الليل والنهار في غسل اليد ، وروي عنه أنه كان لا يجعل نوم النهار مثل نوم الليل ، ويقول : لا بأس إذا استيقظ من نوم النهار أن يغمس يده في وضوئه .

                                                                                                                        1505 - وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        1506 - وقد ذكرنا الإسنادين والروايتين عن الحسن في " التمهيد " .

                                                                                                                        1507 - وذكر أبو بكر الأثرم قال : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل يستيقظ من نومه فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ، فقال : أما بالنهار فليس به عندي بأس ، وأما إذا قام من النوم بالليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها . قيل لأحمد : فما يصنع بذلك ؟ قال : إن صب الماء وأبدله فهو أحسن وأسهل .

                                                                                                                        1508 - قال أبو عمر : إنما خرج ذكر المبيت على الأغلب ، ونوم النهار في معنى نوم الليل في القياس ، لأنه نوم كله .

                                                                                                                        1509 - وفي قولهم : بت أراعي النجوم دليل على أن المبيت غير النوم ، وأنه يكون بنوم وبغير نوم .

                                                                                                                        1510 - واحتج بعض أصحاب الشافعي لمذهبه في الفرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه بحديث أبي هريرة هذا ، قال : ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خاف على النائم المستيقظ من نومه أن تكون في يده نجاسة - أمره بطرح [ ص: 84 ] الماء من الإناء على يده ليغسلها ، ولم يأمر بإدخال يده في الإناء ليغسلها فيه ؟ بل نهاه عن ذلك فدلنا ذلك مع نهيه عن البول في الماء الدائم ، وحديث ولوغ الكلب في الإناء ، وأمره بالصب على بول الأعرابي . على أن النجاسة إذا وردت على الماء أفسدته ، وإذا ورد الماء عليها طهرها إلا أن تغلب عليه ، لأنها لو أفسدته مع وروده عليها لم تصح طهارة أبدا في شيء من الأشياء . وشرطوا أن يكون ورود الماء على النجاسة صبا مهراقا . 50 1511 - قال أبو عمر : هذا خلاف أصلهم أن الشك لا يوجب شيئا ، وأن كل شيء على أصل حاله حتى يتبين خلافه .

                                                                                                                        1512 - وينبغي أن تكون اليد على طهارتها حتى تتبين فيها النجاسة ، وهذا عين الفقه ، وعليه الفقهاء ، لأن غسل اليد هاهنا هو عندهم ندب واستحسان واحتياط لا علة كما زعم من قال : إن ذلك كان منه - عليه السلام - لأنهم كانوا يستنجون بالأحجار ، فيبقى للأذى هناك آثار فربما جالت اليد فأصابت ذلك الأذى ، فندبوا إلى غسل اليد قبل إدخالها في الإناء لذلك .

                                                                                                                        1513 - وقد يجوز أن يكون الأصل في مخرج النهي ما ذكر ، ثم ثبت الندب في ذلك لمن استنجى بالماء قياسا على المحدث النائم .

                                                                                                                        [ ص: 85 ] 1514 - وينتقض على الشافعي أصله في ورود الماء على النجاسة ، وورودها عليه باعتبار القلتين ؛ لأن النجاسة عنده لو ورد الماء عليها فيما دون القلتين أفسدته إلا أن تكون غسلا وصبا مهراقا .

                                                                                                                        1515 - وسيأتي القول في حكم الماء في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

                                                                                                                        1516 - وأما معنى قول الله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة [ المائدة : 6 ] فقال زيد بن أسلم ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي : إن ذلك [ ص: 86 ] القيام من النوم .

                                                                                                                        1517 - وروي عن عمر ، وعلي ما يدل على أن الآية عني بها تجديد الوضوء لكل صلاة .

                                                                                                                        1518 - فيكون - على هذا - الوضوء لمن قام إلى الصلاة وهو محدث واجبا ، وعلى غير محدث ندبا وفضلا .

                                                                                                                        1519 - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ لكل صلاة إلا يوما واحدا عام الفتح .

                                                                                                                        [ ص: 87 ] 1520 - وكان جماعة من الصحابة يفعلون ذلك .

                                                                                                                        1521 - وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في " التمهيد " .

                                                                                                                        1522 - وروي عن ابن عباس ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى الأشعري ، وجابر بن عبد الله ، وعبيدة السلماني ، وأبي العالية الرياحي ، وسعيد بن المسيب ، والأسود بن يزيد ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والسري أيضا - أن الآية عني بها حال القيام إلى الصلاة على غير الطهر .

                                                                                                                        1523 - وهذا أمر مجتمع عليه ، لا خلاف بين الفقهاء فيه والحمد لله .

                                                                                                                        1524 - وروى سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة . عن أبيه : " أن النبي - عليه السلام - كان يتوضأ ، لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد . فقال له عمر : يا رسول الله ، فعلت شيئا لم تكن تفعله ! فقال عمدا فعلته يا عمر " .

                                                                                                                        1525 - أي ليعلم الناس ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 88 ] 1526 - ومن الدليل أن الأمر بالوضوء على من وجب عليه القيام إلى الصلاة في قوله عز وجل : إذا قمتم إلى الصلاة الآية - ليس بواجب إلا إن كان محدثا على غير وضوء ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجمع بين الصلاتين في أسفاره ولا يتوضأ إلا للأولى منهما ، وكذلك فعل بعرفة ، والمزدلفة في جمعه بين الصلاتين بهما .

                                                                                                                        1527 - ومن الدليل على ذلك أيضا ما روي في الآثار الصحاح أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا مستها النار ، وطعاما مسته النار ، وقام إلى الصلاة ، ولم يتوضأ .

                                                                                                                        [ ص: 89 ] 1528 - وإنما ذكرنا هذا لأنا قد أوضحنا اختلاف العلماء في الوضوء مما غيرت النار في موضعه من هذا الكتاب ، وأتينا بالآثار المروية في إيجاب الوضوء على من أكل ما غيرته النار من الطعام ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        1529 - وكان ابن عمر يتوضأ لكل صلاة فقيل له في ذلك : فقال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من توضأ على طهر كتبت له عشر حسنات " .

                                                                                                                        1530 - وهذا كله يدلك على معنى الفرض وموضع الفضل . وهذا أمر مجمع عليه ، فسقط القول فيه .

                                                                                                                        1531 - وفي هذا الحديث من الفقه أيضا الفرق بين ورود النجاسة على الماء وبين ورود الماء عليها ؛ لأن النبي - عليه السلام - نهى القائم إلى وضوئه من نومه أن يغمس يده في الإناء ، لئلا يكون فيها من النجاسة ما يفسد الماء عليه وأمره بصب الماء على يده وغسلها ببعض ماء الإناء الذي نهاه أن يغمس يده فيه .

                                                                                                                        1532 - فدل على أن الماء يطهر النجاسة بأن يصب عليها حتى تزول ، بقليل الماء زالت أو كثيره على حسب المعهود عند الناس من تطهير الأنجاس . ولم تعتبر في ذلك قلة ولا كثرة ولا مقدار كما قال - عليه السلام - في الماء الذي ترد عليه النجاسة ، وهذا بين لمن وفق ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية