الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن ورثوا نخلا فاقتسموها بعدما حل بيع ثمرها في جماعتها خمسة أوسق فعليهم الصدقة : لأن أول وجوبها كان وهم شركاء اقتسموها قبل أن يحل بيع ثمرها فلا زكاة على أحد منهم حتى تبلغ حصته خمسة أوسق . ( قال المزني ) هذا عندي غير جائز في أصله لأن القسم عنده كالبيع ولا يجوز قسم التمر جزافا وإن كان معه نخل ، كما لا يجوز عنده عرض بعرض مع كل عرض ذهب تبع له أو غير تبع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة : في رجل مات وخلف نخلا مثمرا قدر ثمرتها خمسة أوسق فأكثر ، فلا يخلو حال موته من أحد أمرين : إما أن يكون بعد بدو الصلاح ، أو قبله ، فإن مات بعد بدو الصلاح فقد وجبت عليه زكاتها ، وعلى الورثة إخراجها عنه وقت صرامها ، وليس للورثة الاقتسام لها قبل إخراج الزكاة عنها ، لتعلق حق المساكين بها ، فإن اقتسموا قبل إخراج زكاتها كان في القسمة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : باطلة إذا قيل بوجوب الزكاة في العين .

                                                                                                                                            [ ص: 214 ] والثاني : جائزة إذا قيل بوجوب الزكاة في الذمة ، فإذا جاء الساعي مطالبا بالزكاة لم تخل حال حصصهم من الثمر من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون حصص جميعهم باقية .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون حصص جميعهم تالفة .

                                                                                                                                            والثالث : أن تكون حصص بعضهم باقية وحصص بعضهم تالفة ، فإن كانت حصة كل واحد منهم باقية في يده أخذ من كل واحد منهم الزكاة بقسط ما حصل له من الثمرة ، وإن كانت حصة بعضهم باقية وحصص الباقين تالفة أخذ الزكاة من الحصة الباقية ورجع صاحبها على ما في يد شركائه بقدر حصصهم من الزكاة ، وفيها وجه آخر : أن ذلك مبطل للقسمة على ما ذكرنا في الصداق ، وإن كانت حصة كل واحد منهم تالفة نظر ، فإن كان للميت تركة سوى الزكاة يتسع لأخذ الزكاة منها أخذ الزكاة من تركته ، ولا مطالبة له على ورثته : لأن وجوب الزكاة في ذمته ، فكان الرجوع بها في تركته أولى من الرجوع بها على ورثته ، وإن كان تلف المال المزكى من جهتهم : لأن أخذها من تركته أنقص كما لو ترك دينا وعينا وجب الرجوع بها فيما ترك من العين دون ما خلف دون الدين ، وإن لم يترك الميت سوى الثمرة التي اقتسم بها الورثة نظر ، فإن كان جميع الورثة موسرين بها أخذ من كل واحد منهم قدر حصته منها ، كما لو كانت باقية في أيديهم ، وإن كان بعضهم موسرا بها وبعضهم معسرا أخذ من الموسر ، وكان دينا للموسر على شركائه بقدر حصصهم كما لو بقيت حصة أحدهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية