الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو لم يفسد فمات قبل أن يتم الحج ، فله بقدر عمله ولا يحرم عن رجل إلا من قد حج مرة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح وجملة ذلك أن من استؤجر ليحج عن ميت فمات لم تخل حال موته من ثلاثة أقسام : إما أن يموت قبل الإحرام أو يموت بعد كمال الأركان ، أو يموت بعد الإحرام وقبل كمال الأركان .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يموت قبل الإحرام فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يموت قبل التوجه في سفره وقبل الحصول بميقاته ؛ فمذهب الشافعي أنه لا يستحق بسفره شيئا من الأجرة : لأن قطع المسافة إنما يراد للعمل ، فإذا لم يقترن به عمل لم [ ص: 273 ] يستحق عليه عوضا ؛ ألا ترى أن من استؤجر لبناء حائط فجمع الآلة للبناء ثم لم يبن ، لم يستحق شيئا من الأجرة لعدم المقصود بالعقد ؟ كذلك الإجارة على الحج ، وقد خرج قول آخر : أن له من الأجرة بقدر المسافة مخرجا من احتلاف قوليه في الأجرة : هل تتقسط على المسافة والعمل أم لا ؟ وهو مذهب أبي سعيد الإصطخري وهذا غير صحيح : لأن المسافة إنما تتقسط الأجرة عليها على أحد القولين إذا اقترن بها العمل المقصود ، فأما إذا لم يقترن بها العمل فلا تتقسط عليها الأجرة ، فإذا ثبت أنه لا يستحق بذلك شيئا من الأجرة نظر في الإجارة ؛ فإن كانت معينة بطلت ، وإن كانت في الذمة لم تبطل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يموت بعد التوجه في سفره وبعد مجاوزة ميقاته وقبل الإحرام بنسكه ، فالكلام في استحقاق الأجرة بسفره على ما مضى ، لكن قد اختلف أصحابنا : هل وجب عليه لمجاوزة الميقات دم أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قد وجب عليه دم في ماله : لأنه قد جاوز الميقات مريدا الإحرام كالحي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الصحيح لا دم عليه : لأن مجاوزة الميقات إنما يجب بها الدم إذا تعقبها الإحرام ، والموت قاطع عن الإحرام فصار كمن مر بميقاته مريدا الحج فلم يحرم في عامه ولا دخل مكة بعد مجاوزته ، فهذا الكلام فيما إذا مات قبل الإحرام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية