الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 233 ] باب التيمم

                                                                                                                                            ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء [ النساء : 43 ] . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم فمسح وجهه وذراعيه ( قال ) ومعقول إذا كان بدلا من الوضوء على الوجه واليدين أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه وعن ابن عمر أنه قال : " ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والأصل في التيمم وبيان حكمه بعد الهجرة ما رواه الشافعي عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سقطت قلادتها ليلة الأبواء فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين في طلبها فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ولم يدريا كيف يصنعان فنزلت آية التيمم : فقال أسيد بن حصين : جزاك الله خيرا فما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله منه مخرجا وللمسلمين فيه خيرا : فهذا هو السبب في نزول فرض التيمم ، فذكره الله تعالى في آيتين من كتابه في سورة النساء ، وسورة المائدة ، فقال : فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه .

                                                                                                                                            والتيمم في اللغة هو القصد قال الله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون [ البقرة : 267 ، ] أي : ولا تقصدوا ، وقال الشاعر :


                                                                                                                                            تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمة ذي شزن

                                                                                                                                            وقال آخر :


                                                                                                                                            وما أدري إذا يممت أرضا     أريد الخير أيهما يليني
                                                                                                                                            ألخير الذي أنا أبتغيه     أم الشر الذي هو يبتغيني

                                                                                                                                            [ ص: 234 ] فصار معنى قوله : فتيمموا أي اقصدوا ، وكان عبد الله بن مسعود يقرأ فأتوا صعيدا طيبا ، فأما الصعيد ففيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه اسم لكل ما تصاعد من الأرض ، وهو قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه اسم للتراب وحده ، وهو قول الشافعي ، وأما قوله طيبا ففيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : يعني حلالا ، وهو قول سفيان .

                                                                                                                                            والثاني : يعني طاهرا ، وهو أشبه ، ثم قال : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه فاقتصر الله تعالى بالتيمم على الوجه واليدين ، دون الرأس والرجلين ، لأن في مسح الرأس بالتراب مضاهاة لأرباب المصائب والرجلان لا يخلو التراب منهما في السفر غالبا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية