الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : إذا وقعت في الماء جرادة أو حوت

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن وقعت فيه جرادة ميتة أو حوت لم تنجسه : لأنهما مأكولان ميتين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحلت لنا ميتتان ودمان " فذكر في الميتين الحوت والجراد ، وفي الدمين الكبد والطحال ، فأما الجراد فمن صيد البر ، فهو مأكول ، وموته ذكاته ، فإذا مات في الماء أو وقع فيه ميتا فالماء طهار : لأنه بعد موته محلل أكله كاللحم الذكي الذي لا ينجس الماء بوقوعه فيه وأما الجواب عن صيد البحر وصيد البحر ينقسم ثلاثة أقسام : قسم متفق على أكله ، وهو الحوت ، فأما إذا مات في الماء فهو طاهر وأكله حلال ، سواء كان موته بسبب ، أو غير سبب وقال أبو حنيفة : إن كان موته بسبب [ ص: 323 ] أكل ، وإن كان بغير سبب لم يؤكل ، وللكلام معه موضع غير هذا ، فأما دم الحوت فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : نجس كسائر الدماء ، وينجس ما وقع فيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه طاهر ، لا ينجس ما أصابه : لأن الحوت لما باين سائر الأموات باين دمه سائر الدماء .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : من حيوان البحر ما اتفق على تحريمه وهو الضفدع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وكذلك سائر ذوات السموم كحيات الماء وعقاربه ، فهذه كلها محرمة الأكل ، وهي إذا ماتت نجسة ، وهل ينجس الماء بموته فيه أم لا ؟ على ما مضى في القولين ، وقال أبو حنيفة : إنها طاهرة ، وإن كانت محرمة ، ولا ينجس الماء بموتها على أصله فيما لا نفس له سائلة ، وقد مضى الكلام معه فيه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما اختلف في إباحته ، وهو ما سوى الحوت المباح ، وذوات السموم المحرمة من دواب الماء وكلابه وخنازيره وسباعه فقد علق الشافعي القول فيه ما سنشرحه في موضعه ، فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : أن جميعه حرام ما لم يكن حوتا لقوله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان " فذكر الحوت والجراد فدل على أن ما سوى الحوت ليس بحلال .

                                                                                                                                            والثاني : أن جميعه حلال لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " فكان على عمومه في جميع ميتته .

                                                                                                                                            والثالث : أن ما أشبه محرمات البر كالكلاب والخنازير والحمر والسباع كان حراما ، وما أشبه المأكول منه مثل دواب الماء وبقره كان حلالا ، فعلى هذا إذا قلنا : بإحلال ذلك ، فهو طاهر بعد موته ، والماء الذي مات فيه طاهر ، وإذا قلنا : أنه حرام ، كان نجسا بعد موته ، وهل ينجس ما مات فيه ؟ على قولين : وقال أبو حنيفة : ليس بنجس ولا ينجس والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية