الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن قضى متفرقا أجزأه ومتتابعا أحب إلي " .

                                                                                                                                            [ ص: 454 ] قال الماوردي : وهذا صحيح ، الأولى في القضاء أن يأتي به متتابعا ، وإن قضى متفرقا أجزأه ، وبه قال ابن عباس ومعاذ وأبو هريرة وأنس بن مالك ورافع بن خديج ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء .

                                                                                                                                            وحكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم ، وداود وغيره من أهل الظاهر أنهم قالوا : إن قضى متفرقا لم يجزه ؛ تعلقا بقوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] وهذا أمر يلزم المبادرة به ، وبما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان عليه شيء من صوم رمضان فليسرده ولا يفرقه " قالوا : ولأن القضاء في كل عبادة مثل الأداء ثم تقرر أن التتابع شرط في أداء رمضان فكذلك في قضائه ، ودليلنا قوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] ، ففي أي زمان قضي كان ممتثلا للأمر ، فإن قيل : فهذا أمر والأمر على الفور لا على التراخي ، قلنا لنا فيه مذهبان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه على التراخي ، فلم يلزمنا هذا السؤال .

                                                                                                                                            والثاني : أنه على الفور لكن قام دليل على التراخي ، وفي قوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] ، دليل على جواز التراخي ؛ لأن تقديره فعدة في أيام أخر وروى عبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان عليه شيء من رمضان . فإن شاء صامه متتابعا ، وإن شاء صامه متفرقا " وروى أبو الزبير عن جابر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقطيع قضاء رمضان قال : " أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه بالدرهم والدرهمين أما كان قد قضى دينه " فقال : نعم ، الله أحق أن يغفر ولأن القضاء في كل عبادة مثل الأداء ثم تقرر أن التتابع ليس من شرط الأداء ؛ لأنه لو أفطر يوما من الشهر لم يبطل ما يليه من الطرفين ، فكذلك القضاء فأما الآية فدليلنا ، وأما حديث أبي هريرة إن صح فمحمول على الاستحباب ، فأما الاستدلال فقد قلبناه عليهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية