الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة ، فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحج عنه بوجوب الفرض عليه . إذا أذن له وقبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحج عنه متى شاء ، وليس له الرجوع بعد القبول ، فإن قيل : فبذله للطاعة وقبوله للإذن جار مجرى الهبة قبل القبض فاقتضى أن يكون مخيرا في الرجوع قبل الإحرام ، قيل : قد ذهب إلى هذا بعض أصحابنا البصريين ، وليس بصحيح لأن بذله للطاعة قد ألزم غيره فرضا لم يكن ، وفي رجوعه إسقاط للفرض قبل أدائه ، ولا يجوز إسقاط الفرض بعد وجوبه إلا بأدائه ، فلذلك لم يكن له الرجوع بعد البذل والقبول ، وليست الهبة من هذا السبيل على أن قبوله الإذن بعد البذل يجري مجرى الهبة بعد القبض فإن قيل : فلو بذل الماء لغيره في السفر عند عدمه ، لم يلزمه إقباضه وجاز له الرجوع فيه ، وإن كان قد ألزم غيره فرضا ببذله فهلا كان في بذل الحج كذلك ، قيل الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما أن بذل الماء ليس بموجب لفرض الطهارة ، وإنما غير صفة الأداء ، وبذل الحج أوجب فرضه .

                                                                                                                                            والثاني : أن المبذول له الماء يرجع إلى بذل يقوم مقام استعمال الماء ، وهو التيمم وليس للحج بدل يرجع إليه المبذول له ، فافترقا من هذين الوجهين فإذا تقرر هذا فعلى المبذول له أن يأذن ، وعلى الباذل أن يحج ، فإن امتنع المبذول له من الإذن ، فهل يقوم الحاكم مقامه في الإذن للباذل أم لا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي إسحاق يقوم الحاكم مقامه ، فيأذن للباذل في الحج لأن الإذن قد لزمه ومتى امتنع من فعل ما وجب عليه ، قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه كالدين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الصحيح إن إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه لأن البذل كان لغيره ، فإن أذن المبذول له قبل وفاته انتقل الفرض عنهم إلى الباذل ، وإن لم يأذن حتى مات لقي الله سبحانه ، وفرض الحج واجب عليه ، فلو حج الباذل بغير إذن المبذول له كانت الحجة [ ص: 12 ] واقعة عن نفسه ، لأن الحج على الحي لا يصح بغير إذنه ، وكان فرض الحج باقيا على المبذول له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية