الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما العظم ، والقرن ، والسن ، والظفر ، والخف ، والحافر فضربان :

                                                                                                                                            [ الأول ] : ضرب أخذ من غير مأكول فهو نجس إذ لا أصل لطهارة أجزائه .

                                                                                                                                            و [ الثاني ] : وضرب أخذ من مأكول اللحم ، فإن كان بعد الذكاة فهو طاهر ، لأن الذكاة قد طهرت جميع أجزائه سوى دمه ، وحكي عن بعض الشاذة أنه قال بطهارة دمه ، وهذا قول مدفوع بالنص والإجماع .

                                                                                                                                            فأما المأخوذ منه بعد موته فنجس لما دللنا ، وكذا المأخوذ منه في حياته لرواية أبي واقد الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما قطع من حي فهو ميت " . فإن قيل : فهلا كان المأخوذ منه في حياته طاهرا كالشعر .

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الشعر طاهر بارز فصار كالمتميز ، والعظم باطن كامن يجري مجرى اللحم والشحم .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشعر يستخلف ، وفي أخذه منفعة فصار باللبن أشبه ، والعظم لا يستخلف وفي أخذه مضرة بالأعضاء وإذا نجس العظم لا يطهر بالدباغة ، ولا بالغسل ، ولا [ ص: 74 ] بالطبخ ، وحكي عن الليث أن العظم النجس إذا طبخ حتى خرج دهنه صار طاهرا ، وهذا خطأ ، لأن عظم الميتة نجس الذات فلم يطهر بفراق ما جافره من الدهن ، ولا يجوز استعماله في شيء من الذائبات لكن يجوز في اليابسات ، ويجوز وقوده في النار تحت القدور ، وفي التنانير ، واختلف أصحابنا في نجاسة دخانه ودخان سائر النجاسات الموقدة على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه طاهر : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح الاستصباح بالزيت النجس مع علمه بحال دخانه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه نجس : لأنه حادث عن عين نجسة ، والنار لا تطهر النجاسة ، فعلى هذا هل يعفى عنه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يعفى عنه للحوق المشقة في التحرز منه واعتبارا بالعرف المستعمل فيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يعفى عنه : لأن نجاسته نادرة فكان التحرز منهما ممكنا فعلى هذا لو حصل في تنور مسجور وجب مسحه قبل الخبز فيه : فإن مسحه بخرقة يابسة طهر ، لأنها نجاسة يابسة زالت عنه بالمسح ، وإن مسحه بخرقة رطبة لم يطهر إلا بالغسل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية