الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أنها على الترتيب ، فيبدأ أولا بعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل إضرارا بينا ، وأجاز أبو حنيفة عتق رقبة كافرة ، والكلام يأتي معه في كتاب الظهار إن شاء الله ، فإن عدم الرقبة ولم يقدر عليها ، صام شهرين متتابعين سوى يوم القضاء ، وقال الأوزاعي : إن كفر بالصيام سقط عنه القضاء ، والدلالة عليه رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي : " صم يوما مكان ما أصبت واستغفر الله " وقال ابن أبي ليلى : إن صامه منفردا أجزأه والدلالة عليه قوله صلى الله عليه وسلم صم شهرين متتابعين سوى يوم القضاء فإذا أفطر فيها يوما لزمه الاستئناف على ما سيأتي بيانه إن شاء الله ، فإن عجز عن الصيام ، أطعم ستين مسكينا لكل مسكين مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من الأقوات المزكاة ، على ما مضى في كتاب الزكاة " .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن أخرج شعيرا أو تمرا فعليه لكل مسكين صاع ، وإن أخرج برا فنصف صاع والدلالة عليه قوله صلى الله عليه وسلم " أطعم ستين مسكينا " فقال : لا أجد . فدعا بفرق فيه خمسة عشر صاعا تمرا وقال : " أطعمه ستين مسكينا " والصاع أربعة أمداد ، فدل على أن الواجب لكل مسكين مد ، فإن عدم الإطعام ولم يجد إلى التكفير سبيلا ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : قد سقطت عنه الكفارة ، وبرئت ذمته منها فإن قدر عليها فيما بعد يلزمه إخراجها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للأعرابي في أكل التمر حين أخبره بحاجته ، ولم يأمره بإخراجها إذا قدر عليها مع جهله بالحكم فيها ، وقياسا على زكاة الفطر إذا عدمها وقت الوجوب ، ثم وجدها فيما بعد لتعلقها بطهرة الصوم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو الصحيح أن الكفارة لازمة له ، وإخراجها واجب عليه ، إذا أمكنه ؛ لأن الأعرابي لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجزه عن أجناس الكفارة ، لم يبين له سقوطها عنه بل أمر له بما يكفر به من التمر ، فدل على ثبوتها في ذمته ، وإن عجز عنها ، وقياسا على جزاء الصيد يلزمه وإن أعسر به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية