الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو اشترى عرضا بدنانير أو بدراهم أو بشيء تجب فيه الصدقة من الماشية وكان إفادة ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول من يوم أفاد ثمن العرض ثم يزكيه بعد الحول " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما إن اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم أو بعشرين دينارا ، فحول هذا العرض من حين ملك الدراهم والدنانير : لأن هذا العرض فرع لأصله : لأنه يقوم به ، فوجب أن يبني حوله على حوله فأما إن اشترى عرضا للتجارة بخمس من الإبل سائمة ، أو أربعين من الغنم أو ثلاثين من البقر ، فهل يستأنف حوله أو يبني على حول أصله ؟ على وجهين لأصحابنا .

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي سعيد الإصطخري : أنه يبني حول العرض على حول أصله استدلالا بمذهب وحجاج .

                                                                                                                                            [ ص: 291 ] أما المذهب فقول الشافعي : " ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير أو بشيء تجب فيه الصدقة من الماشية فجمع بين الماشية والدراهم ، ثم قال : " لم يقوم العرض حتى يحول الحول من يوم أفاد ثمن العرض " فكان صريح نفيه وموجب جمعه من يوم يقتضي أن يكون حوله مبقيا على حول أصله .

                                                                                                                                            وأما الحجاج ، فهو أنه صرف حولا تجب فيه الزكاة في فرع تجب فيه الزكاة فوجب أن يكون حول الفرع معتبرا بأصله ، كما لو ملكه بنصاب من ذهب أو ورق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس وأبي إسحاق وجمهور أصحابنا يستأنف له الحول ، ولا يبنيه على حول الأصل واختاره المزني واحتج له بشيئين .

                                                                                                                                            أحدهما : أن نصاب الماشية مخالف لنصاب التجارة : لأن نصاب الماشية إما خمس من الإبل أو ثلاثون من البقر أو أربعون من الغنم ، ونصاب التجارة إما عشرون دينارا أو مائتا درهم ، فلم يجز أن يبني حول أحدهما على الآخر مع اختلاف نصابهما .

                                                                                                                                            والثاني : زكاة الماشية مخالفة لزكاة التجارة : لأن زكاة التجارة ربع عشرها وزكاة الماشية تارة شاة ، وتارة بقرة ، وتارة بنت مخاض ، فلم يجز أن يبنى حول أحدهما على الآخر مع اختلاف زكاتهما وبهذا يفسد ما احتج به أبو سعيد ، فأما ما ادعاه مذهبا ففيه ثلاثة أجوبة .

                                                                                                                                            أحدها : أن مسألة الشافعي مفروضة فيمن ملك ماشية فاشترى بها عرضا في اليوم الذي ملكها فيه فكان حول العرض من اليوم الذي ملك فيه الماشية : لأنه ملكها في يوم واحد وقد أفصح الشافعي بهذا في المسألة فقال : " ولو اشترى عرضا للتجارة بدنانير أو بدراهم أو بشيء تجب فيه الصدقة من الماشية " فكان إفادة ما اشترى به ذلك العرض من يومه .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : أن مسألة الشافعي محمولة على ماشية اشتراها للتجارة وسامها فوجبت فيها زكاة التجارة ، وسقطت زكاة العين على أحد القولين ثم ابتاع بها عرضا للتجارة ، فحول العرض من حين ملك الماشية : لأن زكاة الماشية في قيمتها كالعرض .

                                                                                                                                            والجواب الثالث : أن الشافعي جمع بين الدراهم والدنانير ، وبين الماشية ثم عطف بالجواب على الدراهم والدنانير دون الماشية ، وذلك ظاهر في جوابه : لأنه قال : حتى يحول عليه الحول من يوم أفاد ثمن العرض ، ومطلق الأثمان الدراهم والدنانير فكان الجواب راجعا إليهما ومحمولا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية