الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن يموت بعد الإحرام وقبل كمال الأركان كأنه أحرم وأتى ببعض الأركان وبقي بعضها ثم مات قبل إكمالها فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الإجارة معينة .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون في الذمة . فأما الضرب الأول وهو أن تكون الإجارة معينة ؛ فقد بطلت فيما بقي من الأركان ، فأما الماضي منها فثوابه للمستأجر دون الأجير ؛ لأن الموت لم ينقل الإحرام عن المستأجر إلى الأجير ، وهل يستحق الأجير من الأجرة بقسط ما عمل من الأركإن أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            [ ص: 274 ] أحدهما : وهو قوله في القديم : لا يستحق من الأجرة شيئا ووجه ذلك أن المقصود بالإجارة إسقاط الفرض عن المستأجر ، وموته قبل كمال الأركان غير مسقط للفرض عن المستأجر فلم يستحق الأجرة ولا شيئا منها ؛ لعدم المقصود بها ، وكان كمن قال لغيره : إن جئتني بعبدي الآبق فلك دينار فجاء به بعض المسافة ثم هرب أو مات لم يستحق من العوض شيئا وإن عمل بعض العمل ؛ لفوات المقصود وهو رد الآبق ؛ كذلك موت الأجير في الحج قبل كمال أركان الحج .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو الصحيح وبه قال في الجديد : إنه يستحق من الأجرة بقسط ما عمل ؛ لأن الأجرة مقسطة على الأعمال المقصودة وهي أركان الحج ومناسكه ؛ كالإجارة على بناء حائط ، أو خياطة ثوب بتقسيط الأجرة فيه على أجزائه ، فلو مات الأجير بعد عمل بعضه استحق من الأجرة بقسطه ؛ كذلك الإجارة على الحج ، ولا يشبه ذلك الجعالة ؛ لأن عقد الإجارة لازم ، فتقسطت الأجرة على الأعمال ، والجعالة غير لازمة فاستحق العوض فيها بعمل المقصود ولم تتقسط على الأعمال ، فإذا ثبت أنه يستحق من الأجرة بقسط ما عمل فهل تكون الأجرة مقسطة على المسافة والعمل أم تكون مقسطة على العمل دون المسافة ؟ على قولين : أحدهما : إنها تقسط عليهما فيكون له من الأجرة بقدر سفره وعمله ؛ لأن ما لا يتوصل إلى المقصود إلا به فهو مقصود في نفسه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إنها تقسط على العمل دون المسافة فيكون له من الأجرة بقسط عمله دون سفره ، والأول أظهر عندي .

                                                                                                                                            وأما الضرب الثاني : وهو أن تكون الإجارة في الذمة ، فلا تبطل بموت الأجير ، لكن قد اختلف قول الشافعي : هل يجوز لغيره البناء على عمله أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم : يجوز لغيره البناء على عمله ، ووجه ذلك شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المقصود إكمال الأركان ليسقط بها الفرض فلم يفترق الحال بين أن يكملها شخص واحد أو شخصان .

                                                                                                                                            والشيء الثاني : أن الحج قد يكمل لشخصين ؛ ألا ترى أن حج الصبي قد يكمل لشخصين ؛ لأن وليه يحرم عنه ثم يأتي الصبي بباقي الأركان بنفسه ؟ كذلك الأجير .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الجديد : إنه لا يجوز لغيره البناء على عمله ، ووجه ذلك شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : إن الحج عبادة يفسد أولها بفساد آخرها فلم يجز إكمالها بشخصين كالصلاة والصيام .

                                                                                                                                            [ ص: 275 ] والشيء الثاني : أنه لو جاز لغيره البناء على عمله ميتا لجاز لغيره البناء على عمله حيا ، فلما لم يجز البناء على عمل الأجير إذا كان حيا لم يجز البناء على عمله إذا كان ميتا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية