الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولا خير في أن يسلفه مائة على أن يقضيه خيرا منها ، ولا على أن يعطيه إياها في بلد كذا ، ولو أسلفه إياها بلا شرط فلا بأس أن يشكره فيقضيه خيرا منها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . أما القرض فإنما سمي قرضا : لأن المقرض يقطع قطعة من ماله فيدفعها إلى المقترض . والقطع في كلامهم هو القرض ، فلذلك قيل : ثوب مقروض ؛ أي : مقطوع ، وسمي المقراض مقراضا ؛ لأنه يقطع .

                                                                                                                                            والقرض معونة وإرفاق ، والدليل على جوازه وإباحته : ما روى عطاء ، عن أبي رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من رجل بكرا فرد رباعيا ، وقال : خيار الناس أحسنهم قضاء . وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة ، عن أبيه ، عن جده قال : استقرض مني رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا ، ثم أتى بمال فقال : ادعوا لي ابن أبي ربيعة فقال : هذا مالك فبارك الله لك في مالك وولدك ، إنما جزاء السلف الحمد والوفاء .

                                                                                                                                            وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من رجل صاعا فرد عليه صاعين . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قرض جر منفعة . فدل على جوازه إذا لم يجر منفعة .

                                                                                                                                            فإذا ثبت جواز القرض فهو إنما يجوز في الأموال المنقولة ، فأما ما لا ينقل من الدور والعقار والضياع فلا يجوز قرضها اعتبارا بالعرف فيها ، وإن العادة جارية بإعارتها ، وإن ثبوتها في الذمم لا يصح . فأما الأموال المنقولة فعلى ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان له مثل ، كالدراهم والدنانير والبر والشعير ، وما جرى مجراه ، فقرض هذا يصح وهو مضمون على مقترضه بمثله وصفته وقدره .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما لا مثل له ، ولكن يضبط بالصفة ، كالثياب والحيوان ، فقرض ذلك جائز إلا الجواري فإن قرضهن لا يجوز على ما سنذكره ، وبماذا يصير هذا الضرب مضمونا على مقترضه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مضمون عليه بقيمته كالمغصوب إذا لم يكن له مثل .

                                                                                                                                            [ ص: 353 ] والوجه الثاني : وهو ظاهر المذهب أنه مضمون بالمثل : لأنه يصح ثبوته في الذمة إذا وصف ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض حيوانا فرد حيوانا .

                                                                                                                                            ولأن القرض إرفاق ومعونة فباين حكم المغصوب بالمفاضلة .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : ما لا مثل له ، ولا يضبط بالصفة ، كاللؤلؤ والجوهر والمعجونات من طيب أو دواء والخبز والبر المختلط بالشعير ، فهذا وما جرى مجراه في جواز قرضه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو مذهب البصريين ، أن قرضه باطل : لأنه لا يضبط بمثل ولا صفة فلم يصح استقراره في الذمة كالسلم .

                                                                                                                                            فتكون العلة فيما يصح قرضه على مذهب البصريين أنه يصح فيه السلم ، وما لا يصح قرضه هو ما لا يصح فيه السلم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو مذهب البغداديين ، أن قرضه جائز : لأن بيعه جائز ، وجعلوا العلة فيما يجوز قرضه أنه يجوز بيعه ، ويكون مضمونا على مقترضه بالقيمة وجها واحدا .

                                                                                                                                            وفي اعتبار زمان ما ضمن من القرض بالقيمة ؛ وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن قيمته معتبرة وقت قبضه . وهذا قول من زعم أن القرض يملك بالقبض .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يضمن قيمته أكثر ما كان قيمة من حين قبض إلى حين تصرف . وهذا قول من يزعم أن القرض يملك بالتصرف .

                                                                                                                                            فصل : فأما الحيوان فإن أبا حنيفة منع من جواز قرضه بناء على أصله في أن السلف فيه لا يجوز .

                                                                                                                                            والدلالة على جواز قرضه مع ما يدل عليه من جواز السلم فيه حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من رجل بكرا ورد عليه جملا رباعيا . ولأن كل عين صح أن تثبت في الذمة صداقا صح أن تثبت في الذمة قرضا وسلما كالثياب . ولأن كل ما جاز للإمام أن يقترضه للمساكين ، جاز لغيره أن يقترضه لنفسه كالدراهم والدنانير ، فإن أبا حنيفة يجوز للوالي أن يقرض الحيوان للمساكين . والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : وأما الجواري ، فإن المزني وداود وابن جرير الطبري يجيزون قرضهن كما يجوز السلم فيهن .

                                                                                                                                            وهذا خطأ : لأن ملك القرض غير مستقر : لأن للمقرض استرجاعه وللمقترض رده ، والوطء لا يجوز إلا في ملك تام ، لأن لا يصير الإنسان مستبيحا للوطء بغير بدل ، وليس هذا كالأب إذا وهب جارية لولده في جواز الهبة مع جواز استرجاع الأب لها : لأن ملك الأب قد انقطع بالهبة وإنما يستحدث ملكها بالاسترجاع .

                                                                                                                                            [ ص: 354 ] ولأن الوطء منفعة لا تستباح بالعارية فوجب أن لا تستباح بالقرض كالحرة .

                                                                                                                                            فإذا صح ما ذكرنا فلا يخلو حال الجارية من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تكون ممن يستبيح المقترض وطأها ، أو ممن لا يستبيح وطأها ، فإن كانت ممن يستبيح وطأها في الحال أو في ثاني الحال عند إحلال من إحرام ، أو إسلام من ردة ، أو خروج من عدة لم يجز قرضها لما ذكرنا من المعنى .

                                                                                                                                            ولا يصح ما ذهب إليه المزني من تأويل كلام الشافعي في جواز قرضهن أن يكون قولا ثانيا كما وهم بعض المتأخرين من أصحابنا .

                                                                                                                                            بل منصوصات الشافعي رحمه الله كلها دالة على تحريم قرضهن .

                                                                                                                                            وإن كانت ممن لا يستبيح المقترض وطأها إما لكونها ذات محرم ، وإما لأن المقترض امرأة ففي جواز قرضها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول البغداديين ، أن قرضها إذا حرم وطؤها جائز اعتبارا بالمعنى ، وأنه قرض لا يفضي إلى استباحة الوطء فجرى مجرى قرض العبيد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول البصريين ، أن قرض من حرم وطؤها لا يجوز كما أن قرض من حل وطؤها لا يجوز : لأنهن يصرن جنسا لا يجوز قرضه ، ولأن ما لا يجوز قرضه من شخص لا يجوز قرضه من غيره كالمباحة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت جواز قرض ما ذكرنا فقد اختلف أصحابنا بماذا يملك القرض على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يملك بالقبض كالهبة ، ولأنه لما جاز للمقترض بالقبض أن يتصرف فيه من كل وجه دل على حصول الملك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يملك بالتصرف بعد القبض : لأنه عقد إرفاق للمقرض بعد القبض استرجاعه ، وللمقترض رده . فدل على أنه لم يحصل له ملكه .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذان الوجهان فللمقرض مع بقاء القرض في يد المقترض أن يسترجعه سواء تصرف فيه أو لم يتصرف ، وليس للمقترض أن يمنعه من استرجاع عينه بإعطاء بدله : لأن كل عين استحقت فاسترجاعها مع بقائها أولى من استرجاع بدلها .

                                                                                                                                            فلو كان القرض قد خرج عن يد المقترض ببيع أو هبة كان للمقرض أن يطالبه ببدله فإن كان ذا مثل فمثله ، وإن كان غير ذي مثل ففي أحد الوجهين بقيمته ، ولا يلزم المقترض أن يسترجع العين التي ملكت عليه ليردها على المقرض بعينها ، لأن من صارت إليه لا يلزمه رفع يده عنها ولا إزالة ملكه .

                                                                                                                                            فلو عادت إلى ملك المقترض بعد خروجها منه بابتياع أو هبة أو ميراث فهل للمقرض رجوع بعينها أو ببدلها على وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 355 ] أحدهما : يرجع بعينها ؛ لأنها عين ما اقترض فلم يلزم أن يعدل عنها إلى البدل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه ليس له استرجاع عينها إلا برضا المقترض ، ويرجع إلى بدلها لسقوط ذلك بخروجها عن يده وعودها باستحداث ملك آخر . فلو أن المقترض رهن ما اقترضه لم يكن للمقرض أن يرجع بعينه لتعلق حق المرتهن به ويرجع عليه ببدله . فلو فكه من الرهن قبل الرجوع ببدله كان للمقرض أن يرجع بعينه دون بدله : لأنه قد كان على ملك المقترض لم يزل عنه بالرهن .

                                                                                                                                            فلو كان المقترض قد أجره كان للمقرض أن يرجع به ؛ لأنه مع الإجارة باق على ملكه ، والإجارة على حالها لا تبطل برجوع المقرض ، والأجرة للمقترض : لأن عقد الإجارة في ملكه ، فإن أراد المقرض أن يرجع ببدله كان ذلك له : لأن إجارته بعض لا يلزمه الرضا به . فلو كان القرض في يد المقترض فحدث به عيب عنده : فإن كان القرض مما يستحق الرجوع بمثله كان المقرض بالخيار بين أن يرجع بعين ما أقرض معيبا ولا أرش له ، وبين أن يرجع بمثله سليما ، وخالف المغصوب الذي لا يجوز الانتقال عن عينه مع وجوده : لأن الغصب لا يزيل الملك والقرض يزيله ، وإن كان القرض مما يستحق الرجوع بقيمته كان له أن يرجع بالقرض معيبا وبأرش عيبه .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن ما له مثل ، فليس للقيمة فيه مدخل فكذلك الأرش ، وما لا مثل له لما وجبت قيمته دخله الأرش .

                                                                                                                                            فصل : ولصحة القرض فيما يجوز قرضه ، ثلاثة شروط معتبرة :

                                                                                                                                            فأما الشرط الأول : فهو إطلاق القرض حالا من غير أجل مشروط فيه ، فإن شرط فيه أجلا وقال : قد أقرضتك مائة درهم إلى شهر لم يجز .

                                                                                                                                            وقال مالك : يجوز القرض مؤجلا ، ويلزم فيه الأجل ، ولا يجوز للمقرض المطالبة به قبل أجله .

                                                                                                                                            وحكي نحوه عن علي وابن عباس .

                                                                                                                                            وكان بعض أصحابنا يغلط فيذهب إلى جوازه ، ويتناول كلاما للشافعي في كتاب السلف أنه قال : وإن وجد الحاكم من يسلفه المال حالا لم يجعله أمانة .

                                                                                                                                            وإن دليل هذا الكلام جواز القرض مؤجلا . وهذا تأويل فاسد : لأن الشافعي أجاز ذلك للحاكم ، وإن كان يرى تأجيل القرض على مذهب من يجيزه : لأن أموال اليتامى لا يجري نظر الحاكم فيها مجرى نظر المالكين . وإن كان مذهبه لم يختلف في حظر تأجيل القرض . واستدل من ذهب إلى جواز تأجيله بقوله صلى الله عليه وسلم : المسلمون على شروطهم . ولأن حقوق المراضاة إذا صح ثبوتها في الذمة معجلا صح ثبوتها في الذمة مؤجلا كالأثمان .

                                                                                                                                            [ ص: 356 ] وهذا خطأ : لقوله صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، ولو كان مائة شرط .

                                                                                                                                            فأثبت أحكام الشروط إذا جاء النص بها ودل الكتاب عليها . ولأن ما منع من التفاضل منه منع من دخول الأجل فيه كالصرف .

                                                                                                                                            ولأن من حكم القرض أن يملك كل واحد منهما به مثل ملك صاحبه ، فلما كان المقترض قد ملك القرض معجلا وجب أن يكون المقرض قد ملك بدله معجلا . وأما الخبر الذي استدلوا به فمخصوص بخبرنا . وأما قياسهم على الأثمان فمنتقض بالصرف ، ثم المعنى في الأثمان أنه لما جاز الزيادة فيها صح دخول الأجل فيها ، والقرض لما لم تجز الزيادة فيه لم يصح دخول الأجل فيه .

                                                                                                                                            فإذا صح أن تأجيل القرض لا يجوز ، فقد اختلف أصحابنا هل يبطل القرض باشتراط الأجل فيه ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قد بطل القرض : لاشتراط ما ينافيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ، أن القرض صحيح : لأن الأجل وإن كان غير لازم فتأخيره من غير شرط جائز فلم يتنافيا ؛ والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : وأما الشرط الثاني : فهو أن لا يشترط المقرض على المقترض نفعا زائدا على ما اقترض : لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة .

                                                                                                                                            فإن شرط زيادة على القرض فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون القرض مما يدخله الربا كالذهب والفضة والبر والشعير ، فمتى شرط فيه زيادة لم يجز ، وكان القرض باطلا ، سواء كانت الزيادة في القدر ، كقوله : قد أقرضتك هذه المائة بمائة وعشرة ، أو كانت الزيادة في الصفة كقوله : قد أقرضتك هذه المائة العلة بمائة صحاح ، أو كانت الزيادة في المنفعة كقوله : قد أقرضتك هذه المائة على أن تخدمني شهرا أو على أن تكتب لي بها سفتجة إلى بلد كذا : لأن هذا نفع يعود عليه لما سقط عنه من خطر الطريق ، فالقرض في هذا كله باطل لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قرض جر منفعة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه .

                                                                                                                                            والثاني : أن ثبوت الربا فيه بهذا الوجه يمنع منه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون القرض مما لا ربا فيه ، كالثياب والحيوان ، فإن كان ما شرط من الزيادة لا يتعلق بنفس القرض كقوله : على أن تخدمني شهرا لم يجز ، وكان قرضا باطلا : لأن القرض ليس بلازم ، والاستخدام لوضع شرط لازم فتنافيا .

                                                                                                                                            وإن كانت الزيادة تتعلق بنفس القرض ، إما في قدره كقوله : قد أقرضتك هذا الثوب بثوبين أو هذا العبد بعبدين ، أو في صفة كقوله : قد أقرضتك هذا الثوب الهروي بثوب مروي ؛ ففي صحة القرض وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 357 ] أحدهما : وهو قول جمهور أصحابنا أنه قرض باطل : لأنه قرض جر منفعة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي حامد المروذي أنه جائز : لأنه لما جاز مثل هذا في البيع وإن لم يجز مثله في القرض انصرف عن حكم القرض إلى المبيع ، فصار بيعا بلفظ القرض .

                                                                                                                                            وهذا القول واضح الفساد : لأنه يقتضي نقل القرض المقصود إلى بيع ليس بمقصود ، ولكن لو أن المقترض رد زيادة على المقرض من غير شرط جاز ، وكان محسنا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد مكان بكر رباعيا ، وقال : خياركم أحسنكم قضاء . ورد مكان صاع صاعين . لكن إن كانت الزيادة في الصفة كالصحاح مكان الغلة أو الطعام الحديث مكان العتيق لزم المقرض قبولها . وإن كانت الزيادة في القدر كالصاعين مكان الصاع والدرهمين مكان الدرهم فهي هبة لا يلزم المقرض قبولها إلا باختياره .

                                                                                                                                            فهذا الكلام في الشرط إذا كان زائدا . فأما الشروط الناقصة كأن أقرضه صحاحا ليرد مكانها غلة ، أو طعاما حديثا ليرد مكانه عتيقا فالشرط باطل . وفي بطلان القرض به وجهان كالأجل . وكذلك كل شرط ناقص . والفرق بين الشروط الزائدة في بطلان القرض بها ، وبين الشروط الناقصة في صحة القرض على أحد الوجهين مع ما نذكر من الفرق في الرهن وبين الشروط الزائدة فيه ، والشروط الناقصة منه ، فأما شرط الرهن والضمين في القرض فهو جائز ، وليس من هذين النوعين وإنما هو استيثاق فيه .

                                                                                                                                            ثم لا يخلو حال القرض الذي شرط فيه الضمين والرهن من أن يكون المستحق فيه المثل أو القيمة ، فإن كان المستحق فيه المثل جاز شرط الرهن فيه والضمين .

                                                                                                                                            وإن كان المستحق فيه القيمة ففي صحة شرط الرهن والضمين ؛ فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يصح شرط الرهن والضمين فيه ، وهذا قول من زعم أن قيمة القرض معتبرة بأكثر أحواله من حين القبض إلى حين التصرف ، فلا يصح أخذ الرهن والضمين فيه للجهالة بقيمته .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يصح أخذ الرهن والضمين فيه ، وهذا على قول من زعم أن قيمته معتبرة وقت القبض . فعلى هذا إن علما قدر قيمته عند شرطه ووقت قبضه جاز أخذ الرهن فيه والضمين ، وإن جهلا أو أحدهما لم يجز . والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : وأما الشرط الثالث فهو أن يكون القرض معلوما ، والعلم به معتبر باختلاف حاله ، فإن كان مما يستحق الرجوع بقيمته ، فالعلم به يكون بمعرفة قيمته ولا اعتبار بمعرفة قدره ولا صفته إذا صارت القيمة معلومة لاستحقاق الرجوع بها دون غيرها ، وإن كان مما يستحق الرجوع بمثله ، فالعلم به يكون من وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 358 ] أحدهما : معرفة قدره .

                                                                                                                                            والثاني : معرفة صفته . فتنتفي الجهالة عند المطالبة . فأما الصفة فمعتبرة بحسب اعتبارها في السلم .

                                                                                                                                            وأما القدر فيكون بالوزن إن كان موزونا ، وبالكيل إن كان مكيلا ، والذرع والعدد إن كان مذروعا أو معدودا .

                                                                                                                                            فلو كان القرض مكيلا فأقرضه إياه وزنا جاز إن لم يكن فيه الربا : لأنه يصير به معلوما .

                                                                                                                                            وإن كان فيه الربا فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز خوف الربا كالبيع .

                                                                                                                                            والثاني : يجوز ، وبه قال أبو حامد المروذي : لأن القرض عقد إرفاق وتوسعة لا يراعى فيه ما يراعى في عقود المعاوضة . ألا ترى لو رد زيادة على ما اقترض من غير شرط جاز ، وإن لم يكن ربا محرما .

                                                                                                                                            ولو كان القرض موزونا فأقرضه إياه كيلا ، فإن كان مما لا ينحصر بالكيل كالقطن ، والكتان والصفر والنحاس لم يجز : لأن الجهالة لم تنتف عنه . وإن كان مما ينحصر بالكيل فإن لم يكن فيه الربا جاز وإن كان فيه الربا فعلى الوجهين :

                                                                                                                                            ولكن لو أقرضه جزافا فلم يجز للجهل بقدر ما يستحق الرجوع به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية