الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن إحرامه لا يصح بغير إذن وليه فالأولياء على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ذوو الأنساب .

                                                                                                                                            والثاني : أمناء الحكام .

                                                                                                                                            والثالث : أوصياء الأباء ، فأما ذوو الأنساب فعلى ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : من يصح إذنه .

                                                                                                                                            والثاني : من لا يصح إذنه .

                                                                                                                                            والثالث : من اختلف أصحابنا في صحة إذنه ، فأما من يصح إذنه فهم الآباء والأجداد من قبل الآباء الذين يستحقون الولاية عليه في ماله ، وأما من لا يصح إذنه فهم من لا ولادة فيه [ ص: 208 ] ولا تعصيب كالإخوة للأم ، والأعمام للأم والعمات من الأب والأم ، والأخوال والخالات من قبل الأب والأم ، فلا يصح إذنهم له في الإحرام وإن كان لهم ولاية في الحضانة لا يختلف أصحابنا فيه ، وأما من اختلف من أصحابنا في صحة إذنه فهم من عدا هذين الفريقين ، ولأصحابنا فيهم ثلاثة مذاهب بناء على اختلافهم في معنى إذن الأب والجد ، فأحد المذاهب الثلاث أن المعنى في إذن الأب والجد استحقاق الولاية عليه في ماله ، فعلى هذا لا يصح إذن الجد من الأم ، ولا يصح إذن الأخ والعم ؛ لأنهم لا يستحقون الولاية عليه في ماله ، وإلى هذا أشار صاحب كتاب " الإفصاح " فأما الأم والجد فعلى الصحيح من مذهب الشافعي لا ولاية لها عليه بنفسها ، فعلى هذا لا يصح إذنها وعلى قول أبي سعيد الإصطخري تلي عليه بنفسها ، فعلى هذا يصح إذنها له وقد روى ابن عباس " أن امرأة أخذت بعضد صبي كان معها ، وقالت : ألهذا حج ؟ فقال : نعم ولك أجر " ومعلوم من قوله ولك أجر أن ذلك لإذنها له ، وبإنابتها عنه ، والمذهب الثاني : أن المعنى في إذن الأب والجد ما فيه من الولادة والعصبة ، فعلى هذا يصح إذن سائر الآباء والأمهات وجميع الأجداد والجدات من قبل الآباء والأمهات ؛ لوجود الولادة فيهم ، وقد روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه طاف بعبد الله بن الزبير على يده ملفوفا في خرقة ، وكان ابن ابنته أسماء رضي الله عنهم ، فأما سائر العصبات من الإخوة وبنيهم ، والأعمام وبنيهم فلا يصح إذنهم لعدم الولادة فيهم ، وإلى هذا ذهب أكثر أصحابنا البصريين ، وأشار إليه أبو إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أن المعنى في إذن الأب والجد وجود التعصيب فيهما ، فعلى هذا يصح إذن سائر العصبات من الإخوة ، وبنيهم والأعمام وبنيهم ، ولا يصح إذن الأم والجد للأم ؛ لعدم التعصيب وإلى هذا ذهب كثير من أصحابنا البغداديين ، وهذا الكلام في ذوي الأنساب ، فأما أمناء الحكام فلا يصح إذنهم له ، وهو إجماع علماء أصحابنا ؛ لأن ولايتهم تختص بماله دون بدنه ، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب ، فلم يصح إذنهم ، فأما أوصياء الآباء ففيهم وجهان لأصحابنا :

                                                                                                                                            أحدهما : يصح إذنهم كالآباء لنيابتهم عنهم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أصح ، أن إذنهم لا يصح كأمناء الحكام ؛ لأن ولايتهم ليست بنفوسهم ؛ ولأنها تختص بأموالهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية