الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن لم يجد قومت البدنة دارهم بمكة ، والدراهم طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، قد ذكرنا أن كفارة الواطئ في إحرامه المفسد له بوطئه " بدنة " ودليلنا عليه وإذا كان ذلك ثابتا ، فقد قال الشافعي فإن لم يجد المفسد بدنة " " فبقرة " فإن لم يجد فسبع من الغنم ، فإن لم يجد قوم " البدنة " دراهم بمكة والدراهم طعاما ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، فجعل للبدنة أربعة أبدال مرتبة ، فبدأ بالبدنة وجعل البقرة بدلا من البدنة ، وجعل السبع من الغنم بدلا من البقرة ، وجعل الطعام بدلا من الغنم ، وجعل الصيام بدلا من الإطعام ، فلم يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابه أن البدنة والبقرة والغنم مقدم على الإطعام والصيام في الترتيب ، واختلف أصحابنا في البدنة والبقرة والغنم هل هي على الترتيب أو على التخيير على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو منصوص في هذا الموضع أنها على الترتيب ، وبه قال ابن عمر فيبدأ ببدنة تجوز أضحية ، فإن لم يجد فبقرة تجوز أضحية ، فإن لم يجد فسبع من الغنم تجوز [ ص: 225 ] أضحية ، ولا تجزئه البقرة إلا عند عدم البدنة ، ولا تجزئه الغنم إلا عند عدم البقرة ، وإنما كان كذلك ؛ لأنه لما كانت كفارة الوطء كأغلظ كفارات الحج تقديرا ، وجب أن يكون كأغلظها ترتيبا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها على التخيير وبه قال ابن عباس ، فإن أخرج البقرة مع وجود البدنة أو أخرج الغنم مع وجود البقرة أجزأه ؛ لأن البدنة في الحج لا تجب إلا في قتل النعامة والإفساد ، فلما وجبت البدنة في جزاء النعامة على وجه التخيير اقتضى أن تجب في إفساد الحج على وجه التخيير .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية