الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أيسرا قبل الحول فإن كان يسرهما مما دفع إليهما فإنما بورك لهما في حقهما ، فلا يؤخذ منهما وإن كان يسرهما من غير ما أخذ منهما ما دفع إليهما ؛ لأن الحول لم يأت إلا وهما من غير أهل الصدقة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذه المسألة معطوفة على التي قبلها ، وهو أن يتعجل الوالي الصدقة لأهل السهمان ، ويدفعها إلى فقير أو فقيرين ، فيستغني من تعجيلها ، فلا يخلو حال استغنائه ويساره من أحد أمرين : إما أن يكون قبل الحول ، أو بعده ، فإن كان بعد الحول فلا يسترجع منه ما تعجله ، سواء كان يساره مما تعجله أو من غيره ، لأنه قد كان من أهل الصدقة وقت الوجوب ، وإن كان يساره قبل الحول ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مما تعجله .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون من غيره ، فإن كان يساره مما تعجله لم يسترجع منه لأمرين .

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لو كان عند الحول فقيرا ، جاز أن يدفع إليه من الزكاة ما يستغني به ، فإذا كان غنيا به فلا معنى لاسترجاعه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه إذا استرجع منه صار فقيرا يستحق أخذ الزكاة ، فلا معنى لأخذها منه وردها عليه ، وإن كان يساره من غير ما تعجله وجب استرجاع ما أخذه ، بخلاف قول أبي [ ص: 170 ] حنيفة ؛ لأنه تعجل الزكاة لكونه من أهلها ، ويساره يمنع أن يكون مستحقا لها ، ثم الفرق بين أن يكون يساره مما تعجله أو من غيره ، المعنيان اللذان ذكرناهما قبل ، فلو تعجلها وهو فقير فاستغنى من غيرها قبل الحول ثم افتقر عند حلول الحول ففي استرجاعها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تسترجع لأنه فقير حال الدفع وحال الوجوب .

                                                                                                                                            والثاني : تسترجع لأنه قد خرج من أهل الزكاة باستغنائه فلم يجز إقرارها في يده ، والأول أظهر ، ولكن لو تعجلها وهو غني وشرط أنه إن افتقر عند حلول الحول فهي له ، فحال الحول وهو فقير لم يجز ووجب استرجاعها منه ؛ لأن المقصود بتعجيل الزكاة الارتفاق بأخذها ، والغني لا يرتفق بها فلم تقع الزكاة موقعها ، فإن قيل : لو أوصى لوارث فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث صحت الوصية ، اعتبارا بحال الوجوب ، فهلا قلتم لمن عجل زكاته لغني ثم افتقر عند حلول الحول بجواز التعجيل اعتبارا بحال الوجوب ، قيل : هما في المعنى سواء ؛ لأن الوصية تملك بالموت ، فاعتبر حاله عند الموت ، والتعجيل يملك بالدفع ، وإنما يستقر الملك بالحول ، فاعتبر حاله وقت الدفع . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية