الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وما تلذذ منها دون الجماع فشاة تجزئه ، فإن لم يجد المفسد بدنة فبقرة ، فإن لم يجد فسبعا من الغنم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال وطء المحرم ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : في الفرج ، والآخر دون الفرج ، فإن كان دون الفرج لم يفسد الحج ، سواء أنزل أو لم ينزل ، وعليه " شاة " أنزل أو لم ينزل ، وكذلك لو قبل أو لمس بشهوة فعليه " شاة " وحجه مجزئ .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن أنزل فسد حجه كالوطء في الفرج ، وإن لم ينزل لم يفسد ، استدلالا بعموم قوله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [ البقرة : 197 ] ، فكان الرفث يتناول الجماع في الفرج وغيره ، ثم كان الوطء في الفرج مفسدا للحج ، وجب أن يكون الوطء دون الفرج مفسدا للحج ؛ ولأنها عبادة يفسدها الوطء في الفرج ، فوجب أن يبطلها الإنزال عن المباشرة دون الفرج كالصوم .

                                                                                                                                            ودليلنا ما روي عن عمر ، وابن عباس أنهما قالا : إذا قبل المحرم امرأته فعليه شاة ، ولم يفرقا بين وجود الإنزال وعدمه ، وليس يعرف لهما مخالف : ولأنهما مما لا يتعلق الحج بشيء من جنسه ، فوجب أن لا يفسد الحج به كالمباشرة بغير إنزال : ولأنه لما استوى حكم الوطء في الفرج بين الإنزال وعدمه في أنه غير مفسد للحج ؛ ولأن الوطء في الفرج أغلظ حكما من الوطء دون الفرج ، فلم يجز أن يستوي حكمهما في إفساد الحج مع اختلافهما وتباينهما .

                                                                                                                                            فأما الآية فتقتضي حظر الجماع ، وإطلاق الجماع يتناول الوطء في الفرج دون غيره ، وأما قياسه على الصوم فغير صحيح : لأن الصوم أضعف حالا من الحج : لأنه يبطل بالوطء وغير الوطء من الأكل والشرب ، فجاز أن يبطل بالوطء دون الفرج ، والحج لا يبطل بغير الوطء فجاز أن لا يبطل بالوطء دون الفرج .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية