الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب البيع مرابحة

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإذا باعه مرابحة على العشرة واحد ، وقال قامت علي بمائة درهم ، ثم قال : أخطأت ولكنها قامت علي بتسعين ، فهي واجبة للمشتري برأس مالها وبحصته من الربح " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . وجملة البيوع ثلاثة : بيع مساومة ، وبيع مرابحة ، وبيع مخاسرة . فأما بيع المساومة فمتفق على جوازه ، وهو أن يستام البائع سلعته بمائة درهم ويطلبها المشتري بثمانين درهما ، ثم يتقرر الثمن بينهما بعد المماكسة على تسعين درهما . وأما بيع المرابحة فصورته أن يقول : أبيعك هذا الثوب مرابحة على أن الشراء مائة درهم ، وأربح في كل عشرة واحدا ، فهذا بيع جائز لا يكره . وحكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنهما كرها ذلك مع جوازه .

                                                                                                                                            وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه أبطله ومنع من جوازه : استدلالا بأن الثمن مجهول ، وإن كذبه في إخبار الشراء غير مأمون . والدليل على جوازه عموم قوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا [ البقرة : 275 ] ولأن الثمن في بيع المرابحة معلوم كما أنه في بيع المساومة معلوم ، إذ لا فرق بين قول : بعتك هذا الثوب بمائة وعشرة ، وبين قوله : بعتك بمائة وربح كل عشرة واحد ، وأن كلا الثمنين مائة وعشرة وإن اختلفت العبارتان ، كما لا فرق بين قوله : بعتك هذا الثوب بتسعين ، وبين قوله : بمائة إلا عشرة ، في أن كلا الثمنين تسعون وإن اختلفت العبارتان ، ولا وجه لما ذكر من جهالة الثمن : لأن مبلغه وإن كان مجهولا حال العقد فقد عقداه بما يصير الثمن به معلوما بعد العقد ، وذلك لا يمنع من صحة العقد ، كما لو باعه صبرة طعام كل قفيز بدرهم صح البيع ، وإن كان مبلغ الثمن مجهولا وقت العقد : لأنهما عقداه بما يصير الثمن به معلوما بعد العقد . ولا وجه لما ذكر بأن كذب البائع في الثمن غير مأمون : لأن الظاهر صدقه إذ أثبت حكما بذكره . على أن المروي عن ابن عباس أنه كره قولهم : ده ذوازده . وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه كره عقدهم بالأعجمية وعدولهم عن العربية .

                                                                                                                                            والثاني : كره يحمل ذلك منهم على بيع الدراهم في جواز العشرة بالاثني عشرة .

                                                                                                                                            [ ص: 280 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية